تألمت جدا عندما قرأت بجريدة الوطن واقعة كسر فرحة التلميذ يوسف حجاج(15 سنة) بفرحة اليوم الأول فى المدرسة، حيث منعته الإخصائية الاجتماعية للمدرسة، حسب رواية محمد عبداللطيف الصغير مراسل الجريدة بالأقصر، من دخول المدرسة والوقوف فى طابور الصباح مثل زملائه لأنه لا يرتدى بنطلونا يتوافق والزى المدرسي، يوسف عاد إلى المنزل وارتدى بنطلونا آخر، وحمل حقيبته وأخذ المسافة من قريته إلى المدرسة جريا لكى يلحق طابور الصباح، ويحي مع زملائه علم مصر: تحيا جمهورية مصر العربية، أوقفته الإخصائية على الباب، وقالت له: هذا البنطلون أيضا لا يتوافق مع الزى المدرسي، ولن تحضر طابور الصباح، وحكت لمدير المدرسة، فقام بتعنيفه وأمره أن يقف فى آخر المدرسة بعيدا عن أنظار الضيوف، فالمحافظ على وصول وسوف يحضر طابور الصباح. الطفل يوسف وقف مكسورا فى نهاية الطابور يخفى فقره عن عيون المحافظ وضيوفه، ودموعه تبلل وجهه ألما وحيرة، ماذا يفعل؟، وهل سيحرموننى من المدرسة وزملائي لأنني لا أمتلك بنطلونا مناسبا للزى المدرسى؟، والدي يعمل فى مسجد القرية وراتبه لا يسمح له أن يشترى لى الزى..أحد مساعدي المحافظ استمع للواقعة وشاهد انكسار وانطفاء فرحة يوسف، حكى للمحافظ تفاصيل الواقعة، فاتجه إليه وداعبه ووعده ان يهديه زىاً مدرسياً. واقعة الطفل يوسف أعادتني بالذاكرة إلى فترة الستينيات، عندما كنا أطفالا فى مدرسة «قحافة الابتدائية»، المدرسة الوحيدة لأبناء قرية قحافة التابعة لمدينة طنطا، كانت على الطريق الرئيسي للقرية الواصل بين شارع البحر بطنطا وقلب القرية، كان طريقا ترابيا على يسار الداخل للقرية بعض البيوت والمدرسة، وعلى يمينه أراضى الفلاحين ومقام الرفاعى. وصلت تعليمات للمدرسة من مديرية التعليم بأن يسمحوا للتلاميذ ابتداء من الصف الثالث أو الثاني الابتدائى(لا أذكر على وجه التحديد) بارتداء ملابس الخروج، البنطلون والقميص، وأن يتحللوا من الالتزام بارتداء المريلة، إدارة المدرسة أيامها اتخذت قرارا تاريخيا، فقد أجمعوا على عدم تنفيذ القرار وارتداء التلاميذ المريلة، لماذا؟، لكي لا ينكشف أبناء الفقراء وغير القادرين على ارتداء بنطلون وقميص، فقد كان أغلب أهالي القرية من الفلاحين البسطاء، وقد سمعت بقرار الإدارة التعليمية، وبقرار إدارة المدرسة من زوج عمتي وهو يحكى لوالدي وجدي رحمة الله عليهم جميعا. عندما كنا فى عمر يوسف حجاج ابن الأقصر، ربما ونحن فى الصف الثانى الإعدادى بمدرسة الأقباط، كانت غدارة المدرسة تنذر التلاميذ الذين لا يستطيعون تسديد المصروفات وتترك لهم مهلة قد تصل إلى منتصف العام الدراسي، وكانت بعض المدارس تطرد التلاميذ وتمنعهم من دخول المدرسة قبل تسديد المصروفات، أذكر أحد الزملاء يدعى أشرف، كان والده يعمل ممرضا وتقاعد، وكان يسعى لتوفير بعض النفقات باللف على عجلته على منازل المرضى حاملاً حقيبة صغيرة تحتوى على حقنته الزجاجية فى علبة صفيح مع زجاجة سبيرتو وقطعة قطن، أشرف كان يرفض دخول المدرسة ويفضل أن يلف في الشوارع، لكى لا يحرج أمام التلاميذ يوميا من سكرتير المدرسة، حيث كان يدخل الفصل يوميا ويقرأ من كشف فى يده أسماء بعض التلاميذ، فيقف كل من يسمع اسمه، ويوبخه سكرتير المدرسة أمام تلاميذ الفصل ومدرس الحصة، ويطالبه بتسديد المصروفات، ويهدده بالطرد من المدرسة فى حالة عدم التسديد. حكي لي الصديق شعبان هريدى عضو الهيئة العليا بالوفد بالأقصر، أن رجل الأعمال الأقصر روماني رمزي عجايبى، قد تبرع، بستة أجهزة غسيل كلوي لخدمة مستشفيات مدينة أسيوط خلال الشهر الجاري، أطالب رمزي عجايبى بأن يسدد مصروفات ابننا يوسف حجاج، وان يوفر له متطلباته من كراسات وكشاكيل وأقلام وكتب خارجية وملابس تتوافق والزى المدرسي، كما أتمنى أن يتبنى تعليمه حتى تخرجه من المدرسة.