كعادتها منذ بداية العام الدراسى استيقظت «سلمى» مبكراً لتغسل وجهها من إرهاق مذاكرة الليل وترتدى مريلتها التى اختارتها بنفسها عند شرائها مع والدتها وظلت أمام المرآة الصغيرة كوجهها الطفولى تمشط شعرها وتجدل ضفيرتيها النونو. وأسرعت لتجهز حقيبتها وتتأكد من وضع كتبها وكراساتها وقلمها الرصاص الذى نحفته برايتها وهى تكتب دروسها وتنجز واجباتها، وتناولت إفطارها مع والديها وإخوتها وعقب تناول الإفطار ارتسمت على وجهها البريء ابتسامة ملائكية ولأول مرة فى حياتها تنفرج أساريرها بهذا الشكل وكأنها تعلم ما يخبئ لها القدر أو ما ينتظرها من نصيب محتوم كانت عيناها تدور فى المكان.. فى الأرض.. فى سقف الغرفة.. فى أثاث المنزل وكأن الطفلة الشقية التى تملأ البيت مرحاً وضحكات تودع أسرتها الوداع الأخير وعيناها تطيل النظر إلى وجوههم وكأن قلبها يحدثها بأنها لن تراهم مرة أخرى فتارة ترتمى فى حضن أمها تقبلها بشراسة وتارة تحيط خصر والدها بيديها الصغيرتين. أذهلت الجميع سلمى، وكانت الأم فرحة جداً بما تفعله تنظر إليها فى شوق وترتقى حركاتها الشقية عن كثب وقلبها يكاد يقفز من جنبات صدرها هل كانت الطفلة البريئة تعلم أنه لم يتبق من عمرها سوى سويعات قليلة وتفارق بعدها الحياة وتذهب روحها إلى خالقها فى حادث أليم يدمى القلوب؟. ولكن كيف لقلبها الصغير أن يدرك ما خبأته الأقدار لها خرجت «سلمى» مسرعة لتلحق بطابور الصباح وتحجز مكانها فى مقدمة الصفوف لتستمع إلى الإذاعة المدرسية وتردد نشيد الوطن وتحية العلم وبدأت يومها فى المدرسة بمصافحة زميلاتها وتبادلن سوياً الضحكات قبل أن ينتظمن فى طابور الصباح يرددن الأناشيد الوطنية احتفالاً بذكرى الانتصارات، بعدها اتجهت إلى فصلها وهى مفعمة بالنشاط والحيوية وحرصت على الاستماع لشرح معلمتها التى أحبتها لذكائها الفطرى ونبوغها فى المواد الدراسية مما جعلها تحظى بعبارات المديح وتصفيق زملائها فى الفصل دوماً تشجيعاً لها لتميزها داخل الفصل مقارنة بكل من هم فى سنها ويدها الصغيرة تكتب ما تراه عيناها على السبورة وتردده بلسانها. وعقب انتهاء اليوم الدراسى حملت سلمى حقيبتها خلف ظهرها وأسرعت الخطى مع زميلاتها فهى تشعر باشتياق كبير للعودة إلى المنزل لتحكى لوالديها كما تعودت كل يوم ما سمعته من عبارات الثناء من مدرسيها عقب إجاباتها عن أسئلتهم وكانت خلال سيرها تتبادل الحديث من رفيقاتها وأثناء عبورها الطريق فوجئت بأتوبيس يتجه مسرعاً نحوها فأصابها الخوف والهلع الذى جعلها تقف مكانها وهى فى حيرة من أمرها وكأنها أدركت أن الموت يقترب منها لا محالة وما هى إلا لحظة كلمح البصر ارتطم الاتوبيس بجسدها النحيف لتسقط على الأرض ويمر فوق رأسها الصغير لتنفجر منها الدماء وتلطخ مريلتها وكتبها التى تبعثرت حولها وكأنها تروى نهاية قصة طفلة جميلة، ويتركها جثة هامدة وقد فارقت الحياة قبل أن تعيشها ويهرب الجانى من موقع الحادث. تجمع الأهالي حول جثة سلمى وأسرعوا إلى إبلاغ مركز شرطة طهطا والإسعاف لنجدتها، فتم نقل الجثة إلى مستشفى طهطا وأخطرت النيابة للتحقيق. هكذا انتهى الدرس.. لم تعد سلمى تنال عبارات الإعجاب والثناء من مدرسيها.. ولم تعد تلم كراساتها ولم تعد تحضر دروسها.. اغتال سائق متهور حياتها.. براءتها.. دروسها.. مستقبلها.. فرحة عمر أمها.. أمل أبيها.. ونس شقيقها، اغتال كل ذلك وهرب.. انتهى الدرس قبل أن يبدأ على يد إنسان لا يقدر معنى الحياة.. وما زالت الأم تنادى وتصرخ تنتظر عودة سلمى..!