تتصاعد هذه الأيام الحملة التي تقودها الأقلية السياسية في مصر، مستغلة زخم الثورة في الذكرى الأولى لانطلاقتها وعدم تحقق العديد من أهدافها، من قبيل قيام نظام سياسي ديمقراطي حقيقي وعدم محاكمة قتلة الثوار بشكل يرضي أهالي الضحايا والمجتمع، فضلا عن استمرار سلطة الأمر الواقع في ارتكاب أخطاء تذكر بالعهد البائد. وقد زادت وتيرة هذه الحملة مع تحول مخاوف تلك الأقلية السياسية من سيطرة ممثلي الأغلبية على الجزء الأكبر من مقاعد مجلس الشعب، إلى واقع حقيقي، بعد سيطرة التيار الإسلامي على ما يعادل حوالي %75 من هذه المقاعد واتجاهه إلى فرض رؤيته لكيفية بناء النظام السياسي الجديد. ورغم اهتمام الأغلبية بإيجاد قدر من التوافق مع القوى السياسية الأخرى الممثلة في البرلمان الجديد حول مقومات هذا النظام الجديد، إلا أن هذه القوى وغيرها من تلك التي لم تمثل في البرلمان تريد ما هو أكثر من ذلك. فهي تريد استعادة الحكم الذي كانت تسيطر عليه في العهود الماضية بشكل مباشر أو غير مباشر، وإذا لم تفلح في ذلك فلا أقل من أن تكون على قدم المساواة مع الأغلبية الحقيقية التي أتت إلى السلطة بعد طول معاناة وبعد ثورة شعبية عارمة دفعت إلى إجراء انتخابات نزيهة أفرزت هذه الأغلبية الحقيقية. وفي إطار السعي للحصول على نصيب يساوي نصيب تلك الأغلبية، عملت الأقلية على رفض ترشيحات ممثلي الأغلبية لمناصب مجلس الشعب، سواء رئيس المجلس أو الوكيلان أو رؤساء اللجان الفرعية، بدعوى ضرورة وجود توافق عام في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. ويبدو أن الأقلية السياسية تريد من خلال ذلك إلى المساواة بين مصطلحي التوافق والحصول على النصيب الأكبر من السلطة الجديدة. ذلك أن التوافق في عرفها يقوم على نزول الأغلبية عند رأي الأقلية أو انسحاب تلك الأقلية من الترشح لأي مناصب احتجاجا على سعي الأغلبية لممارسة حقها الطبيعي في الحصول على المناصب وفق القواعد والآليات المعمول بها في كل الدول الديمقراطية في العالم. لذلك رأينا هذه الأقلية تنسحب من الترشح على رئاسة اللجان الفرعية بعد أن خسرت رئاسة مجلس الشعب ومنصب الوكيلين، وتشن حملة إعلامية شرسة تحاول من خلالها إيهام الرأي العام بأن الأغلبية التي تعبر عنه تريد الهيمنة على كل شيء ولا تترك فرصة لأي توافق، رغم أن هذه الأغلبية حاولت قدر المستطاع تحقيق هذا التوافق لكن دون التنازل عن حقوقها الأصيلة التي كفلتها لها قيم وقواعد الديمقراطية وآلياتها. لا شك أن البلاد تعيش في ظروف استثنائية لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال انسحاب هذه الاستثنائية على عملية بناء الدولة الديمقراطية الجديدة في مصر. فاستثنائية الحدث لا تعني استثنائية القواعد والإجراءات والقيم، خاصة أن هذه القيم هي التي قامت الثورة من أجل بنائها وترسيخها في ظل حالة الاستثنائية التي كانت تسيطر على كل شيء في البلاد وأدت إلى ظهور وتضخم مؤسسة الفساد الكبرى التي حكمت لعقود طويلة. لكن يبدو أن الأقلية السياسية لم تتعلم الدرس أو لا تريد أن تتعلمه. فقد خرجت من معركة مناصب مجلس الشعب لتشن حملة إعلامية شرسة ضد جزء أصيل من الأغلبية ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين في إطار خطة تم وضعها بدقة، تقوم على سياسة فرق تسد بين فصائل التيار الإسلامي، من خلال توجيه الانتقادات والاتهامات للإخوان ومحاولة شيطنتهم أمام الرأي العام عبر الادعاء بأنهم باعوا الثورة وخانوا دماء الشهداء مقابل الحصول على السلطة. ووصل الأمر إلى الاعتداء على شباب الإخوان خلال الاحتفالات بذكرى الثورة في ميدان التحرير والدعاء عليهم في صلاة الغائب على الشهداء على كوبري قصر النيل يوم 28 يناير. والهدف من كل ذلك هو محاولة نزع الشرعية عن الأغلبية الجديدة وحينها سيكون من السهولة توجيه الضربات إلى الفصائل الأخرى في التيار الإسلامي خاصة السلفيين، ثم الانقضاض على السلطة. والسؤال: هل ينجحون؟ هذا ما سنراه في قادم الأيام. : نقلا عن صحيفة الشرق القطرية