عندما علمت بأمر قناة البرلمان " صوت الشعب " قبيل إنطلاقها بأيام قليلة سعدت كثيرا ، فقد وجدتها قناة تسمح للشعب بمتابعة نوابه وطرحهم لمشاكله ورؤيتهم لحلها ، ورأيت فيها أداة هامة لتثقيف الشعب سياسيا ، بالإضافة إلى كونها سبيلا لتحقيق الرضا النفسى للشعب عن إختياراته من النواب ، هذا على مستوى الشعب والناخبين ، أما على مستوى النواب أنفسهم فقد وجدت أن هذه القناة ستكون الأداة المجانية لدعم رصيد النواب ومن ثم أحزابهم وتياراتهم السياسية من خلال أدائهم ، حيث سيتاح لهم تقديم دلائل جدارتهم بأصوات ناخبيهم ، كما سيقدمون بالصوت والصورة أوراق إعتمادهم لدى شرائح أخرى من الشعب لم تنتخبهم ، وجدت فيها نموذجا للشفافية الكاملة بين الشعب ونوابه ، فالجلسات تذاع على الهواء مباشرة دون تدخل رقيب ، وهو ما يعكس بعدا هاما من أبعاد الديموقراطية المنشودة ، وجدتها أداة لمتابعة وتقييم وضبط الأداء البرلمانى . وبدأ بث القناة مع أولى جلسات مجلس الشعب وهى الجلسة الإجرائية ، وازعم أن متابعة القناة فى هذا اليوم كانت من أعلى معدلات المشاهدة ، إلا أننى وجدت وليس وحدى صورة مغايرة تماما لما توقعته ، وإستمرت متابعة القناة ليتأكد لى يوما بعد يوم أننى كنت أحلم بقناة أخرى تماما ، أو بالأحرى كنت أحلم ببرلمان آخر . إن الحوار تحت قبة البرلمان وبين نوابه يصل فى أحيان كثيرة إلى مستويات غير مقبولة للعرض على الشاشات التلفزيونية ، فالعصبية زائدة ، والتعصب قائم ، والتحزب موجود ، والإستعداء ظاهر ، والإشتياق لأضواء الكاميرات هو سيد الموقف . فالحوار القائم بين أعضاء مجلس الشعب ليس حوار أفراد ، ولكنه جدال تيارات ، وإستعراض قوى ، وكأن كل تيار يحاول أن يحافظ على مكاسبه وهذا حقه ولكن من خلال رفض الآخر بل وإستعدائه ، وأصبح الصوت العالى هو النبرة العادية لأى نقاش برلمانى ، وأظنهم لايدرون أنهم يكرسون بهذه الحدة الغريبة لثقافة حوار جديدة بين فئات الشعب مفادها إن إختلف الآخر فى رأيه عن رأيك فلا تقبله ، بل سفهه ، ولابأس إن حاولت أن تنال منه . لقد رأينا ظواهر جديدة داخل هذا البرلمان ، من الإستعراض بالآذان !! إلى الخرطوش المليان !! إلى الأمثال الشعبية التى تنتهى بتفسير يحاسب عليه القانون !! إن إدارة الجلسات فى ظل العصبية والتعصب بين النواب مختلفى الإنتماءات ، تدفع رئيس المجلس دائما الى محاولة فرض قدر من الإلتزام فى الحوار ، والإنضباط فى الأداء ، مع مراعاة الحياد والتوازن بين التيارات المختلفة وذلك دعما لقيم راسخة لهذا المكان الذى شغله منذ أزمان زعماء لهذه الأمة ، ولخلق صورة إيجابية لهذا البرلمان ، فى الوقت الذى تبدو عناصر السلبية فى هذه الصورة أكبر وأوضح . أما المضمون فكان مخيبا للآمال بدرجة كبيرة ، فيبدو حتى الآن أن أهم ما يشغل أعضاء البرلمان هو إستدعاء وزير الداخلية ، والتشابك اللفظى مع الوزراء الذين يتم إستدعاؤهم بين الحين والآخر ، والتهديد المستمر بسحب الثقة من الحكومة ، حتى لوأكد الخبراء أن المجلس لايملك هذا الحق ، فيما إختفت هموم المواطن البسيط وآماله المستقبلية ، وإن طرح بعضها فلا ينال القدر الكافى من النقاش البناء الذى يقترح الدواء و يقدم الحلول ، مع ملاحظة أن هناك بعض الوزراء الذين ينتمون لتيارات معينة لم نسمع كلمة واحدة عنهم ، فترى هل يؤدون ماعليهم بكفاءة دون باقى أعضاء الحكومة ؟ السادة الأعضاء .. هل هذا هو سقف طموحاتكم فى خدمة ناخبيكم ؟ وهل أشبعتم رغباتكم فى الظهور الإعلامى ؟ و هل راجعتم شعبيتكم فى دوائركم الإنتخابية بعد مرور هذه الفترة التى أطللتم علينا فيها ؟ السادة الأعضاء .. الفرصة مازالت قائمة ، أفيدوا أحزابكم والتيارات التى دفعت بكم إلى هذا المسار ، وقدموا الفائدة المرجوة لناخبيكم الذين أوصلوكم إلى هذه المقاعد البرلمانية التى طالما حلمتم بها ، وغلبوا مصلحة الوطن على مصلحتكم الحزبية ، وقدموا تحقيق المكاسب لهذا الشعب على تحقيق المكاسب السياسية لتياراتكم ، وإعلموا أن الملايين يتابعون عملكم ويقيمون أداءكم ،وهم قادرون على فرز الخبيث من الطيب ، أضيفوا إلى رصيدكم بدلا من أن تاتى اللحظة التى لاتجدون فيها رصيدا ولاتملكون السحب على المكشوف ، فالإنتخابات السابقة ليست الأخيرة ، بل هى الأولى التى قال فيها الشعب كلمته ، وهذه الكلمة قابلة للتغيير ، والشعب لاينسى ولا يسامح فى حقه ، وقادر على الإختيار الصحيح مع نضج تجربته ، فالمواطن الذى وقف ساعات أمام لجان الإنتخابات ليأتى بكم إلى هذه المقاعد ، قادر على إختيار غيركم إن لم تحققوا طموحه فى برلمان الثورة . إن صورة البرلمان المشوشة حجبت صوت الشعب الحقيقى ، فالصراخ والتجريح ، والسخرية والتسفيه ، والعمالة والتخوين ، كلها لن تخلق حوارا بناء ، ولانقاشا مفيدا ، ولاتصب فى صالح أى طرف ، فالجميع سيخرج خاسرا ، ولن يحقق أى تيار سياسى داخل المجلس اية مكاسب ، اما الخاسر الأكبر فهو الشعب الذى لم يكسب رهانه حتى الآن ، فقناة " صوت الشعب " لم تقدم حتى الآن سوى صورة " مهزوزة " لبرلمان الشعب ، وهى غير مسئولة عن هذا ، فهى تنقل الصورة كما هى " والصورة مبتكذبش " .