عيونها دامعة ذابلة.. قلبها كسير.. قامتها محنية.. أكتافها ناءت بحملها الثقيل.. عندما تقع عيناك عليها ترى هموم الدنيا قد طبعت بصماتها على الجسد النحيل.. إنها واحدة من آلاف.. بل ملايين البشر الذين طحنهم الفقر وهدّهم المرض.. عمرها لم يتجاوز الخامسة والثلاثين إلا أنها تحمل هموم كهل فى السبعين.. بطلة المأساة ذاقت مرارة الفقر منذ فتحت عينيها على الدنيا.. فهى من أسرة تعيش كآلاف الأسر فى قريتها تحت خط الفقر.. الأب يعمل فلاحا أجيرا فى أرض الغير يكد ويكدح طوال النهار من أجل جنيهات قليلة يحاول بها أن يوفر لقمة العيش التى تسد أفواه أطفاله.. الأم كل همها أن تعمل وتجاهد وتساعد الزوج فى تلبية أقل القليل من طلبات الأولاد.. لم تبذل أى مجهود فى تعليم الأولاد وكيف لها ذلك ودخل الأسرة لا يتحمل أى نفقات إضافية.. كان كل همها أن يتعلم الأولاد أية حرفة تدر بعض الجنيهات لسد احتياجات الأسرة.. وبذلك كان الفقر وقلة الرزق والجهل هم الأصدقاء الدائمين لهذه العائلة.. كانت الفتاة تعمل وتساعد أمها فى تربية الطيور وحملها فى يوم السوق لبيعها وتوفير لقمة العيش.. سنوات إلى أن مر خراط البنات عليها وحولها إلى أنثى وترى ذلك فى نظرة عين أمها.. التى طالما تمنت أن ترى ابنتها الحبيبة عروسا يوم زفافها.. وبالفعل ما هى إلا شهور قليلة حتى تقدم العرسان لها واختارت هى وأمها العريس وكان يمّت لها بصلة قرابة بعيدة بعض الشىء ولكنها وجدت فيه الرجل الذى مال له قلبها.. كان حاله لا يختلف عن حالهم لا يملك شيئا.. ولكن القلب له أحكام.. شهور قليلة وانتقلت إلى بيته الذى كان يتكون من حجرة بسيطة لا تحتوى إلا على سرير ودولاب وحصيرة وبعض أدوات المطبخ.. كانت كل أمنياتها أن تعيش حياة سعيدة. مرت شهور قليلة كانت تحاول بكل ما تملك من طاقة أن تغمر زوجها وبيتها بالحب والسعادة ولكن دوام الحال من المحال.. بدأت تشعر بآلام فى جسدها.. أصابها الوهن والضعف.. كانت الأم فى ذلك الوقت تدعو الله أن يرزق ابنتها بالذرية الصالحة وعندما شعرت الابنة بالآلام ظن الجميع أنها حامل.. ولكن الآلام تتزايد وتحول لون الوجه إلى الأزرق والشفاة إلى اللون الباهت.. وأصبحت غير قادرة أن تقف على قدميها. طلبت الأم من زوج ابنتها أن يصطحبها إلى الطبيب ولكنه تعلل بعدم القدرة وأن «العين بصيرة واليد قصيرة».. وبالرغم من فقر الأسرة فإن الأم وفرت من قوتها وأخذت الابنة إلى المستشفى، وأكد الطبيب أنها تعانى من الأنيميا بسبب سوء التغذية منذ الصغر. وها هى ذى الابنة تتجرع مرارة الألم، كما تجرعت من قبل مرارة الفقر.. طلب الطبيب منها أن تلتزم بالعلاج والغذاء المناسب ولكن الآلام تتفاقم وأصبحت غير قادرة على تحملها.. أدار الزوج لها ظهره وطلب منها أن تنتقل إلى منزل أبيها لترعاها الأم وتخلى هو عن مسئوليته تجاهها وتركها فى عنق الأب والأم.. ومع آلامها الشديدة وإصابتها بنوبات قىء وإغماء اضطرت الأم إلى أن تعرضها على طبيب خاص لا يعلم إلا الله كيف استطاعت أن توفر قيمة الكشف الخاص به طلب الطبيب إجراء بعض التحاليل وعندما شاهد نتيجتها حول الابنة إلى المعهد القومى للأورام، وبدأت رحلة العلاج الطويلة.. بعد أن أظهرت التحاليل إصابتها بسرطان وفشل بالنخاع العظمى. أصيب الأب بالحسرة والألم على ابنته ولم يتحمل أن يراها تتألم وما هى إلا شهور وانتقل إلى الرفيق الأعلى وترك الأم والابنة ليس معهم رجل أو مال.. وكانت الصدمة الكبرى عندما رفض الزوج الوقوف بجوارها وطلبت منه الطلاق فطلب منها الإبراء وبالفعل وافقت بدون ندم بعد أن تخلى عنها ورفض مساعدتها بمجرد علمه بمرضها بالسرطان وحصلت على الطلاق.. وبدأت الابنة المحطمة رحلة علاج طويلة بدأت بزرع نخاع عظمى وفشلت ونقل دم متكرر وإجراء تحاليل وجلسات علاج كيماوى وإشعاعى وللأسف عاد المرض وتأثر به أعضاء الجسد كله.. الأم الأرملة المسنة والابنة المطلقة المريضة تذوقان قسوة الحياة ومرارة المرض.. فهل هناك من يقف بجوارهما ويساعدهما على تحمل الحياة والمرض.. من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية؟