رغم أن موسكو مازالت ترفض إصدار أي قرار من مجلس الأمن الدولي يتضمن انذارا نهائيا للنظام السوري لوقف مجازره ضده المدنيين, إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خرج بتصريحات غير مسبوقة ضد دمشق في الساعات الأخيرة من شأنها أن تربك حسابات الرئيس بشار الأسد حول عدم تخلي روسيا عنه أبدا. ففي 20 مارس, أعلن لافروف أن القيادة السورية ارتكبت "أخطاء كثيرة جدا" فاقمت الأزمة في البلاد, وذلك فيما اعتبر أقوى انتقاد يصدر عن روسيا منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد الأسد قبل عام. وقال لافروف لإذاعة "كومرسانت" الروسية:"نعتقد أن القيادة السورية ردت بشكل خاطئ على الاحتجاجات السلمية عند بدء ظهورها وترتكب أخطاء كثيرة جدا". وأضاف "مسألة من سيقود سوريا في فترة انتقالية لا يمكن تقريرها إلا من خلال حوار يشمل الحكومة والمعارضة، ومطالبة الأسد بالتنحي كشرط لمثل هذا الحوار غير واقعية". واللافت إلى الانتباه أن تصريحات لافروف السابقة تزامنت مع قنبلة فجرتها صحيفة "الفوليو" الإيطالية وكشفت خلالها عن تفاصيل صفقة أمريكية - إيرانية تقضي بموافقة طهران على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد, مقابل منع إسرائيل من توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية. ونقلت الصحيفة الإيطالية عن مصادر استخباراتية غربية القول: "إن نظام الأسد باتت أيامه معدودة, وقد تقرر مصيره في سلسلة من المحادثات السرية في الأشهر الأخيرة بين واشنطنوطهران". وتابعت المصادر ذاتها" أكدت الإدارة الأمريكية التزامها مواصلة السير على طريق الدبلوماسية فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية, وضمان معارضتها أي عمل عسكري من قبل إسرائيل, في مقابل أن تتخلى إيران عن الرئيس السوري, ما يساعد على زيادة عزلة نظامه". واستطردت "الشرط الوحيد الذي فرضته طهران للتخلي عن الأسد, هو أن يتم عزله مع الموالين له على غرار ما حدث في مصر مع الرئيس السابق حسني مبارك, وضمان نقل السلطة إلى يد ترويكا (هيئة) عسكرية محددة بوضوح". وأضافت" ذلك يأتي تحت اسم عملية (دي بي إيه) أو (دمروا بشار الأسد), والتي كان قد تم الإعداد لها جيداً على المستويات اللوجيستية والتنظيمية في الدوحة". وأشارت المصادر الاستخباراتية الغربية - بحسب صحيفة "الفوليو" الإيطالية- أيضا إلى أن دور قطر سيكون أساسياً في تنفيذ تلك الخطة, وكشفت عن زيارات عدة لمسئولين من "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية إلى الدوحة, مرجحة أنهم وافقوا على تنفيذ الخطة الاستراتيجية والتكتيكية الجديدة التي اعتمدتها طهران ضد الأسد, بعد اجتماعات مع مسئولين إيرانيين. وتتواصل الضربات لنظام الأسد, حيث دعا ثلاثة نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي أيضا إدارة الرئيس باراك أوباما إلى ضرورة التدخل العسكري في الأزمة السورية من أجل وقف عمليات الذبح والتنكيل التي يتعرض لها المدنيين هناك على أيدي من وصفوه بالطاغية بشار الأسد. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن النواب الثلاثة وهم جون ماكين وجوزيف ليبرمان وليندسي غراهام بعثوا برسالة لأوباما جاء فيها أن الشعب السوري الأعزل يواجه نظاما يتجاهل أي معنى لكرامة الإنسان، وأن لديه القدرة على الوحشية المطلقة بلا حدود, مؤكدين أنه من العار على القيم العالمية وعلى الأمة الأمريكية النأي بنفسها عن مساعدة هذا الشعب الذي هو في أمس الحاجة للمساعدة. وأشارت الصحيفة إلى أن النواب الثلاثة الذين يوصفون بالأصدقاء المتلازمين كانوا أول من نادى العام الماضي بضرورة قيام حلف شمال الأطلسي "الناتو" بفرض حظر جوي فوق ليبيا، وذلك لحماية المدنيين الليبيين من مجازر العقيد الراحل معمر القذافي. وتابعت" رغم أن الدعوة السابقة وصفها الرئيس الأمريكي باراك أوباما حينها بأنها تدق طبول الحرب دون مراعاة للنتائج المترتبة عليها, إلا أنه اضطر في النهاية للتدخل العسكري في ليبيا, وهذا الأمر بات مرجحا بقوة أيضا بشأن الأزمة السورية". بل ونشرت الصحيفة ذاتها أيضا مقالا للكاتب الأمريكي ماكس بوت تساءل فيه بشأن ما وصفه بفتور موقف إدارة أوباما إزاء الأزمة السورية، وأشار إلى أن ثمة عوامل تقف وراء ذلك يتمثل بعضها بطبيعة القوة التي يمتلكها نظام الأسد، وأخرى متعلقة بمحاذير تسليح المعارضة. ونسب الكاتب الذي يعمل باحثا في الدراسات الأمنية القومية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ومؤلف كتاب "الجيوش غير المرئية"، إلى مسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" القول إن سوريا تمتلك نظام دفاع جوي معقد وإن لديها أكثر من 330 ألف جندي من النوع الذي يصعب هزيمته، وإنه يصعب تسليح المعارضة بوصفها لا تمتلك قيادة موحدة. وتابع" المسئولون العسكريون الأمريكيون يرون أيضا أن التدخل العسكري قد يؤدي إلى انزلاق سوريا في مستنقع الحرب الأهلية، ويورط الولاياتالمتحدة في حرب بالوكالة ضد إيران وربما ضد روسيا". واستطرد الكاتب" بالرغم من كل تلك المبررات, فإنه جدير بواشنطن اتخاذ سلسلة إجراءات ضرورية من بينها تسليح المعارضة وإيجاد مناطق عازلة وشن هجمات جوية على أهداف تعود لنظام الأسد وقواته وإيجاد ممرات إنسانية لإغاثة اللاجئين والمشردين السوريين أينما وجدوا، وبالتالي حماية الشعب السوري من آلة الذبح العسكرية التي أزهقت أرواح أكثر من عشرة آلاف شخص". وأضاف" يجب على إدارة أوباما التدخل العسكري في الأزمة السورية بالرغم من تحذيرات البنتاجون، إسرائيل كانت اخترقت الدفاعات الجوية السورية في عام 1982خلال الحرب على لبنان، ومرة أخرى في عام 2007 عندما قصفت المفاعل النووي السوري في دير الزور". واختتم الكاتب ماكس بوت مقاله في "واشنطن بوست", قائلا:" إن الجيش السوري ضعيف التدريب، وإن معظم الجنود غير متشجعين لحماية النظام الذي تسيطر عليه الطائفة العلوية، وإن نظام الأسد لا يمكنه الاعتماد على حوالي ثلاثين ألفا فقط من الجنود العلويين". وبصفة عامة, يجمع كثيرون أن عناد الأسد لن يفيده طويلا, بل إن مصيره على الأرجح لن يختلف كثيرا عما انتهى إليه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.