اقترحت بعض «القوى الثورية» تنظيم عصيان مدنى يشمل البلاد كلها فى مناسبة اليوم الذى تنحى فيه الرئيس السابق عن منصبه!، ففاجأنى فى الاقتراح فى هذا التوقيت القاتل، لمصر التى هى فى واقع الأمر فى حالة عصيان مدنى أو شبه عصيان منذ وقوع ثورة 25 يناير وحتى الآن!، فنحن نشهد «تفرغ» الآلاف من العاملين للاحتجاجات والاعتصامات فى مقار عملهم بدون عمل!، ويطالب هؤلاء ببعض المطالب الوظيفية التى يرون أنهم قد حرموا منها من قبل فظلموا وآن للثورة أن ترفع عنهم هذا الظلم!، ومازال الحديث عن الإنتاج وحاجتنا الشديدة إليه ومصر على وشك الإفلاس!، فلم يعد هناك فى العالم الغربى ولا العالم العربى من يجب أن يمد لنا يد العون المالى على الرغم من الوعود التى يبذلها لنا البعض هنا وهناك!، وقد كان رئيس الوزراء كمال الجنزورى بالغ الصراحة وهو يبلغنا بوضوح أن مصر لم يصلها أى مليم مما قيل إنه مساعدات من العالم العربى لمصر!، ولم يبق أمام مصر إلا أن تبحث فى دوائر المال الدولية بشروطها الغليظة بعضا مما يعين مصر على مواجهة التزاماتها المالية!، ويعرف الجميع فى مصر أن البلاد تتعرض لضغوط دنيئة لتذعن لما تريده بعض من الدول من مصر لكى تتخلى عن بعض سيادتها فتذعن تحت وطأة الحاجة!، فإذا كان الاقتراض هو سبيل ضرورى لتسكين بعض أوجاعنا الاقتصادية، فإنى لابد أن أشير هنا إلى أن الاعتماد على النفس قد أصبح هو السبيل الجوهرى بما ينتجه أبناء مصر حتى تتجنب حفرة الإفلاس! فهل هذا وقته لعصيان مدنى!، كنت أفهم أن تكون الدعوة للعصيان المدنى الذى يشمل مصر كلها قبل وقوع الثورة حتى يذعن النظام السابق لمطالب الشعب أو يرحل عن حكمه، أما وأن النظام قد سقط، فليس علينا إلا أن نبادر جميعاً بالعمل وبذل أقصى الطاقة من أجل حياة طبيعية نسعى لأن تعود، ولقد عاصر جيلى تجربة للعصيان المدنى فى السودان فى الستينيات من القرن الماضى، أثناء حكم الفريق إبراهيم عبود الذى حكم السودان بانقلاب عسكرى، فلما استجاب الشعب فى السودان إلى دعوة للعصيان المدنى الذى استمر لأيام، اكتشف إبراهيم عبود أنه على رأس بلد مشلول لا إنتاج فيه ولا مرافق تعمل، ولم يكن أمام عبود إلا النزول على إرادة الشعب والرحيل عن مقعد الرئاسة، فهل الموقف بعد ثورة 25 يناير وحتى وصوله إلى ظروفه الحالية يستدعى دعوة إلى عصيان مدنى فى ذكرى تنحى مبارك!، إننى أهيب ببقية القوى فى مصر ألا تستجيب لدعوة العصيان المدنى، بل وعلينا أن نحث الداعين إليها إلى أن يستبدلوا دعوة العصيان المدنى بدعوة الشعب إلى إنقاذ البلاد من شبح الإفلاس!، بل دعوة أثرياء هذا البلد إلى تقديم بعض مما حققوه من ثروة من مصر وعلى أرض مصر على سبيل العون والبلد تستحق، وبدلاً من اكتشاف أننا قدنا البلاد إلى الانهيار بحلقات من الغضب آخرها العصيان المدنى!