من عجب أننا نجد من الناس بخاصة المصريين، ممن يعنوننا الآن، من يهزل في وقت الشدة والخطر، وهل من شدة وخطر في حياة إنسان أكثر من أن يرى ما بقي له من وطن في مهب الريح وقيد تصرفات بعض الجهلة السفاء؟ في عهد الرئيس غير المأسوف عليه ولا على عهده مبارك واللهم لا شماتة، فمن الناس من هو حياً ولو كان تحت طبقات الثرى ومنهم من هو ميت وهو يتنفس ويظن أنه على قيد الحياة، وهل أجمل مما صرح به مبارك بالأمس من أنه إذا ما تم نقله لمستشفى سجن أو مزرعة طرة فلسوف ينتحر و(يجيب يقصد للعسكري مصيبة سوده على حد تعبيره أمام العالم) فهو ما يزال يفكر بهذه الطريقة لا المقلوبة بل الإجرامية حتى الآن، هذا إن صح عنه التصريح فقد ألتبس الأمر اليوم حتى على المدقق للأسف، حينما تتنتحر يا من كنت رئيساً لملايين فيهم العاقل المتزن لن تستقدم مصيبة من أي لون لأي أحد قبل نفسك، المهم في عهده، ولعل الحديث عنه له مقام آخر غير هذا، كنا نتباهى، كحس مصري عام، بغلق أفواهنا عن الحديث فيما يخص بلدنا، وبالتالي كان لدينا شعور عام برفض كل ما يأتي به هذا النظام، أما الأصل فقد كان الكبت الشديد الذي ران على أكثر من ثمانين مليون مصري كانوا يتشكلون عبر ثلاثين عاماً ولف شبه (مصرخة) في حياتنا، فمنهم من مات خلالها مظلوماً شاكياً لله قسوة البشر من أذناب النظام، ومنهم من استطاع التكيف مع ما كان يجري في مصر بدرجة ما سواء أعاش أم مات، ويبقى جيل الشباب ممن ول وترعرع على درج الحياة في عهد مبارك، وممن أشعل وقود الثورة المباركة أتمها الله تعالى، يضاف إليهم عدد من المخلصين أكان لهم انتماء أم لم يكن. ولابد لنا من أن نعترف، ونحن نتلمس الطريق إلى الجرح، أن الوضع في مصر لا يرضي، نعم هو حال الثورات والفترات التي تعقبها، والثورة الفرنسية شهدت أضعاف أضعاف، لكن سلم الله مصرنا من كل سوء، وكل مصري مخلص كان يتوقع وما يزال إن لنا خصوصية وتماسكاً يحول دوننا ودون ما حدث مع غيرنا، ومما يلهب خواطرنا جميعاً تداعيات الأمور وتكرار الاحداث على نحو التشابه فيه واضح، من ماسبيرو، ومن قبلها البالون، ومن بعدها ميدان التحرير ومحمد محمود ومجلس الشعب وما بينها من أحداث مريرة تذكرها بالغ الألم على النفس المحبة لمصر وللخير ونهاية بأحداث استاد بورسعيد منذ أيام، ولا صدق الله لي ظناً، وإن صدق من قبل رغم عدم رغبتي في هذا، فاللهم لا تكرر على أسرة مصرية واحدة هذه المأساة بجرح أصبع لأحد أبنائها. ومن خصوصيتنا نحن المصريين بوجه عام ميلنا لنسيان الأحداث المؤلمة بل المسامحة فيها ما أتانا من المعتدي فعل جميل بعدها، حتى إن خفي علينا تدبير آخر له، فرحنا جميعاً، من العقلاء، بمجلس الشعب المصري الجديد، بل رأينا فيه آية من آيات الله تعالى في تقلب الأيام ووضعها لدى من يشاء من خلقه، فبعد فتحي سرور وأحمد عز والراحل كمال الجنزوري والعشرات، ممن لا تسر سيرتهم يأتي يوم نرى فيه رجالاً يدخلون مجلس الشعب متواضعين لله تعالى،وجلهم ملتح وليس هذا عندي هو مسقط التدبر، فكلهم، إن لم يكن أكثر زاروا سجون ومعتقلات مبارك، وأتحفنا بالقول بأنهم خصومه التاريخيين، وقد تعب في مثلك التاريخ، ثم إلى سدة البرلمان في مكان المزيفين وعتاة اللصوص وبعض الشرفاء لا ننكر، بل لعلنا سامحنا الإخوان على عدم نزولهم لمحمد محمود في نوفمبر الماضي وتخلفهم عن ركب الثورة للمرة الاولى بل باستمرار، ورأينا في عودتهم بعد البرلمان للميدان رسالة واضحة بأن الصبر المر يكون دواءً غالياً غالباً لمن يستطيعه، وفي المنتصف هناك من الأحداث الجسيمة أو الأقل الكثير، ولكن لما ثارت أحداث مباراة بورسعيد بدا واضحاً أن الامر يخص إحراج أغلبية مجلس الشعب الجديد. من الناس اليوم، إعلاميون وغيرهم، قوى سياسية وما سواها من يتبجح فينكت تنكيتاً مراً في موضع القتل والجراح، إحداهن، من المتوهمات إنها مترفة مادياً قبل فكرياً تفجعك بالقول عقب ما أدمى قلب كل شريف من مأساة الفتاة العفيفة المعراة بالتحرير، وهي غير غادة كمال بالمناسبة، ولا أدري لماذا أشعر إن الأخيرة تقوتت على جرح الأولى إعلامياً؟، السيدة تقول: الكتاب أهم (عندها) من عرض الفتاة، في إشارة لحرق كتب المجمع العلمي، ولو كانت الفتاة ابنتك يا دكتورة؟ لو قلت ولو كانت فأنا آسف ما كان ينبغي لي أن أدخل في حوار معك من الأساس، وهكذا يصفعنا الغرب على خلفيات وجوهنا فيمن يدعون كونهم(نخبة) وهم من أعضاء التكية الجالسة على(حجر مبارك) وكانت تدعي معارضته في تمويه مفضوح فيما هي الآن تشق الجيوب وتتحسس مكان جلوسه منه في حسرة، وهلم جراً فلا أكون مدافعاً عن الإخوان، وهم لا ينتظرون من مثلي هذا وللحقيقة فإن سقفي في الحديث عن أي فئة سياسية مخلصة وإن اختلفت معها ألا أخونها وليتنا نحاول التمسك بالثوابت المشتركة واحترام رأي شعبنا الجميل، فليس من الممكن أن يختار قرابة ثلاثين مليون الإسلاميين كغالبية للبرلمان ثم نقول بفعل الزيت واللحم والصابون، لم أكن أعرف إن لديهم مصانعاً تكفي كل من اختاروهم؟ من المعروف أن الغالبية البرلمانية تختار أعضاءها لصدارة اللجان البرلمانية، ومع هذا دعى الإخوان الجميع للمشاركة فأبى الكثيرون، فهل من المناسب أن يستدعي هذا رسام الكاريكتير مصطفى حسين بفكرة لأحمد رجب لكي يرسم رئيس مجلس الشعب الحالي مرتدياً حفاظة يلهو بمكعبات ملونة اسمها اللجان البرلمانية، وهذا (العك) ينشر في جريدة تمتلكها الدولة، وهؤلاء لا يبتعدون عن احترام ذاتهم فقط بل دماء الشهداء ولن أزيد أفضل. المجلس العسكري كل مرة يستدبر أحداثاً مثل هذه بقرار مهم، وهنذه المرة التبكير بفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة، هذا بعدما كثر اللغط، وفاض العبء على البرلمان، وفيه من جاؤوا بحكم القوائم وهو ما ارتضاه المجلس العسكري أيضاً، والحال ما بين شد يستدعي دماء غزيرة وجذب يستدبره قرارات خطيرة، وفي المنتصف من الناس والسياسيين والإعلاميين من يتالم في صخب أو صمت ومنهم من يتبح في غير وقت التبجح المناسب، إن كانت للبجاحة أوقات، ولديهم حجة الهزل وقد ذكرت غيضاً من فيض. إإذا تم قتل العشرات بطريقة مزرية في دقائق في الاستاد الاربعاء الماضي يكون من المستنكر على شباب لم يتعد العشرين أو تعداها النزول أمس أو أمس الاول؟ إإذا بدأنا بالجنون لمنا من يتبعنا، لست مع مهاجمة الداخلية أو أصغر مرفق للدولة أو عسكري، ولكني لست مع سحق العشرات أيضاً، أين منا العقل حتى بعد الخطأ؟ ولماذا خرج البلطجية اليوم وقد دخلوا جحورهم عند الانتخابات؟ ولن أزيد. العبء ثقيل على كل مخلص، وأمام المجلس تبعات عظيمة بخاصة وأنه لا رئيس للجمهورية يعلوه ولا قيادات تنفيذية ثورية بجواره على الاقل، ولها الله بلادنا العربية لا مصر وحدها مما يحاك لها داخلياً وخارجياً، سلم الله مصرنا وكل أقطار الارض من شرور العدوان والمعتدين والساخرين والمتجاوزين، وأعان الشرفاء في كل مكان على تخطي الصعاب، وسلم الجرحى والمصابين، ومن قبل رحم الشهداء.