"الحاجة أم الاختراع".. مقولة تحكى واقع زراعة البطاطا الحلوة في السنغال، حيث لجأ إليها السنغاليون بعد أن شهدت بلادهم في العقد الماضي أزمات مالية متلاحقة منعتهم من استيراد العديد من مكونات الأغذية والحلويات، وعلى رأسها الفستق والمكسرات، فاستخدموا البطاطا الحلوة كبديل يدخل في صناعة البسكويت والخبز وغيره من الصناعات الغذائية. من هنا تحولت البطاطا الحلوة من مجرد ثمرة بسيطة إلى مكون رئيسي على المائدة السنغالية كما الأرز، هكذا قال أبوبكر أندوى مدير معهد تكنولوجيا الأغذية (ITA). وأضاف: "نستهلك حوالى 7 آلاف طن من البطاطا الحلوة فى مقابل 17 ألف طن من الأرز سنوياً". جاء ذلك خلال ورشة عمل أقامها الاتحاد الدولى للصحافيين العلميين في العاصمة السنغالية داكار فى الفترة من 21 إلى 27 كانون الثاني (يناير) 2012. "أصل البطاطا الحلوة من أمريكا الوسطى، استقدمها الرحالة كريستوفر كولومبوس إلى أفريقيا، وتزرع في 100 بلد حول العالم بإنتاج يصل إلى 130 مليون طن سنويا وفق دون بويا الباحثة في معهد تكنولوجيا الأغذية في داكار. لكن منظمة الأغذية والزراعة "فاو" تشير إلى إنتاج عالمي يناهز 107 ملايين طن سنوياً. وأضافت بويا أن هناك أكثر من 350 نوعا من البطاطا الحلوة في البلاد، أشهرها "اليزكوى". وتزرع في الجنوب وعلى ضفاف نهر السنغال على الحدود مع موريتانيا، إذ تنتج هذه المنطقة ربع محصول السنغال من البطاطا الحلوة الذي يقدر بحوالى 40 ألف طن سنويا. وأشارت بويا إلى أن بعض السنغاليين، رغم تطور تلك الزراعة وزيادة إنتاجها، قد لا يقبلون على استهلاكها بشكل كبير كما الأرز. لذا يتم تصدير الفائض إلى موريتانيا، ثم يصدر مجدداً إلى السنغال في صورة مواد غذائية مصنعة كالبسكويت والحلويات. مشروع قومى ولتعزيز ثقافة الاعتماد على البطاطا الحلوة كغذاء أساسي، أطلق معهد تكنولوجيا الأغذية أخيراً مشروعا وطنيا مدته 3 سنوات، بتمويل من الصندوق الوطني للأبحاث الزراعية، يهدف إلى تعزيز استهلاك البطاطا الحلوة وسهولة توزيعها في الأسواق. كما يرمي المشروع إلى إدخال البطاطا الحلوة في صناعة الحلويات والبسكويت، على غرار المنتجات التى يتم استيرادها من موريتانيا، إضافة إلى تحسين السلالات الموجودة وإنتاج سلالات جديدة. ولعب معهد تكنولوجيا الأغذية، وهو مؤسسة حكومية أنشئت عام 1936، دورا كبيرا في تطوير المحاصيل الزراعية والاستفادة منها كمنتجات غذائية، لأنه يحتوي على العديد من المختبرات المتخصصة بتحليل عينات المواد الغذائية، ومخبز لإنتاج الحلويات والخبز من عجين البطاطا الحلوة. كما يدعم الشركات العاملة في هذا المجال حتى يتحقق الأمن الغذائي فى السنغال. وأجرى المعهد العديد من الأبحاث حول زيادة القيمة الغذائية لمحاصيل البطاطا الحلوة وزيادة إنتاجها. وحقق المشروع العديد من النتائج الإيجابية، منها تطوير أصناف جديدة من البطاطا الحلوة قد يصل إنتاجها إلى 50 طنا للهكتار، وإعداد قاعدة بيانات بأصناف البطاطا (الحلوة؟؟؟) الموجودة في البلاد، وإنتاج أصناف جديدة من الأغذية التى تدخل البطاطا الحلوة فى تكوينها. وقال ماكومبا ضيوف مدير معهد الأبحاث الزراعية السنغالي (ISRA): "نعمل الآن على اعتماد أنماط جديدة من الزراعة تهدف إلى إنتاج أصناف مختلفة ذات مردود كبير وتتسم بصفات خاصة من حيث اللون والطعم لكى نلبى احتياجات المستهلكين". ومع أن السنغال من أكبر بلدان العالم إنتاجاً للفول السوداني، الذي يمثل ثلثي صادراتها، ومع أنها تزرع أيضاً الذرة الصفراء والبن والكاكاو والأرز والقطن والحمضيات، يبدو أن اهتمامها بزراعة البطاطا الحلوة يتنامى. حيث يعمل المعهد الآن على مشروع آخر يهدف إلى نقل وتبادل الخبرات والأبحاث الزراعية في مجال زراعة البطاطا الحلوة في شمال أفريقيا، سيضم 13 بلدا أفريقيا، ويمكن أن يعمم على نطاق واسع عالميا. استهلاك محلى ضعيف "البطاطا الحلوة لا تستهلك كثيرا في السنغال مقارنة بساحل العاج وبالدول الأفريقية الأخرى، بحسب مدير المطبخ في فندق "نوفوتيل" في داكار جوزيف برييرا، الذي أوضح أنها "تستعمل فقط في المطبخ المحلي. كما أنها تستهلك في الأرياف أكثر منها في المدن، سيما في جنوب البلاد حيث تزرع". وأشار بيرييرا الى أن "البطاطا الحلوة تستعمل فقط في طعام واحد في الفندق هو طبق "تيو". "لا نبيع أكثر من 30 كيلو من البطاطا الحلوة يوميا"، شهادة عبّر عنها ديبريل ديالو بائع الخضار والفاكهة في أحد الأسواق المحلية في العاصمة دكار. وأضاف: "على الرغم من أن سعر كيلو البطاطا الحلوة لا يتجاوز 700 سيفا أي ما يعادل دولارا ونصف الدولار، الا أن ثمنها أغلى من تلك العادية التي تباع ب 400 سيفا أي أقل من دولار واحد". وقال ديالو: "لدينا 3 أنواع من البطاطا الحلوة: الأولى حمراء من الداخل وبيضاء من الخارج، والثانية بيضاء من الداخل وحمراء من الخارج، والثالثة بيضاء من الداخل والخارج. وهي تباع بنفس السعر على اختلاف أصنافها".