بدأت منذ أيام، انتخابات المرحلة الأولى لمجلس الشورى فى (15) محافظة، وقد نشر إعلاميًا، أن الإقبال علي التصويت ضعيف، ولا يتجاوز 10٪ من الناخبين في معظم المحافظات، والمرجح أن هذا القدر من الناخبين في الإقبال علي التصويت يرجع إلي اقتناعهم بعدم أهمية أو جدوى هذا المجلس من الناحيتين التشريعية والرقابية ، وإلي عدم التزام الأحزاب الإسلامية بالدعوة والحشد لأنصارها لهذه الانتخابات لتأكدهم من السيطرة علي مقاعد مجلس الشورى مثلما حدث في مجلس الشعب، ومن الجائز أيضاً، أن تكون جهود المرشحين لانتخابات مجلس الشورى في الدعاية الانتخابية أقل وأضعف مما بذله مرشحو مجلس الشعب ومن الثابت أن انتخابات الشوري تجري في ظل انتشار آراء متناقضة بين الثوار وغيرهم من الناخبين، يذهب بعضها إلي إلغاء هذا المجلس لعدم وجود فائدة سياسية أو تشريعية منه، بحسب طبيعته ونظامه واختصاصاته، وارتفاع تكاليفه، التى تبلغ حوالى ثلاثة أرباع المليار جنيه سنوياً، بينما ذهب رأي آخر، إلي الإبقاء علي مجلس الشوري، استمراراً لتشكيل البرلمان المصري من مجلسين، لتحقيق الرشد والكفاءة، في التشريع والرقابة البرلمانية علي الحقوق وذلك بشرط أن يتحول مجلس الشوري، ويباشر اختصاصات تشريعية ورقابية كاملة مثل مجلس الشعب، ولترجيح أي من الرأيين يتعين أن نفرق أن مجلس الشوري قد أنشئ في عهد الرئيس السادات، بمقتضي الأحكام المعدلة لدستور 1971 والصادرة في 22 من مايو سنة 1985، والتي أضافت باباً جديداً للدستور المذكور تحت عنوان: «الباب السابع» أحكام جديدة، الفصل الأول مجلس الشوري، ولقد كنت مستشاراً منتدباً لمجلس الشعب من مجلس الدولة، في وقت رئاسة الراحل د. صوفى أبو طالب لهذا المجلس عند تعديل الدستور 1980، ولقد أعدت عدة مواد لإنشاء «مجلس الشوري» علي غرار المواد الواردة في دستور 1923 والمنظمة لمجلس الشيوخ، ولكن مجلس الشعب لا يكون له اختصاصات مماثلة في التشريع، والرقابة مثل مجلس الشعب وإنما يكون مجلساً يغلب عليه «الطابع السياسي الاستشارى» ولذلك فقد نصت المادة (194) من دستور سنة 1971 قبل تعديلها سنة 2007 علي أن يختص مجلس الشوري بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ علي المبادئ والأهداف التي قامت من أجلها ثورتا 23 يوليو 1952، 15 مايو 1971، ودعم الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعى، وحماية المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وهذه اختصاصات جلها سياسية، وقد اقتصر الاختصاص التشريعي لهذا المجلس علي النظر وإبداء الرأي في مشروعات القوانين، التي قد يحيلها رئيس الجمهورية إلي المجلس، والحقيقة أنه قد كان الدافع الأساسى لإنشاء مجلس الشورى علي هذا النحو هو مواجهة نتائج إلغاء الاتحاد الاشتراكي ضمن تعديلات سنة 1980 لدستور 1971 وقد كان الحزب الوحيد الحاكم، في هذا الوقت منذ العهد الناصري!! وأهم هذه النتائج هو نقل تبعية الصحة ومؤسسات الإعلام القومية من الاتحاد الاشتراكي المذكور، إلي المجلس الجديد بحيث لا تكون هذه الوسائل الإعلامية ظاهرة، وإنما أداة تابعة للسلطة التنفيذية وعاملة في خدمة الدفاع عنها والدعاية لها، وبمعني أدق فإن القصد كان ستر هذه التبعية للسلطة التنفيذية، من وسائل الإعلام، بالتبعية لمؤسسة قومية لها طابع شعبي باسم «مجلس الشوري»، ويؤكد صحة ذلك أنه قد نص في الفصل الثاني من الباب السابع بدستور 1971 المعدل 1980 علي ما سمى بسلطة الصحافة بناء علي توجيه من السادات ونصت المادة 211 منه علي أن يقوم علي شئون الصحافة مجلس أعلي يحدد القانون طريقة تشكيله واختصاصاته، وعلاقاته بسلطات الدولة، ويمارس المجلس اختصاصاته بما يدعم حرية الصحافة واستقلالها!! ويحقق الحفاظ علي المقومات الأساسية للمجتمع ويضمن سلامة الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، وذلك علي الوجه المبين في الدستور والقانون!! قد نظم بقانون الصحافة المجلس المذكور علي أن يتم تعيين أعضائه ورئيسه... إلخ بموافقة مجلس الشورى!! والحقيقة أن هذا الابتداع الترقيعي باعتبار الصحافة «سلطة رابعة» وهي ليست سلطة أفراد وإنما للتغطية علي خضوع الإعلام والصحافة الكامل للسلطة التنفيذية في النظام الشمولي، ذى الغطاء والشكل الديمقراطي، ليس له مثيل في الدول الديمقراطية المتمدينة، ويؤكد ذلك أن ثلث مجلس الشوري يعينه رئيس الجمهورية والثلثين ينتخبون بالطريقة التزويرية الأمنية التي تحول الانتخاب إلي اختيار وتعيين، للتابعين والأنصار!! وقد استخدم أيضاً مجلس الشورى في «العهد المباركي»، خاصة في إلحاق العديد من اتباع أعوان النظام بقرارات جمهورية سافرة ضمن أعضاء المجلس لضمان ولائهم والإفادة من تأييدهم لسياسات النظام وتسخير خبراتهم!! فمجلس الشورى كان مقصوداً به دعم النظام الشمولي الاستبدادي الفاسد بشكل وعباءة ديمقراطية!! وقد يكون لذلك إغفال الدستور المؤقت النص علي سلطة الصحافة، وأورد نص المادة 13 التي تقرر حرية الصحافة إلي الآن وقد أبقت المادة 35 من الدستور المؤقت على تعيين نسبة الثلث بمجلس الشوري بقرار جمهورى، ونصت المادة 37 علي اختصاصات هذا المجلس بأن يتولي دراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ علي دعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وحماية المقومات الأساسية للمجتمع، وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة... إلخ، فما جدوى مجلس استشاري يبدى مشورته ورأيه فقط، ولذا فإنه يجب أن يتحول المجلس في الدستور الجديد إلي «مجلس برلماني كامل»، وإلا فإنه لا مبرر لوجوده بعد ثورة 25 يناير وإزاحة نظام الرئيس المخلوع، ومن الغريب أن الدستور المؤقت قد أناط برئيس الجمهورية أن يعين عشرة بمجلس الشعب، وقد عينهم فعلاً رئيس المجلس الأعلي العسكري بصفته يتولي سلطات رئيس الجمهورية، بينما علقت المادة (41) من الدستور المذكور تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، بعد انتخاب الثلثين لحين انتخاب رئيس الجمهورية، وهو أمر يثير الجدل وليس معروفاً الحكم منه، ولا المصلحة، وهو ناتج عما ارتكبته اللجنة الإخوانية في مشروع تعديل بعض مواد دستور 1971، التي أدخلها المجلس العسكري في الدستور المؤقت بعد تعديلها في الدستور المؤقت، وهذا الغموض والجدل ليس ناشئاً فقط عما صاغته هذه اللجنة بل عن إغفال عرض الدستور والتشريعات التي يصدرها المجلس العسكري علي قسم التشريع بمجلس الدولة. والله ولي التوفيق. ----------- رئيس مجلس الدولة الأسبق