كتب - خالد على: كانت سعادة الأم بالغة عندما تقدم لخطبة ابنتها - راندا - شاب طموح يعمل ليل نهار ليكتسب ما يعينه على أعباء الزواج، فقد كان جارهم المشهود له بالأدب الجم، وقد كانت فتيات القرية يمنين أنفسهن بذلك العريس، لكن وقع اختياره على راندا جارتهم، فى تلك القرية البسيطة المتاخمة للجبل الغربى بمركز طما. وكان سر سعادة الأم - صابرين - أن ابنتها كانت متمردة على عيشتهم، غير قانعة بما قسم الله لهم من رزق بسيط يعينهم على شئون الحياة، ولم تمر سنوات طويلة على مساندة الأب لأسرته، فقد مات متأثراً بمرضه الخبيث، بعدما أنفقت الأسرة كل ما تمتلك من مال ومنقولات على علاجه. تم زفاف البنت على عريسها وسط أنغام المزمار البلدى، وسهر أبناء القرية حتى الصباح، يلعبون لعبة التحطيب المشهورة فى صعيد مصر، وما هى إلا شهور حتى دبت الخلافات بين راندا وعريسها - حسن - بسبب رغبتها فى الخروج من المنزل بسبب وبدون سبب، فتوجه إلى أمها وحكى لها ما كان من أمر ابنتها، فتوجهت للأم للابنة تقدم لها النصيحة وتحاول أن تعقد صلحا بينها وبين زوجها، ولكن هيهات لما أرادت، فقد أصرت الابنة على أبغض الحلال، ولم يعترض الزوج كثيرا على طلاقها، فقد رأى أن يتخلص من تلك الزوجة التى أحالت حياته جحيما لا يطاق. تم الطلاق فى هدوء وعادت راندا إلى منزل أسرتها، وحاولت الأم أن تتقبل الموضوع ببساطة، حتى لا يشمت بها الأعداء من الأقارب والجيران، ولكن تصرفات ابنتها جعلتها تكره كل ما فى الحياة، فقد شعرت أن ابنتها مستهترة تريد الخروج، دون مراعاة للأعراف والتقاليد التى ينظمها مجتمع الصعيد. فى تلك الليلة الموعودة، دخلت الأم إلى غرفة ابنتها، فوجدتها ترتدى ثياب الخروج، فسألتها لماذا لا تلبسين ملابس النوم، فأجابتها الابنة بكل ضيق أنها تنوى الخروج لمقابلة إحدى صديقاتها، فنهرتها الأم بشدة عن الخروج ليلاً، لأن ذلك يخالف العرف، وسيجعل ألسنة المتربصين تلوكها، وخاصة أنها لم يمض على طلاقها سوى بضعة شهور، وهذا الأمر لا يغتفر عند الجيران والأقارب، ولكن الابنة ما زالت تقف أمام المرآة وترتدى أفضل ملابسها على الإطلاق، فنهرتها الأم وجذبتها بالإيشارب الذى ترتديه جذبة قوية، جعلها تسقط على الأرض مغشى عليها، فاستجمعت قواها ولم تحاول الصراخ حتى لا يتجمع الجيران، وحملتها خارج المنزل فوجدت سائق توك توك فى الشارع فطلبت منه مساعدتها فى حمل ابنتها التى فاجأتها آلام مزمنة. وصلت الأم وهى تحمل ابنتها المغشى عليها إلى مستشفى طما المركزى، وقام طبيب الاستقبال بتوقيع الكشف الطبى عليها، ثم نظر إلى الأم نظرة شفقة وقال لها بصوت حزين: البقية فى حياتك، فدارت بها الدنيا ولم تستطع أن تنطق بكلمة، وعندما سألها الطبيب عن سر مرضها المفاجئ أخبرته بأنها كانت مريضة من يومين ورفضت الذهاب للطبيب، ولكن الطبيب من خلال توقيع الكشف الطبى عليها، وجد تجمعات دموية فى منطقة الأنف، فقام بإبلاغ اللواء عمر عبدالعال مدير أمن سوهاج بالواقعة، مضيفا أنه لا يستطيع الجزم بسبب الوفاة. تم إخطار النيابة العامة بإشراف المستشار أحمد حلمى المحامى العام لنيابات شمال سوهاج، فأمرت بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة وتكليف المباحث بالتحرى عن الواقعة، وقد ورد تقرير الصفة التشريحية الذى يفيد بأن هناك كسراً فى العظمة اللامية، وأن القتيلة ماتت باسفكسيا الخنق. تم تشكيل فريق بحث بإشراف اللواء خالد الشاذلى مدير مباحث سوهاج، حيث توصلت التحريات لكشف خيوط الجريمة، تم ضبط الأم القاتلة واصطحابها إلى مكتبه وظلت تبكى لساعة متواصلة وتقول له إنها لم تكن تنوى قتلها بل كانت تحاول تأديبها، ولم تقصد أن تقوم بتلك الجريمة البشعة لأنها كانت ابنتها الوحيدة، ولكن تمردها كان السبب فى طلاقها، وكان السبب فى قتلها، وأضافت أنها لا تخشى السجن بعدما ماتت راندا، فلذة كبدها فقد ماتت وماتت معها الحياة، وأحيلت إلى النيابة العامة فأمرت بحبسها.. حالها فى السجن تدمع له العيون وتئن له القلوب امتنعت على الكلام والطعام والنوم كل ما يردده لسانها «راندا» لم أقصد قتلها بنتي.. نفسى أموت.. تغيب عن الوعى لحظات وعندما تعود لوعيها تصرخ "راندا".. لم تعد تستطيع الصبر على ما أصابها وكأنها تنتظر الموت لتلحق بابنتها.