نحن نود أن نتساءل عن كل الثورات التي تبناها الثوار في العالم بدءا من الثورة الإنجليزية 1649، ثم الأمريكية 1775 فالفرنسية 1789 والبلشفية 1917 وبداية الثورات العربية التي تمثلت في ثورة يوليو 1952، التي كانت بمثابة الشرارة في البلاد العربية حيث تعاقبت الواحدة تلو الأخري، التي كانت سبباً في تحرر الشعوب من قبضة الاستعمار الذي ظل علي كاهل هذه البلدان منذ القضاء علي الخلافة العثمانية التي أدت الي اتفاقية (سايكس بيكو) 1917، التي قامت بدورها إلي تقسيمها لدول تم استعمارها من قبل كل من بريطانيا وفرنسا بعد الخيانة العظمي من الشريف حسين الذي كان علي رأس الجزيرة العربية في ذلك الوقت، والذي وافق أن يضع يده في يد «لورنس العرب» بعد أن وعدوه أن يكون الخليفة المنتظر لو أنهم كسبوا الحرب! نحن مضطرون لأن نذكر من يتناسون التاريخ، ماذا حدث من أسلافهم، وماذا حدث لهم جزاء لخيانة شعوبهم؟.. التاريخ لا يمكن محوه، التاريخ هو الشاهد الوحيد علي حركة الشعوب وقوادها الخونة والعظماء، الصالحين والطالحين، هو ذاكرة الشعوب لمن يخلد في مزبلته، ولمن يرفع من شأنه!.. التاريخ هو الماضي بكل حلوه ومره، هو الحاضر الذي نعيشه بكل ما فيه من أحزان ومن أفراح، هو المستقبل الذي نجهله، ولكننا ننتظره متشوقين لمعرفته وكشف المستور منه وما يخبؤه لنا في جعبته! لذلك كان علينا أن نذكر من لايريد أن يتذكر، لماذا قامت وتقوم الثورات؟.. هل تشتعل نيرانها لظلم وطغيان الحكام والمتسلطين فقط؟.. هل تثور الثوار من أجل الحصول علي الحرية التي حرموا منها سنوات طوال؟.. أم يثورون من أجل إعادة توزيع الثروة المنهوبة من قبل ثلة قليلة من النبلاء والوجهاء ومن يسموا أنفسهم بالشرفاء؟.. أو ربما يثورون من أجل تحقيق العدالة المنقوصة والضائعة بين الناس!.. وربما يكون ذلك من أجل المساواة!.. لكن أي مساواة؟.. مساواة في الملكية، أم مساواة في الحرية؟.. أم في حق الإنسان في حصوله علي قسط من المعرفة والعلم؟.. الله ساوي بين الناس في شيء واحد فقط (العقل) منح كل إنسان نفس القدر من العقل ليميز به بين الخير والشر، بين ما يضره وما ينفعه، بين الجريمة والعقاب، بين الخطأ والصواب، ومع كل هذا العقل الذي ميز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات لكي يتشبع بالمعرفة، إلا أنه دائماً وأبداً ما يوقع نفسه في الخطأ! فمن الذي أوصل بهؤلاء الحكام والملوك إلي ما هم فيه الآن، الحاكم التونسي الفار من سخط شعبه عليه، والمصري المحمول علي الأعناق طريح المعتقل في صحبة نجليه وحاشيته! والحاكم الذي أنهت علي حياته رصاصة من فوهة بارودة ثمنها قرشان مفترشاً الأرض مثله مثل الكلب الضال!.. والحاكم الذي اضطر أن يغادر بلاد اليمن بعد أن ضمن له ملك الجزيرة العربية عدم مساءلته هو وأفراد أسرته وكل حاشيته ليخرج مطأطأ الرأس منكفياً علي وجهه!.. ومن قبلهم كان الحاكم الذي تم شنقه في العراق، والحاكم الذي أغتيل وهو في أبهي زينته مثله مثل قارون، وكلاهما مصريون! كل هؤلاء الطغاة، ما الذي جعل نهايتهم مأساوية إلي هذا الحد؟.. هل الشيطان الذي غرر بهم وجعلهم يتكبرون ويستعلون علي شعوبهم؟.. أم أنهم أعتقدوا أن بكل الثروات التي كنزوها سينجون بها من عقاب الخالق لهم (إنما نملي لهم) لقد أضلهم الشيطان فأوقع بهم وظنوا أن هذه الثروات لن تبيد أبداً، وقالوا مثلما قال صاحب الجنتين وهو يحاور صاحبه في سورة الكهف (ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلي ربي لأجدن خيراً منها منقلبا). هؤلاء الأباطرة والأكاسرة والطغاة لا يفكرون إلا في جلب السعادة لأنفسهم مهما كان الثمن، لا يفكرون في الآخرة ويوم الحساب، ولا يعتبرون أي اعتبار لشعوبهم، والشعوب في نظرهم لا تعدوا إلا قطيعاً من الغنم!.. ولم يفكروا في اليوم القادم، يوم الغضب، أو يوم الحساب الدنيوي قبل حساب الآخرة، لقد جاء ذلك اليوم الذي لم يكن يحسبون له حساباً، وجاء من قبل لكثير من أمثالهم، لذلك كان دائما الخطاب في النص لمثل هؤلاء (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) و(واعتبروا يا أولي الألباب) لكن هيهات هيهات، (مثلهم كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث وإن لم تحمل عليه يلهث).. إذاً مثل أولئك المفسدون في الأرض، لا يعدوا إلا أن يكون غباء مستحكماً طمس علي سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، لذلك كانت هذه نهايتهم المؤسفة والمخزية! هذا المصير هو نفسه سيكون مصير الثلة الباقية من ملوك وأمراء الذهب الأسود الذي طمس علي أبصارهم فأعماها، ملك البحرين لا يري ولا يسمع ولا يشعر بما يدور من حوله في العالم، يظن أنه قادر علي كبح جماح الثوار والقضاء علي الثورة، ليس لديه المعرفة الكاملة بالمعني الحقيقي للثورة، لا يدرك أن الثورة قبل أن تكون حلماً، فهي إلهام، هي في دورانها حول رقاب المتحذلقين فن من أكبر الفنون في كيفية الإطاحة بعروش المختبئين وراء كروشهم!.. ويا ليت ملك الأردن استوعب قراءة التاريخ جيداً، ليري كيف تم الإطاحة بجده الأكبر من قبل أسياده فبدلاً أن ينصبوه خليفة علي المسلمين اجتزوا هذه القطعة من أرض الشام وجعلوه ملكاً عليها، الأمر الذي أدي به إلي الجنون!.. هذا الملك المتماهي في عالم الخيال، لا يعلم أن يومه قد اقترب، فأسياده لا سبيل لهم غير أن يقيموا الدولة الفلسطينية كحل نهائي لمشكلة الصراع العربي، إلا علي هذه الأرض التي أهدوها لجده من قبل! لكن الطامة الكبري تكمن في الجزيرة العربية، فملكها وأمراؤها مطمئنون جدا ولا يعتريهم أي قلق، هم يضعون كل ثقتهم في واشنطون وتل أبيب، غير مكترثين بقدرة الله وقدرات الشعب الطيب الذي ظل مستكيناً طوال خمس وثمانين سنة يتوالي عليهم ملوك آل سعود، الذين استولوا علي البلاد وأسموها بكنيتهم، المفروض أنهم ينتسبوا للأرض التي يعيشون عليها وليس العكس. بدأت الشرارة الأولي في القطيف، بعد أن اشتعلت الثورة في البحرين التي تتعامي كل الدول الغربية والعربية عنها، ولا شاغل لهم إلا سوريا، هم يحاولون طمس الحقيقة عن شعوبهم وتلهيتهم عما يحدث في البحرين وداخل بلادهم، الثورة آتية لا ريب فيها في الجزيرة العربية، وفي قطر التي يحاول أميرها تبديد ثروة البلاد في شراء السلاح، ودفع المليارات للمرتزقة ليدفع بهم إلي سوريا، من أجل الإطاحة بنظامها العروبي المقاوم والمساند لكل حركات المقاومة في العالم العربي، لقد أنفق «حمد» مئات المليارات من أجل إسقاط النظام في ليبيا، واليوم يحاول القيام بنفس الدور في سوريا وفي مصر والجزائر وفي كل البلاد التي تطلب منه الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، تخريبها، هؤلاء الملوك والأمراء يبعثرون كيفما شاءوا في أموال استخلفهم الله عليها، فهذا المال مال الله، ومال العباد، وإذا كان العباد عاشت فاقدين الوعي هذه السنوات الطوال، فليعلم هؤلاء أن الشعوب استردت وعيها المفقود، وأنها قد تعلمت وتثقفت وأدركت أنهم قد استغلوا أسوأ استغلال، وأن الوقت قد حان للقيام بالثورة علي هؤلاء الطغاة، وأيما كان مكتوباً لهذه الثورة من نجاح أو فشل، فستبقي في التاريخ الذي لا يترك شاردة ولا واردة، صغيرة ولا كبيرة، إلا، ودونها! قلنا من قبل إن الثورة حلم، وها هو الحلم قد اقترب.. قلنا الثورة إلهام، ولقد ألهمهم الله علي بدئها، ونضيف عاملاً آخر يتجلي للثوار الثائرين علي الظلم والطغيان، ألا وهو (الإبداع)، لقد عشنا إبداعات التونسيين والمصريين واليمنيين والبحرانيين في نماذج ثوراتهم، رأينا بأم أعيننا رسامي الكاريكاتير، الفنانون التشكيليين، الشعراء، اللافتات والشعارات المدونة عليها، الفرق المسرحية، شاهدنا كتاب ومخرجي المسرح، كل هذا أصبح في ذاكرة الثورات محفوظاً للتحاكي بها في الوقت المطلوب. كل هذا ليس بعيدا عن الشعب في دول الخليج فنحن في عصر العولمة، وفي عصر التكنولوجيا، ولا يخفي علي أحد، هم يشاهدون، ويسجلون، ويعيشون الحلم في أنفسهم، ويستعدون ل «اللحظة الآتية»، نحن علي ثقة كاملة أن هذه اللحظة أصبحت قريبة جداً، ربما يكونون في انتظار (الإلهام) الذي يجيش في عقولهم وصدورهم، الثورة قادمة لا محال! ليست في دول الخليج فقط، ولكنها أيضا قادمة في دول العم سام، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي ستفكك إلي ولايات!.. وسوف يكون عليهم جميعاً صيفاً وبيلا، فهم الذين أرادوا ذلك وتمنوه لنا، أرادوا أن يقسمونا، ويجزأونا، ويخربوا بلادنا، ومكروا، ومكر الله، والله خير الماكرين، ولسوف تكون هذه الثورات بمثابة الوبال عليهم، ستكون بمثابة العاصفة التي سوف تأكل الأخضر واليابس، هي التي ستجعل من الكبير حقيراً، ومن كان حقيراً سيصبح كبيراً، والذي يلتهم هياكل المجتمعات والدول الأكثر رسوخاً في الظاهر!.. إن التحول الثوري لا يشكل الدليل علي التقدم، لأنه مجرد عكس لواقع الأمور، الملوك، والرؤساء والأمراء والسلاطين والطغاة والديكتاتوريين، يصبحون في خبر كان بين السجون والمعتقلات، تنتشل منهم الحرية، ويختنقون بنار الذل والعار، الأغنياء يصبحون فقراء، والفقراء يصبحون أغنياء! هذا هو الحدث الثوري لهؤلاء الثوار الذي يجعلهم يتمنون بعد نجاح ثورتهم، أو فشلها، ألا يعيشوا لحظة الحدث التي انتابتهم مرة أخري!.. وهذا ما يحدث تماماً للذين لم يشاركوا في الثورة، وكانوا مجرد متفرجين منتشين لما يشاهدونه ويسمعونه، إنهم أيضا يعيشون اللحظة، ولا يتمنون تكرارها! إن ملوك وأمراء الذهب الأسود، قلوبهم مليئة بالحقد علي الدول العربية السائد شعوبها المليئة بالعلماء في شتي فروع المعرفة، وشعوب أخري آسيوية، مثل الهند وباكستان النوويتين، وأخيرا الحقد، كل الحقد علي طهران التي تمكنت في ثلاثين سنة مضت علي ثورتهم أن تكون دولة نووية!.. فماذا فعل هؤلاء بالكنوز التي لاحصر لها ولا عد، غير الأبراج العالية، والجسور والطرقات والملاهي والنوادي من أجل الترفيه واستمالة الشعوب الغربية لبلادهم، يظنون أن هذا ما يحقق النهضة، أو الحضارة!.. غير واعين بأن كل هذا من السهل جدا أن يمحوه زلزال قوي، أو رياح عاتية تجعلهم أعجاز نخل خاوية، لا يعلمون أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول جاهدة حتي اليوم أن تصنع لها حضارة!.. فهل من الممكن أن يقارن حاكم قطر أو ملك الجزيرة نفسيهما بالحضارة المصرية، أو العراقية أو السورية؟.. من المستحيل مهما كانت هذه الثروات التي يمتلكونها أن يصنعوا منها حضارة أو حتي مدنية، رغم الفروق الشاسعة بين الحضارة والمدنية!