قامة محنية.. عيوان دامعة.. قلب كسير.. أكتاف ناءت بالحمل الثقيل الذى كتب الله عليها أن تحمله ولا تتوجع.. عندما تنظر إليها ترى هموم الدنيا قد طبعت بصماتها على جسدها الذى أصبح كعود القصب الممصوص.. إنها واحدة من آلاف.. بل أقول من ملايين البشر الذين طحنهم الفقر وهدهم المرض.. وبالرغم من أن عمرها ستة وثلاثون عاماً.. فإنها تحمل هموم كهل فى أواخر عمره.. إنها «أمثال» التى ذاقت مرارة الفقر منذ جاءت إلى دنياها.. إنها تنتمى لأسرة تعيش تحت خط الفقر الأب فلاح أجير فى أرض الغير.. والأم تربى الأولاد وتجاهد يوما بعد يوم لمساعدة الزوج فى توفير لقمة العيش.. لم تحاول أن تبذل أى مجهود لتعليم الأبناء فى المدارس، بل كان كل همها وهمّ الأب أن يتعلموا مهنة تدر عليهم ما يسد رمقهم ولو لقيمات صغيرة قليلة.. إن الفقر وقلة الرزق هو الصديق الأوحد لهذه الأسرة.. ولذلك عملت الابنة فى الحصاد مع زميلاتها فى الفقر، كما عملت مع أمها وساعدتها فى تربية الدواجن كل هذا من أجل توفير سبل العيشة.. سنوات ومر عليها خراط البنات لتصبح انثى مكتملة بمعنى الكلمة.. وما هى إلا شهور وتوافد العرسان عليها واختارت من مال إليه قلبها وكان يمت لها بصلة قرابة من بعيد.. كان مثلها لا يملك شيئا.. ولكن القلب وما يريد وسرعان ما انتقلت معه إلى حجرة بسيطة ليس بها أثاث سوى سرير ودولاب «ضلفتين» وحصيرة.. كانت كل أمنياتها أن تعيش حياة سعيدة مرت شهور قليلة وبدأت تشعر بآلام فى جسدها.. كانت أمها فى ذلك الوقت تدعو الله أن يرزق ابنتها بالذرية الصالحة.. وعندما شعرت الابنة بالآلام ظنت الأم أنها أعراض الحمل.. ولكن الآلام تتزايد وتحول لون وجهها إلى الأزرق والشفاة إلى اللون الأصفر الباهت.. أصبحت غير قادرة على أن تقف على قدميها.. طلبت الأم من زوج ابنتها أن يصطبحها إلى الطبيب، ولكن «العين بصيرة واليد قصيرة».. وقررت الأم بالرغم من فقر الأسرة وعدد الأفراد الكبير أن توفر من قوت الأسرة وتأخذ ابنتها إلى المستشفى، وهنا أكد لها الطبيب أنها تعانى من أنيميا بسبب سوء التغذية وتجرعت «أمثال» مرارة الألم مثلما تجرعت مرارة الفقر طوال عمرها.. طلب الطبيب منها أن تلتزم بالعلاج والغذاء المناسب، ولكن الآلام تتفاقم وأصبحت غير قادرة على تحملها وطلب زوجها منها أن تنتقل للعيش فى منزل أسرتها لترعاها الأم ويوم بعد يوم بدأ فى رفع يده عنها ويتخلى عن مسئوليته تجاهها وتركها فى عنق الأب والأم.. ومع الآلام الشديدة التى تنتابها وإصابتها بنوبات قىء وإغماء اضطرت الأم لعرضها على طبيب خاص يعلم الله وحده كيف استطاعت أن توفر قيمة الكشف الخاص به.. طلب الطبيب إجراء بعض التحاليل وعندما اطلع عليها حول الابنة إلى المعهد القومى للأورام وجاءت الأم معها إلى القاهرة، حيث إنهم يعيشون فى محافظة من محافظات الصعيد.. وبدأت رحلة العلاج الطويلة التى لم تترك للأسرة لا الأخضر ولا اليابس.. فقد أظهرت التحاليل إصابة الابنة بسرطان وفشل بالنخاع العظمى وعندما علم الأب لم يحتمل الخبر وانتقل إلى الرفيق الأعلى وترك الزوجة والابنة فى يد الله وكانت الصدمة الكبرى عندما وصلت الابنة المريضة ورقة الطلاق فلم يتحمل الزوج مرض زوجته ورفض أن يقف بجوارها وتركها وهرب.. وبدأت الابنة المحطمة رحلة العلاج التى بدأت بزرع نخاع عظمى وانتهت بفشل عملية الزرع أحد عشر عاما من العذاب والاستدانة ومد اليد لمواجهة عمليات زرع النخاع المتكررة ونقل الدم وإجراء التحاليل وتلقى جلسات العلاج الكيماوى والإشعاعى وللأسف ارتجاع المرض وتأثيره على أعضاء الجسد.. فهل هناك من يقف بجوارهما ويساعدهما على المرض والحياة؟ من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.