محمد التهامى القسوة من أبشع صفات البشر، لأنها تعنى موت القلب، وحينما يموت القلب تموت الحياة كلها ويهون فيها الحياة دون تدبر.. عاملة نظافة وكاميرا مراقبة كانت الخيط الأول فى كشف وافتضاح قسوة وجبروت امرأة على الملأ، بعدما تجردت من معانى الأمومة وهداها شيطانها إلى حيلة مريرة للتخلص من جنينها الذى حملته سفاحاً، وألقته داخل صندوق قمامة تنهش جسده الحشرات الزاحفة والحيوانات الضالة، دون أدنى ذنب ارتكبه سوى أنه خرج من رحم أم قاسية سارعت وراء شهواتها الدنيئة. وقعت أحداث الجريمة البشعة التى تقشعر لها الأبدان بمنطقة باب الشعرية، تقول «نور» صاحبة ال23 ربيعاً، بطلة حكايتنا: تعرفت على سائق ونشأت بيننا علاقة حب محرمة، كل منا لا يستطيع الاستغناء عن الآخر وكأنه نصفه الثانى وجدت فيه فارس أحلامى. كانت «نور» تعمل عاملة نظافة فى إحدى الشركات، لا يمر يوم دون أن تلتقى بمحبوبها لكى تقص له عن تفاصيل حياتها بحلوها ومرها واتخذته شريكاً لحياتها، يتبادلان أطراف الكلام المعسول بناء على وعوده الوردية لها بأنه سوف يتزوجها، توطدت العلاقة بينهما وتمكن بكلامه ووعوده إلى أن وقعت فى الخطيئة ومارسا الرذيلة تنفيذاً لرغبته، وقال لها أيام معدودة وسنتزوج. مرت الأيام وتنتظر «نور» تنفيذ وعوده بالزواج ولكنه دائماً ما كان يتهرب ويتحجج بضغوط وأعباء الحياة إلى أن جاءت الطامة الكبرى عندما بدأت تشعر بأعراض الحمل، طلبت منه الزواج خشية الفضيحة، وحتى يخرج الطفل فيجد له أباً يعرفه لكنه رفض، وتغيرت معاملته لها وتبخرت كل الوعود ورفض الاعتراف بالطفل وطلب منها التخلص منه ونفى أنه تعرفت عليه. وبدأت مظاهر الحمل واضحة عليها فخشيت افتضاح أمرها، ضاقت بها الدنيا مع إصرار العشيق على الإجهاض وبعدها يتزوجها. قالت «نور» لم أجد أمامى سوى «جدتى» التى أصيبت بالصدمة عندما سردت لها مصيبتى وانهالت علىّ بوصلات الكلام القاسى قائلة: فضحتينى، حطيتى رأسنا فى الطين، أحسن حاجة ليكى الموت» ومع توسلاتى لها بأنها غلطة اقتنعت أن تساعدنى فى إجهاض نفسى والتخلص من العار قبل اكتشاف الفضيحة، أجهضت نفسى بمعاونة جدتى واتفقنا بعد ذلك على أن نتوجه إلى المستشفى بحجة إجراء الكشف الطبى عليّ لكى نتخلص من جثة الجنين بإلقائه داخل أى صندوق بالمستشفى لكونه مكاناً لتوافد الناس والمرضى. وتستكمل «نور»: جاء الصباح وتوجهنا أنا وجدتى إلى المستشفى وأخذت جدتى جثة جنينى وتخلصت منها بوضعها داخل صندوق قمامة، وقالت: «خلصتك منه أهو». خرج الجناة هروباً من داخل المستشفى فرحين دون ندم أو حسرة على الجنين الذى تخلصوا منه دون شفقة أو رحمة وعادوا يمارسون حياتهم الطبيعية، ظناً منهم عدم كشف أمرهم، خاصة أنهم أتموا جريمتهم دون أن يراهم أحد، متناسين أن الله يراهم وتردد الأم القاسية «أخيراً خلصت من الكابوس». في الحال اقتص الله عز وجل للجنين البرىء الذى حرمته أمه من الحياة، وألقته بين أحضان القاذورات والقمامة، «وداد» عاملة نظافة تقوم بعملها داخل المستشفى وعندما توجهت إلى صندوق قمامة لتجمع ما به وضعت يدها داخله أصيبت بالذهول عندما أمسكت يدها بجثة لطفل حديث الولادة والدماء من حوله، أصيبت بالفزع وظلت تصرخ وتصرخ من هول وبشاعة الأمر.. إلحقونى لقيت طفل ميت جوا صندوق القمامة.. الحقونى. وتم على الفور إبلاغ قسم شرطة باب الشعرية، وقالت عاملة النظافة خلال الإدلاء بأقوالها إنها أثناء قيامها بأعمال النظافة عثرت على كيس بلاستيك أسود اللون بصندوق القمامة وبداخله طفل حديث الولادة به الحبل السرى، انتقل رجال الشرطة للمستشفى وبتفريغ كاميرات المراقبة ومداخل ومخارج المستشفى تم التوصل إلى مرتكبيها، وهما سيدتان وبصحبتهما قائد سيارة ميكروباص دون لوحات. أيام من التحرى والبحث عن هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا فى كاميرات المستشفى لكشف هوية الطفل الذى عثر عليه، وبالفعل تم القبض عليهم، الأم والجدة ووالد الطفل، اعترفت الأم بكل هدوء ودون لحظة ندم أنها تخلصت من طفلها ابن السبعة شهور بعد إصرار والده الذى حملت منه سفاحاً على التخلص منه مقابل عقد قرانه عليها.. وفى المقابل قالت الجدة: ساعدتها حتى أتخلص من فضيحتها التى ستطاردنى.. أما العاشق الذى تهرب من مسئوليته فأنكر صلته بالطفل أو أنه ابنه بل تبرأ من عشيقته، وكانت كلماته من أين أدرى من أنها لم تفعل ما فعلته مع غيرى.. وربما يكون ابن شخص آخر تعرفت عليه.. وأنه كان يجاريها حتى تتخلص من الطفل ابن الخطيئة ويتخلص هو منها فوراً.. انتهت الاعترافات والقرار الحبس للجميع، ولكن هؤلاء فقدوا الإحساس ونعمة الإنسانية فلم تفرق بالنسبة لهم أية إجراءات.