الآن وقد كف إهدار الدماء الزكية لشبابنا في مصر، جعلها الله تعالى عامرة بالإيمان والخير برغم حقد الفاسدين الكبار الذين أستأسد حتى دودهم علينا في الإيام الماضية، ولا توصف الأيام بالسوء، ولكن أحداثها كانت شديدة المرارة على كل عاشق لتراب مصر، لا أعادها الله تعالى لا على مصر وحدها، بل لا أرى البشرية مثل فتنتها، فهي فرصة لمراجعة بعض الخطوط الفاصلة فيما حدث استدعي بعضها الآن وأكملها فيما بعد، بإذن الله تعالى، ولكن قبل هذا احب أن أخبركم بأمر مهم بالنسبة لي ولأمثالي وكل مغترب مستعد للاستشهاد من أجل بقاء لحمة مصر آمنة مستقرة، بخاصة البعيدين عن ثرى البلد العزيز الغالي ممن يحملونه في قلوبهم وممن كانوا يرون دخان الحرائق فوق أسطح المباني والمساجد والدروب والشوارع، والكنائس والمواصلات والحواري التي عنونوا بها أتراحهم وبالغ ثم صغير الاحزان قبل العدد القليل من الأفراح، وكله محبب للنفس طالما أتى من عند الله تعالى، ثم حدث في مصر، هذا في مقابل بعض المدعين بالنخبة من صخب سآتي على جزء منه في نهاية مقالي، المهم الآن الحالة المرضية البالغة الضراوة التي نالت كاتب هذه السطور، التي حار الطبيب فيها هنا، وكذبت التحاليل كلاماتي، فقد كنت مريضاً بالرعب الشديد على احب ما أملك بعد حب الله ورسوله، بلدي مصر، كنا هنا في إهاب الغربة نتابع آثار الحريق الضخم فيما كل ثانية تزيد من احتقان أقدامنا إذ يزداد وزنها فلا نستطيع تحريكها، فيما عشرات الاسئلة تفور في العقل، ومحاولة دائبة لإبعاد شبح اليأس(هل هذا هو حلم العودة الشجي الذي لا يزال يصارع النفس، وبضراوة بالغة الشدة، بعد إنزياح رأس الظلم؟) أعرف شاباً مصرياً جميلاً كتب على صدر صفحته في الفيس بوك إنه لا يعرف لماذا تكرهه مصر إذ إنه إبان ثورة 25 من يناير كان في دولة عربية لما قامت الثورة بها جاء لبلد آخر، ثم هو يضيف والآن انا بعيد عن مصر فلماذا لم تعد تحبه مصر؟ أردت إخباكم بأننا الآن صرنا ننام لبعض الوقت، فالآن أنطفأت جذوة النار المرة، وإن بقي قي الصدور ما فيها، أعان الله المخلصين من أبناء هذا البلد الطيب الكريم على الصبر، ومنح أهالي الشهداء برد التسلي برضوانه تعالى، ووهب أهالي المصابين والمصابين الصبر على قضائه والله المستعان على قضائه وقدره، الآن خف صوت الرصاص الحي والمطاطي والغازات المحرمة وغير المحرمة في عرف (المجتمع الدولي) الذي لا يعرف عهداً ولا عرفاً ولا يحتكم إليه إلا فاسد أو ضعيف مدفوع بالأبواب، الآن نرجو الله تعالى أن يحفظنا في مصر، وألا يكون هدوء ما يسبق العاصفة، أو،لا قدر الله تعالى ولا أراد ولا كان، صحوة الموت، بخاصة أن الميدان زاخر بخيرة شباب مصر، وأن هناك من يقفون في ميدان العباسية، وفجيعتنا في الاحداث السابقة التي لا استطيع القول بأنها الاخيرة، وأنا أراها لا تزال تشهر يد فتنها في وجه الجميع، هذه الأحداث تجاوزت الساعات وإن طالت الساعات في أحداث العباسية الأولى وماسبيرو والسفارة الإسرائيلية، فمنذ السبت الماضي وحتى مساء الأربعاء، أيام وليلي بالغة الطول والقهر والواحد منا لا يكاد يصدق نفسه فالاحداث ممتدة، ولا أعرف متى يمكن للواحد أن ينسى بساطته القديمة فيما يخص نوعين من البشر: بعض المسئولين والمثقفين، وكم أنجدتنا بعض من حرج ولا أزيد؟.
فحينما اندلعت الأحداث علمت إنه لا تفسير واحد محدد لما يحدث بداية من وجو مندسين، بل من لا يحرصون إلا على مصالحهم الخاصة، حقيقة لا ينكرها إلا مكابر مع الهجوم الشديد على شارع محمد محمود، من عجب إن الشارع سمي باسم وزير الداخلية الذي يساوي واحداً من أكثر الوزراء شهرة على مدار تاريخها بخاصة مع وجود الاحتلال الإنجليزي، وقمع ثورة 1919م، بالمناسبة حينما درست التاريخ في مرحلة الصبا الباهرة الاولى انفعلت مع ثورة 1882م وأحببت شخصية الزعيم المصري العظيم أحمد عرابي، وشعرت بالأسى الشديد لما قال المعلم إن الثورة فشلت، فلما جاء درس ثورة 1919م بادرته بالقول: لا تقل لي فشلت هي الأخرى، فقال في الحصة بعد القادمة سأخبرك عن الثورة التي نجحت، يقصد ثورة 1952م، أو ما يسمى بثورة، وليته ما أخبرني، ولعلها واحدة من المفارقات العجيبة في بلدنا وما اكثرها من قبل أن يقول المتنبي: كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا كما إن القراءة التالية لما حدث، بعد هدوء نسبي بسيط من مرورساعات عليه، لا أعاده الله تعالى، يقول بأشياء غريبة جداً، لا نريد تكرارها بمصر ثانية، من بعد حدوثها في الميدان، من قبل، مرة بعد أخرى، وإن لم تكن فيه فبقربه، ثم تصاعدت لأحداث ماسبيرو، وهاهي تحدث بالميدان نفسه، ولا أحب التفسيرات الباهتة السطحية التي تقول بالوقيعة ما بين الجيش والشعب، هذا الكلام يقال في تدافع من أجل إخلاء مكان رأى الجيش فيه خطورة على المتواجدين فيما أثر الآخير على الاستمرار في نفس المكان، إن أحداً، حتى لو كان الطرف الثالث غير المعروف على نحو لا واضح ولا غير واضح، أو اللهو الخفي بتعريف اهلنا الاكثر من رائعين في خلط الواقع البالغ المرارة بالطرافة، إن أحداً لديه كرامة لا يستطيع إنكار إن ما حدث جرح غائر جداً في جبين مصر، وليس بالوطني العاقل المحب لبلده ذي الضمير من يقلل مما حدث، أو يرفع شعار المسامح كريم، فإنني لأخشى من تكرار هذه الأحداث على لحمة مصر كلها، ويجب أن نكون واضحين في النظر للجرح ورغبة تطهيره، وكفانا مهاترات السيد وزير الداخلية الباقي في منصبه للآن يحرص على المنصب فيبادر بالاتصال بالقنوات المختلفة مساء الأربعاء ليقول على طريقة(يا تلحقوني يا متحلقونيش) إنه سيترك مكتبه بداية من غد الخميس، أو لم تتركه فعلاً منذ السبت الماضي؟ أو لم تعلم إنه كان هناك من يتصرف في ابناء بلدك باسمك، الحقيقة كثيراً ما أشعر بإن كلماتنا بالغة البراءة أمام واقع لا يرحم، وليقول الرجل في أكثر من مكان: اين الرصاص آتوني به؟ آتوني بمصابين؟ أين الجراح؟ لم نشاهدها بل يقسم: والله العظيم لم يحدث انتظروا تقارير وزارة الصحة، ما هذا يا سيادة اللواء؟ الطبيب بالمستشفى الميداني يقول لك مات قرابة عشرة برصاصة واحدة في الرأس أطلقت من عال، وقلت أنت من قبل إنك لا تعرف بوجود قناصة، والآن ستقول مندسين: هل نظرت من نافذة الوزارة يا معالي الوزير لتشاهد القتل بالبنادق من أعلى البيوت؟ لماذا لم تكلف نفسك، إذا كنت موجوداً بالوزارة بالنظر من الشبابيك لترى النساء يتحرش بهن الأمن المركزي الجائع للحم الحرام في مشهد قذر فج لم نكن نحب أن يذاع بالتفصيل من سيدة محقة في فضح ما يحدث مثل بثينة كامل على العالم كله، هذه الوحوش الآدمية لماذا لم تعيدوا النظر في تاهيل الأمن المركزي على مدار عشرة شهور ماضية لكي لا تبقى، مع احترامي للجميع ولما خلق الله تعالى، حيوانات بأذرع آدمية تقتل وتسحل فيما هي تعري وتحسس وتحاول الولوغ إلى العورات، راجعوا كلمات منى الطحاوي ببرنامج آخر كلام مساء الخميس الماضي أين علماء ديننا من هؤلاء؟ أين وزارة الثقافة؟ أين قامة مصر؟ إذا كان هؤلاء يلتهبون مثل الحيوانات ليتحسسوا فتياتنا؟ ولا يقولن أحد إنهم يكذبون، ثم إذا لم تكن في الوزارة، يا وزير الداخلية، فماذا عن الدفء الخاص الذي يخلفه الكرسي، بالطبع كرسي الوزارة حتى تعود لتقول ما تقول. أما البسيط بداخلي فقد كان يظن، وهو يتابع مشاهد القتل والقذف والسحل وهلم جراً مما أطار النوم من أعيننا وأخافنا على الوطن الذي اعتدناه سالماً آمناً مهما أصاب أهله من شرور، أما البسيط بداخلي فقد ظن إنه على إثر هذه المقتلة البشعة ستصمت المكلمة البشعة على الفضائيات المنشرة انتشار الهم في قلوبنا، ولو أن بيرم التونسي ، رحمه الله تعالى، حياً لما قال: يا أهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقة سكوت لله ولقال: يا أهل النخبة دماغنا فلقنا سنة سكون لله ما هذه البشاعة كلكم في الأستديوهات وتتنقلون من واحد للآخر؟ وأظن إن الحجز معكم كان يتم ساعة بساعة، وتصريحات بشعة متضاربة مع بعضها البعض ما بين الصباح والظهيرة، والأخيرة والعصر، وما يقوله واحدكم المغرب يغيره بعد العشاء، ما هذه الدكاكين الفضائية التي فاجأتنا، مثلما فاجأنتنا وطنية البعض بخاصة من المذيعين، لكن المشهد الأعم كان عجيباً، واحدة من خادمات النظام السابق تقول: بمصر اليوم بلاك وتر، وآخر لم يجد أحد يستضيفه طلع علينا بمقال مفاده بأن مرشحاً للرئاسة، وشخصية عالمية شهيرة سابقة هو من يقوي تيار العنف ويدفعه بل ختم المقال بالقول: أي عقلية هذه وأي دهاء يملكه الرجل؟ وللحقيقة لا أدافع عن أحد، وكل يملك الدفاع الكافي عن نفسه ويزيد لكن يؤلمني الاتهام الدائم بلا دليل أو حتى قرينة فيما بلدنا شبه يحترق، والكاتب المهاجر من مصر يدعي إنه لا قتل هنالك في مصر، ولا دق ولا سحل، ولا انشقاقات عن الجيش بل إن المراد تقسيم الدولة، ونظرية المؤامرة حينما تسحب أردافها تفعل العجب في عقول البعض، فهي موجودة لكنها لا تملك أن يقفز كاتب على الحقائق ليوهمنا بالخرافات عبر الزج بمسلمات، (وهاتك يا كلام) وفي عصر الصورة كم يكذب من بشر من مختلف المستويات؟ ألا تستحون على دمائكم؟ قامت الثورة في 25 من يناير وباغتتكم كما باغتت نظام مبارك، وتوهتمونا في مكلمة غريبة عقبها، وفيكم من قال للعسكري أبقى، ومن قال للمشير أنت الرئيس، وباغتتكم الثورة من جديد وأنتم تستطفؤن في بيوتكم العاجية فما كان من الجميل رئيس تحرير الجريدة الليبرالية التابعة للوزير الذي أدخل المثقفين الحظيرة، على حد قوله، إلا أن قال في عمق أعماق المأساة، وقتل زهرة شباب مصر، وإصابة عينها الجميلة برصاصة، عافى الله وطننا الغالي من قناصة الداخلية وافتكاسة النخبة من أمثالك، قال اليساري السابق على فضائية لم تستح للأسف، وفي ديرتي شوز: على شباب شارع محمد محمود أن يكفوا عن الرغبة في الانتقام. فعلاً صدق الرسول العظيم في مثلك إذ قال: (مما أدرك من قبلكم من كلام النبوة:إذا لم تستح فافعل ما شئت).