إنها بلا شك لحظات تاريخية يعجز اللسان عن وصفها ويسقط فيها القلم من بين الأصابع ليحل محله العلم ولنضرب سلام تحية لهذا الشعب العظيم الذي استطاع بثورته البيضاء أن يصنع العبور الثاني لمصر وكما كانت الأفراح تعم أرجاء المعمورة عام 37 رافعة الأعلام ومرددة الأناشيد الوطنية عادت من جديد في نفس هذا المشهد البديع الذي قل نظيره ليثبت من جديد أصالة هذا الشعب العظيم وقدرته علي صنع المستحيل وليقف العالم كله مبهوراً بما يراه من حضارة ورقي لدرجة أن الرئيس الأمريكي أوباما وصف »ثورة مصر« بأنها ثورة ملهمة للعالم كله.. هذه هي مصر الحقيقية وهذا هو شعبها العظيم الذي حاولوا أن يغيبوه ويعيدوا تشكيل وجدانه علي هواهم من خلال إعلامهم المزيف والمضلل، وجعلوه لا يرفع العلم ولا يردد »المصريين أهم« إلا في مباريات الكرة التي يرعاها نجل الرئيس المخلوع! وكما عيشوا الشعب في غيبوبة عاشوا هم أيضاً في غيبوبة. لقد تصوروا أنهم استطاعوا أن يقتلوا هذا الشعب ولم يعد فيه نفس ينبض مما أتاح لهم أن يعيثوا في الأرض فساداً ويحرقوا الأخضر واليابس وها هم يفاجأون ببركان الغضب تحت أقدامهم يلهب أجسادهم ويكهرب عقولهم ويتساءلون مَن هؤلاء أو مِن أين أتوا؟ إنه الشعب المصري العظيم الذي استيقظ من سباته وأفاق من غيبوبته الطويلة ليواجهكم أيها الطغاة المستبدين، الفاسدين، إنكم أيها الجهلاء الأغبياء لم تقرأوا التاريخ ولم تتدرسوا شخصية الإنسان المصري الذي يعيش علي ضفاف النيل والذي أخذ منه بعض سمات شخصيته، فهو يبدو هادئاً لفترات طويلة كاظماً لغيظه وغضبه وتتراكم عليه الأحزان ولكنه حينما يثور يصبح كالفيضان لا توقفه ولا تمتص هديره الجارف سدود الأمن الحديدية، فلا القبضة الحديدية ولا نيران رصاصكم ستوقفه، إنه الطوفان فلا عاصم لكم اليوم! هذا هو المارد المصري الذي خرج من القمقم الذي وضعتموه فيه ولن يعود إليه أبداً، فقد تنفس هواء الحرية وعبير الكرامة وها هو يقول بأعلي صوته »أنا المصري« لتتصدر صوره وأخباره جميع وسائل الإعلام العالمية سواء كانت المرئية منها أو المطبوعة في صورة أذهلت العالم كله وهو الذي طالما ما رسم له صورة مختلفة تماماً تتسم بالخنوع واللامبالاة وأنه شعب لا يهمه غير بطنه وملذاته الحسية فقط، فإذا به يثور من أجل قيمة إنسانية عليا إلا وهي الحرية والعدالة، هذا المارد المصري الذي صنع أول حضارة في العالم منذ سبعة آلاف سنة سيصنع حضارة الغد ولن يعيش بعد اليوم يتغني بأمجاد الأجداد فقط وهذا هو الأهم، وهذا هو التحدي الحقيقي لشباب ثورة 25 يناير، هذا التاريخ الذي طبع في أذهان العالم كله وليس في أذهان المصريين فحسب، فلابد أن نكون علي مستوي هذا الحدث العالمي الذي صنعناه بأنفسنا فكما تنظفون ميدان التحرير يجب أن تنظفوا مصر كلها من براثن النظام الفاسد وتكنسوا كل بؤر العفن والتخلف التي سوست عظامه ونخرتها وامسحوا وطهروا كل رموزه من سياسيين وإعلاميين وخاصة الذين تحولوا كالحرباء بين ليلة وضحاها من مناصرة مبارك وحاشيته والتسبيح بحمدهم وفضلهم إلي مناصرة الثورة؟! لهؤلاء أشد خطراً علي الثورة، لا نريد أن نراهم وهم يلهثون من فضائية لأخري ليدلوا بدلوهم، أما هؤلاء الإعلاميون أمثال مقدمي برنامج »48 ساعة« علي شاشة المحور، فأشرف لهم أن يختفوا طواعية بدلاً من هذا الرياء الرخيص الذي يمارسونه صحيح »اللي اختشوا ماتوا« نريد مصر نظيفة بلا أفاقين ولا مرتزقة ولا فاسدين لنبني مصر الحديثة علي أسس سليمة ومعالم واضحة لتسهم في الحضارة الإنسانية كلها. إن البناء دائماً أصعب من الهدم لهذا يجب أن نضع أمامنا خططاً واضحة في صنع المستقبل وأن يشارك الشعب كله فيه كمشروع قومي له مدة زمنية معينة ما أن ننتهي منه حتي نبدأ في مشروع آخر وهكذا لسنا أقل من الهند ولا كوريا ولا البرازيل ولا تركيا ولا إيران تلك التي استطاع قادتها أن يحولوها إلي دول تصدر التكنولوجيا وتلعب دوراً محورياً في سياسات العالم، بل أصبحوا قوي إقليمية عظمي بعد أن غابت مصر في سبات عميق ثلاثين عاماً وها نحن استيقظنا لنسترد دورنا من جديد.