كتب - إيهاب محروس ودعاء العزيزى: انتصف ليل قرية المشايعة، إحدى قرى مركز الغنايم بأسيوط، والظلام اقتحم طرقاتها، والهدوء خيم على أروقتها، وتوقفت حركة السير تماماً، إلا من أصوات نباح الكلاب.. الليل الساكن ألقى بظلاله على المنزل وخلدت الأم ونجلتاها للنوم فى ليلتهن الأخيرة.. ومع شروق شمس اليوم الجديد انتهت حياة الأم وأصيبت ابنتها وهربت الأخرى من يد ابن عمهما الذى تحول لمجرم وقاتل لأقرب الناس إليه انتقاماً من زوجة عمه التى فرقت بينه وبين حب عمره. حليف الشيطان اقتحم منزل عمه المتوفى فى الساعات الأولى من الصباح، محاولاً قتل حبيبته «حنان» انتقاماً منها على فسخ خطبته لها وتركه للارتباط بشخص آخر، إلا أن الأم وشقيقتها الصغرى «نرمين» ظهرا فى اللحظة الأخيرة لإنقاذ حياتها، وبالفعل نجحتا فى مساعدتها على الهرب، لكنهما تلقيتا طعنات الانتقام بدلاً منها ليحول المنزل الصغير إلى بركة دماء. ولم تُخمد الجريمة نيران الغضب فى قلب القاتل، بل انتقلت إلى جنبات المنزل الذى قام بإشعال النيران بكل محتوياته أملاً فى الحصول على الراحة والتشفى والانتقام من حبه الضائع داخل هذا البيت. بداية القصة تعود لعدة سنوات، بوفاة رب الأسرة الذى ترك ابنتيه وأماً عكفت على تربيتهما، حتى أصبحتا عروسين يقف الخطاب أمام أبواب منزلهما، فكانت «هناء» أماً وأباً لابنتيها، حتى جاءت اللحظة التى تحلم بها كل أم وطلب «على» ابن عم بنتيها خطبة «حنان» ابنتها البكر، لتغمر الفرحة البيت، بعدما شعرت الأم أنه سيكون السند للعائلة فى المستقبل. ومع مرور الأيام ومع طباعه السيئة جعل الفتاة تقرر ترك ابن عمها وبالفعل فسخت الخطوبة.. جلس «على» والنار تحرق قلبه وتملك منه شيطانه وقرر الانتقام لعلمه أن حبيبته خطبت لشخص آخر، فخرج مبكراً وسار ببطء شديد يلتفت يميناً ويساراً خشية أن يراه أحد، حتى وصل إلى منزل عمه وتسلل داخله واستل سكيناً وهاجم أرملة عمه وابنتيها وسدد طعناته القاتلة لهن وأصاب ابنتها الصغرى، فيما فرت المقصودة بالقتل هاربة، قبل أن يشعل النيران بالمنزل انتقاماً منهن. استيقظ أهالى قرية المشايعة على رائحة أدخنة خالطت نسيم الصباح ونيران تلتهم أحد المنازل وصرخات قاطنى المنزل تدوى فى كل مكان وتسرى مع الرياح لتصل إلى الجميع، حيث تعيش الأم وبناتها، حاول الجيران وأهل القرية إخماد النيران قبل إبلاغ الشرطة والتى تمكنت من السيطرة على الحريق وإخماده، وتم العثور على جثة الأم وابنتها المصابة والهاربة من الموت. الأم تحولت إلى جثة متفحمة اختفت ملامحها.. لم يتبق منها شيء.. تركت ابنتيها فى مهب الريح واحدة تصارع الموت والثانية هاربة لا أحد يعرف إلى أين ذهبت ولا متى ستعود، تفرق شمل الأسرة التي بقيت الأرملة تحاول إكمال مسيرتها معه سنوات عانت كل مرارات الحياة كى تصل بابنتيها إلى بر الأمان.. حتى هى لم ترد هذه النهاية لزواج ابنتها من ابن عمها ولكن الابنة لم تتحمل طباعه وعصبيته وغيرته الشديدة، فقد حول حياتها إلى جحيم لا يطاق قبل الزواج.. فقالت وماذا بعد الزواج إذا كانت هذه الأيام والتى من المفترض أن تكون مكسوة بالحب والغرام والكلام المعسول فماذا بعد؟ فقررت الابتعاد.. والارتباط بآخر، هذه كل جريمتهن أردن أن يعشن حياة هادئة بدون منغصات بعد كل عذابات الحياة واليتم التى نلن منها.. ولكن هيهات أن يحصلن على أبسط الحقوق، فنصب الخطيب المطرود من الجنة نفسه عشماوى وقرر الخلاص منهن جميعاً الأم وبنتاها.. فأعد العدة وجهز «سكينه» الذى قام بسنه حتى يكون قاطعاً منجزاً وتوجه مع جنح الليل.. واقتحم المنزل من أسواره وليس من الباب كما اعتاد.. شعرن به وكان ينتوى أن يبدأ بقتل الخطيبة المتمردة ولكن أمها فدتها بحياتها وشقيقتها أيضاً، وقد كان، تلقت الأم طعنات قاتلة ولقيت حتفها.. وأيضاً الابنة الصغرى اعتقد أنها فارقت الحياة وبحث عن خطيبته السابقة التى جاء من أجل الخلاص منها.. ولكن لم يجدها فقد هربت وتركت المنزل تهرول فى شوارع القرية.. لم يكتف بذلك بل أشعل النيران فى المنزل كى يخفى معالم جريمته البشعة.. ولكن الخلافات التى علم بها القاصى والدانى.. أكدت أن الفاعل هو خطيب الابنة وألقى القبض عليه.. لم ينكر فعلته اعترف بها بدون تردد أو دفاع عن النفس كل ما كان يحزنه هو كيف أفلتت خطيبته السابقة التي فضلت الموت على الزواج به من الموت.. كيف نجت من بين يديه.. وأكد أنه بعد خروجه من السجن سيقتلها لو بعد حين.. كيف تجرأت على الابتعاد عنه والارتباط بشخص غريب.. انتهت التحقيقات.. قررت النيابة حبسه وترقد شقيقة الخطيبة بالمستشفى تصارع الموت والتشوه من حروق النار.. وما زالت الخطيبة هاربة!