صناعة الدواجن فى مصر من الصناعات الحيوية، التى ازدهرت فى مصر فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى وبلغت قمة نجاحها فى بدايات عام 2000 ووقتها كانت مصر من الدول المصدرة للدواجن المجمدة وكتاكيت التسمين وبيض المائدة للمنطقة العربية والعديد من دول القاهرة الأفريقية، بعد أن حققت اكتفاءً ذاتياً من الدواجن والبيض داخل مصر، ولكن فى عام 2006 كانت مصر على موعد مع مرض إنفلوانزا الطيور الذى أحدث انقلاباً فى الصناعة رأساً على عقب ورغم أن ما يزيد على 90٪ من العاملين بالصناعة قطاع خاص، إلا أن الدولة وقتها تعاملت مع الأمور بطريقة تنقصها الخبرة وبدلاً من تحجيم انتشار فيروس إنفلونزا الطيور بالقضاء على البؤر المصابة وعزلها، كما حدث فى جميع بلدان العالم وقتها وجدنا أنفسنا ننشر المرض فى جميع أرجاء الجمهورية بسرعة البرق بعد أن أعلنت الحكومة، وقتها عن صرف تعويضات للمتضررين، وأصبحت هذه التجربة «سبوبة» للبعض لنقل دواجن مصابة من المزارع إلى مزارع أخرى فى أماكن أخرى لإجراء معاينات عليها لصرف التعويضات فى ظل تخبط حكومى لا يخفى على أحد واستيراد أمصال عديدة من الصين وغيرها للقضاء على الإنفلونزا التى تغولت فى السنوات الماضية وأصبحت مصر مصدراً للوباء بعد أن تحور الفيروس وأخذ اشكالاً عديدة، وبعد محاولة القائمين على الصناعة بالتعاون مع اتحاد منتجى الدواجن إيجاد حلول لوقف هذه المهازل المتمثلة فى استيراد 99٪ من مدخلات الصناعة من الخارج والبحث عن طرق غير تقليدية لتوفير هذه الخامات فى مصر، وعلى رأسها الذرة الصفراء وكسب فول الصويا ومطالبة اتحاد منتجى الدواجن متمثلاً فى الدكتور نبيل درويش، رئيس الاتحاد الدكتور شريف اسماعيل، رئيس الوزراء بتوفير أراض يقوم الاتحاد بتأسيس شركة لزراعتها، فوجئ الجميع بأن الأراضى غير مهيأة للزراعة ولا توجد بها بنية أساسية ومغتصبة من أفراد، وفى التعديل الوزارى الأخير تم استحداث منصب نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية والداجنة والثروة السمكية واستبشر المربون خيراً بهذه الخطوة، وفعلاً واصلت منى محرز تحركاتها لتصحيح الأوضاع فى كثير من الجوانب، إلا أن التحديات الأكبر للصناعة حالت دون ذلك، مثل الأمراض المستعصية التى قضت على ملايين الطيور فى الشهور الماضية متمثلة فى مرض إنفلونزا الطيور الذى عاد للظهور بطريقة كارثية فى فصل الصيف ودرجات الحرارة المرتفعة وبعد أن كان عدد من المربين يتوقف عن التربية فى الشتاء لتلافى خطر الإصابة أصبح الصيف عبئاً شديداً عليهم وأصبح الأمر فى الصيف أصعب منه فى الشتاء. ومنذ عدة أيام فوجئ المربون وأصحاب محلات الدواجن بتفعيل القرار الجمهورى رقم 70 لسنة 2009 بمنع تداول الدواجن الحية بين المحافظات للحد من انتشار الأمراض وهو القرار الذى قوبل بعاصفة من الرفض من جموع المربين والشركات وأصحاب محلات الدواجن الحية، وقد أجرت الوفد عدة حوارات مع القائمين على الصناعة لمعرفة آثار هذا القرار إذا دخل حيز التنفيذ خلال الأيام القادمة. يقول الدكتور حامد البنا، أحد أصحاب الشركات العاملة فى هذا المجال: إن هذا القرار صائب إذا تمت فيه مراعاة الجوانب الأخرى، مثل حصر محلات الدواجن الحية على مستوى الجمهورية وإعادة تأهيلها للتحول من بيع الدواجن الحية الى الدواجن المجمدة وهذا يستبقه إجراءات وتراخيص وتوفير ثلاجات وإمكانيات تحتاج إلى وقت وإلى قروض تشغيل لا يستطيع البسطاء القيام بها بمفردهم. أضف الى ذلك ما الشركات التى ستقوم بالتوريد لهذه المحلات، وهل تم الاتفاق معها أم لا؟ وهل عدد هذه الشركات قليل يمكن السيطرة عليه وسهولة مراقبته، أم أن الأمر سيكون خارج السيطرة وسنجد شركات لا حصر لها تقوم بالتسويق وإحداث بلبلة للمستهلكين؟. والتقت «الوفد» مع أحد المربين وهو المهندس الزراعى إسماعيل رياض، الذى يحذر من التسرع فى اتخاذ هذا القرار قبل معرفة عدد المجازر التى تستقبل الدواجن الحياة تمهيداً لذبحها وهل هذه المجازر ستستوعب الأعداد المنتجة يومياً فى محافظة، مثل الجيزة التى تعتمد فى تسويقها على تجار من شتى المحافظات وعلى رأسها محافظات الوجه القبلى أم أن الأمر سنتركه للظروف الحالية والتى نعلم أن قراراً مثل هذا سيضع المربين فى مأزق لأن الدواجن سلعة لا تقبل التخزين أو الإبقاء عليها داخل المزارع، وهذا الإبقاء سيعرضها لاستهلاك علف وفيتامينات أو النفوق وفى كلتا الحالتين الخسائر مؤكدة. يؤكد الدكتور محمد الشيخ، أحد العاملين فى هذا المجال، أن هذا القرار صدر عام 2006 وثبت فشله بعد أن وجد الجميع أنه يصب فى مصلحة عدد قليل من الشركات العملاقة التى تمتلك المفرخات ومصانع الأعلاف ومزارع الدواجن والمجازر، وأن هذه الشركات ستبتلع المربين الصغار الذين يعمل لديهم عشرات الآلاف من العاملين فى هذا المجال وليس من المصلحة القضاء عليهم لصالح الكيانات الكبيرة، كما أن أصحاب المجازر عام 2006 وما بعدها كانوا لا يدفعون للمربين ثمن الدواجن نقداً، كما يحدث مع تجار الدواجن الحياة وأن الدفع كان يتم على ثلاثة أشهر بشيكات، وهذا الأمر سيؤدى الى توقف المربى الذى يحصل على الأعلاف والكتاكيت واللقاحات بالأجل ويقوم بسدادها فى نهاية كل دورة وفى هذه الحالة سيضطر المربى إلى التوقف عن العمل حتى يحصل على مستحقاته من أصحاب المجازر الذين يقومون بعملية الذبح والتخزين فى ثلاجات قبل التسويق وهذا الأمر أيضاً يضعهم فى حاجة الى التقاط أنفاسهم لتسويق الدواجن الراكدة قبل استلام أخرى غيرها، وهذا الأمر سيؤدى الى خسائر فادحة للمربين وتوقف الإنتاج بالمزارع. يقول عماد سعد، أحد تجار الجملة للدواجن، إن الأكمنة التى كانت تقف بين المحافظات عام 2006 لمنع التجارة ونقل الدواجن الحياة كانت سبوبة للبعض، وكنا نبحث عن طرق بعيدة عن هذه الأكمنة لعدم مصادرة الدواجن وإعدامها أو ذبحها على نفقتنا ويجب أن يعلم المسئولون أن المستهلك المصرى لا يقبل على الدواجن المجمدة ويفضل الدواجن الحية ليقوم بذبحها بنفسه نظراً لعدم ثقته فى الدواجن المذبوحة صحياً. يؤكد الدكتور نبيل درويش، رئيس اتحاد منتجى الدواجن، أن هذا القانون الذى يحمل رقم 7 صدر عام 2009 وكان يهدف للحد من انتشار أمراض الدواجن ولكن بعد ثورة يناير وحدوث انفلات أمنى توقفت الأكمنة والحملات وعادت ريما لعادتها القديمة وهو ما نسعى لتحقيقه فى الأيام القادمة بطريقة تدريجية تشمل محافظتى القاهرة والإسكندرية فى البداية وبعد ذلك سيتم تعميمه على مستوى الجمهورية، ولو نجحنا فى تطبيق هذا القانون سنقضى على أمراض كثيرة تنشرها سيارات نقل الدواجن من محافظات الجمهورية لبعضها البعض. ويؤكد الدكتور نبيل درويش أن المجازر التى تم تشييدها منذ عام 2006 وحتى الآن تكفى لذبح الدواجن الموجودة حالياً وتزيد بطاقة حوالى 20٪ على احتياجاتها وليس هناك عجز فى المجازر كما يصور البعض، ونحن كأعضاء اتحاد نطمئن المربين بأن هذا القانون فى صالحهم وليس ضدهم لوقف الأمراض التى تسببت فى نفوق نسبة من 30-80٪ منا لقطيع داخل المزارع وهذا يعتبر إهداراً للعملة الصعبة لأن جميع مدخلات الدواجن مستوردة وبالتالى يحدث هذا الأمر خسائر فادحة من الناتج الإجمالى القومى. ويطمئن الدكتور نبيل درويش أصحاب محلات الدواجن الحية الى أن هناك خططاً موضوعة لمد هؤلاء بمبردات وثلاجات عرض من الشركات الكبرى بعد تغيير نشاطهم وسوف يتم هذا الموضوع على مراحل وبطريقة تدريجية. تؤكد الدكتورة منى محرز، نائب وزير الزراعة للثروة الداجنة، أن هذا القرار بقانون أعيد تفعيله بعد أن تعرض المربى البسيط لخسائر فادحة بسبب الأمراض الفيروسية التى تنتشر نتيجة عدم تطبيق الأمن الحيوى للمزارع ونقل الدواجن ومخلفاتها من المزارع الى المحلات مروراً بمزارع التسمين والبياض والأمهات ذات الأعمال المختلفة التى تتضرر من عمليات التداول بهذه الطريقة البدائية التى تجنبتها الدول العربية، مثل السعودية منذ عام 2007 تلافياً لمنع انتشار الأمراض وتغولها، مضيفة: سنراعى أثناء التطبيق التدرج فى التنفيذ ومنح مهلة لأصحاب المحلات لتقنين أوضاعهم حتى لا يضار أحد فى رزقه.