أحداث وأحداث يقف الحليم حيراناً أمامها في مصر اليوم، وفي ظل فترة دقيقة من حياة الوطن العزيز يفاجأ المرء بمشاغل عجيبة تشغل البعض، وكثيراً ما اعتقدت أن بعض الأخبار ما هو إلا مزاح بلا معنى من قبل أعداء تيار ما أو المتهكمين عليه، ولكن تتابع الأخبار يكاد يصيب العقل بالجنون، ودع عنك ما مر من عجيب الأفعال والتصريحات خلال الشهور الماضية ولنتوقف فقط أمام هذا الخبر المفارقة بداية، ثم خبرين من أرشيف الأخبار العجيبة التي تنسي بعد حين بسيط وإن كثر من زمن تداولها الأول. (1) انتشر مؤخراً جداً خبر إجراء نائب ينتمي للتيار السلفي بمجلس الشعب لجراحة في الوجه، إلى هنا والخبر من النوع الروتيني الرتيب الذي تهتم به بعض الصحف والمجلات، كل حسب اتجاهه، وبخاصة إننا في الفترة الماضية لاحظنا اهتماماً واضحاً من قبل جميع اجهزة إعلام الدولة بالتيار الإسلامي بمختلف أطيافه، فأخبار الشيوخ وعلى رأسها محمد حسان بوجه خاص، ومن بعده حسين يعقوب، ومن قبلهما حازم أبو إسماعيل، ثم أبي إسحاق الحويني، وهلم جراً، الأمر لم يكن يخلو من سخرية مرة بالفتاوى وإظهارها في ثوب الاتجاه لفرضها بالقوة على الشعب المصري، والأمر أخذ يستعر ما بين شد وجذب عبر نفي الشيوخ للأخبار من اساسها أو إعادة شرح مدلولاتها كما يريد أصحابها، وفي كثير من الأحيان كانت القراءة المحببة للتيار الإعلام (المضاد) هي التي تسود، والأمر لا يعني عدم وجود (سقطات) واضحة لإخواننا السلفيين وهي لا تعد كما لا إن (تسقط ) أخبارها وإساءة تفسيرها لا يعد هو الآخر، ولدينا على سبيل المثال لا الحصر: اتهام فتاة التحرير المعراة في الميدان في عفتها لنوعية وكيفية ما كانت ترتديه من ملابس برغم حشمتها الشديدة الظاهرية، لولا الاعتداء عليها على النحو الأكثر من معروف، ثم لدينا التصريح بأن شهداء مذبحة بورسعيد ليسوا كذلك، أي ليسوا شهداء، وكأن من يصرحون أو يفتون لديهم مفاتح الجنة أو النيران، أو حتى يملكون لأنفسهم أولاً نفعاً أو ضراَ، وكأن لقب شهيد ليس إلا لقباً تكريمياً يناله من مات مغبوناً في الدنيا من قبل الإعلام في إشارة إلى أنه سينال ما يستحقه لدى ربه في الآخرة نظير ما ضحى به في الحياة الدنيا، والحديث الشريف يفيد بأن أحد الصحابة المتوفى على ارض معركة مصاباً ليس شهيداً لأن الألم غلبه بعد الاصابة فانتحر، والشاهد أنه حتى شهيد ساحة القتال من يدري مكانه في الآخرة، وفي المقابل لدينا حديث واضح بأن من طلب الشهادة صادقاً وهبها الله له ولو مات على فراشه في بيته. (2) القاسم المشترك في الحدثين من تعرية فتاة التحرير وشهداء مذبحة بورسعيد أن الخبرين تفتقت عنها أذهان سلفيين ثم روجتها أجهزة الإعلام على نحو كان المرء يحار أقال السلفيون هذا أم أن الأمر من باب المبالغات أو الافتراءات لا اكثر؟ ولولا سماعي للسيد الدكتور خالد عبد الله في الحالين لما صدقت ما يقال، وهما مثالان على كل الأحوال وهناك المزيد الكثير، وخيل إلي شخصياً في حين أنها معادلة، بخاصة بعد نجاح السلفيين في مجلس الشعب كقوة ثانية في الترتيب البرلماني، فالناس تسعى لمعرفة وتتبع اخبار المنتصر، وبدلاً من ان يقدم الإعلام لهم الوجبة التي يحبونها بحيادية، اوبميل غير واضح للهجوم كما كانت تفعل مع أركان النظام السابق قدمت لهم وجبة إخبارية فاسدة مغلفة بالسلوفان، فالخبر فيه من التهكم ما فيه علاوة على كم السخرية الواضح في كثير من الأحيان، والمعلن أنها متابعة لأخبار نواب للبرلمان، أما مادة الأخبار فهي سخرية مريرة من شعبنا الذي اختار هؤلاء لمجلس الشعب، وإن كان الأمر لا يخلو من خطأ لدى هؤلاء النواب ولكن لم تثر هذه القوى في وجه الطغيان الساقط على هذا النحو؟ (3) مرة بعد أخرى بدا واضحاً إن منظومة الأخبار هذه ليس الغرض منها المتابعة المغرضة وتشكيك شعبنا في صحة اختياراته فحسب، بل إن ذلك هو الجزء الواضح فقط من سفينة الهراء أو الكلام الأكثر من فارغ المعلن، ومعذرة للقارئ الكريم، وليتابع معي هذا الحدث الجلل ومقابله الأكثر فداحة، فحينما يتم تهريب المتهمين بالتمويل الاجنبي عياناً بياناً من مطار القاهرة الدولي منذ أيام معدودة في إشارة واضحة لانتهاك السيادة الوطنية المصرية بصورة مفرطة، وتقوم قيامة الإعلام، ويثور الحديث عن جدية نجاح الثورة من جديد، ولم يكن قد خبا، ويصبح وجه الوطن في هذه المرحلة الخطيرة من تأريخيه معرضاً للمرض الشديد الذي يصيبه في أعز ما فيه، ماء الحياة والحياء، ويصاب كل مصري مخلص بالألم لذلك بل يروح يتحسس المستقبل القريب جداً للمنجز الثوري في ظل اختراق أمريكي واضح له. (4) في خضم هذا الحدث الجلل تثور قضية يتعامل معها الإعلام بضراوة مخيفة وفي نفس التوقيت:نائب سلفي يدعي إنه تم الاعتداء عليه مما اضطره لإجراء جراحة عاجلة في وجهه، فيما يظهر الإعلام، بالمستندات، ان النائب لم يكن إلا يجري جراحة تجميل بأنفه، ولماذا اخترع هذه (القصة) إذن؟ يجيبك الإعلام، أيضاً، ذلك لأن جراحات التجميل محرمة في الفكر السلفي الديني، ويبدأ مسلسل الشد والجذب فيما يقوله الإعلام، المتفرغ لمثل هذه الحالات التي لا أدري كيف صارت عادية في مجتمعنا وأي تحول قاده لهذا؟ وتثور المشكلة ويرد أنصار النائبن وساعة بعد ساعة يخرج تقرير مصور جديد وشهادة لواحد من الأتباع أو الخصوم، والآن مساء الأحد صرح متحدث باسم الحزب السلفي بأنه تم فصل العضو الملفوف الوجه. بالذمة أو ليس الامر يعبر عن مقدار الالتفاف حول الإرادة المصرية الصميمة بتافه الامور، وأصابة للوطن في اجمل ما فيه وجهه بعرض قضايا تخص وجوه مثل هؤلاء الذين لا احسن وصفهم للأسف الشديد، والأمر لا يعدو إلا تفاهة شديدة وشغل للناس بوجه مثل هذا (الإنسان) شغلاً لهم عن وجه (الوطن). ولكل الأطراف: أرجوكم رفقاً بوجه الوطن الغالي. ولكم الله يا أهل مصر ولك الله يا وجه مصر.