عيونها دامعة ذابلة.. قلبها كسير.. قامتها منحنية.. أكتافها ناءت بحملها الثقيل.. عندما تقع عيناك عليها ترى هموم الدنيا قد طبعت بصماتها على الجسد النحيل.. إنها واحدة من آلاف.. بل ملايين البشر الذين طحنهم الفقر وهدهم المرض..عمرها لم يتجاوز بعد الثالثة والعشرين إلا أنها تحمل هموم كهل فى السبعين.. بطلة المأساة ذاقت مرارة الفقرمنذ أن فتحت عينيها على الدنيا.. فهى من أسرة تعيش فى قرية تحت خط الفقر..الأب يعمل فلاحا أجيرا.. يحاول أن يوفر لقمة العيش التى تسد أفواه أطفاله.. الأم كل همها أن تعمل وتجاهد وتساعد الزوج فى تلبية أقل القليل من طلبات بناتها الخمس.. ولكن كان الفقر وقلة الرزق والجهل هم الأصدقاء الدائمين لهذه العائلة.. سنوات ومر خراط البنات على الابنة الكبرى وحولها إلى أنثى وترى ذلك فى نظرة عين أمها.. التى طالما تمنت أن ترى ابنتها الحبيبة عروسا يوم زفافها.. وبالفعل ماهى إلا شهور قليلة حتى تقدم العرسان لها واختارت هى وأمها العريس الذى مال له قلبها.. كان حاله لايختلف عن حالهم لا يملك شيئا.. ولكن القلب له أحكام.. شهور قليلة وانتقلت إلى بيته الذى كان يتكون من حجرة بسيطة لايحتوى إلا على القليل من الأثاث.. كانت كل أمنياتها أن يعيش حياة سعيدة..مرت شهور قليلة كانت تحاول بكل ماتملك من طاقة أن تغمر زوجها وبيتها بالحب والسعادة.. رزقها الله بابنة جميلة فرحت بها.. ولكن دوام الحال من المحال.. بدأت تشعر بآلام فى جسدها.. أصابها الوهن والضعف.. كانت الآلام تتزايد وتحول لون الوجه إلى الأزرق والشفاه إلى اللون الباهت.. وأصبحت غير قادرة أن تقف على قدميها.. طلبت الأم من زوج ابنتها أن يصطحبها إلى الطبيب ولكنه تعلل بعدم القدرة وأن العين بصيرة واليد قصيرة.. وبالرغم من فقر الأسرة إلا أن الأم وفرت من قوتها وقوت أسرتها وأخذت الابنة إلى المستشفى.. أكد الطبيب أنها تعانى من أنيميا بسبب سوء التغذية منذ الصغر.. وهاهى ذى الابنة تتجرع مرارة الألم.. كما تجرعت من قبل مرارة الفقر.. طلب الطبيب منها أن تلتزم بالعلاج والغذاء المناسب ولكن الآلام تتفاقم وأصبحت غير قادرة على تحملها.. أدار الزوج لها ظهره وطلب منها أن تنتقل إلى منزل أبيها حتى تستطيع أمها أن ترعاها وترعى طفلتها الصغيرة التى لم تتجاوز شهورًا قليلة من عمرها وتخلى هو عن مسئوليته تجاههما وتركهما فى عنق الأب والأم.. ومع آلامها الشديدة وإصابتها بنوبات قىء وإغماء اضطرت الأم إلى أن تعرضها على طبيب خاص لايعلم إلا الله كيف استطاعت أن توفر قيمة الكشف الخاص به طلب الطبيب إجراء بعض التحاليل وعندما شاهد نتيجتها حول الابنة إلى المعهد القومى للأورام.. وبدأت رحلة العلاج الطويلة.. بعد أن أظهرت التحاليل إصابتها بسرطان بالدم والغدد الليمفاوية.. ذهبت الأم إلى زوج ابنتها تخبره وتطلب منه الوقوف بجوارها إلا أنها أصيبت بصدمة شديدة عندما رفض وأكد عليها ألا تفتح معه هذا الموضوع مرة أخرى فهو لا يملك مايدفعه لعلاج.. عرفت الابنة بذلك فطلبت منه الطلاق فطلب منها الإبراء وبالفعل وافقت بدون ندم بعد أن تخلى عنها ورفض مساعدتها بمجرد علمه بمرضها بالسرطان وحصلت على الطلاق.. وبدأت الابنة المحطمة رحلة علاج طويلة بدأت بجلسات علاج كيماوى وإشعاعى ولكن انتشر المرض.. المرأة الشابة المطلقة وطفلتها تذوقان قسوة الحياة ومرارة المرض.. فهل هناك من يقف بجوارهما ويساعدهما على تحمل الحياة والمرض وخاصة وأن الأب دخله بسيط ولديه من البنات أربع بخلاف الابنة المريضة والحفيدة الطفلة.. من يرد المساعدة فليتصل بمواقف إنسانية.