قبل عصر مبارك كان هناك سيركان كبيران فى مصر هما «عاكف والحلو».. كانا يتنافسان على الزبائن ويجوبان كل محافظات مصر وموالدها ويجتهدان باستماتة لتقديم الجديد والإعلان عنه بطرق بسيطة مبتكرة تجتذب المريدين وتقضى على المنافسة.. وبعد ظهور مبارك ومن حوله أصبح هناك سيرك واحد كبير بحجم مصر كلها يجمع كل الألعاب والحيل ويضم الحواة من كل نوع ويحتكر التهريج بكل أنواعه ويرغم المتفرجين من عموم الشعب على المشاهدة والتصفيق بغض النظر عن رداءة العروض وفجاجة الأسلوب، تحولت مصر كلها إلى «مولد سيدى مبارك» وتحدثت «النِمَر» التى يقدمها لاعبوه لتواكب روح العصر فبدلاً من الكيروسين فى فم اللاعب الذى ينفث النار فى الهواء استخدم الغاز، وبدلاً من المدفع الذى يدفعه ذوو العضلات على قضيب صاعد بزاوية حادة ليفجر «بومبة» أصبحت الطائرات الخاصة تطاول عنان السماء فى مهام خاصة لآل مبارك لتهريب ممتلكاتهم أو الإشراف على ثرواتهم بالخارج أو قبض العمولات والأتعاب نظير بيع مصر واستمرار السيرك فى تقديم عروضه. بدلاً من الخيام التى كان السيرك التقليدى يستخدمها فى تنقلاته انتشرت القصور والفيلات والمنتجعات لكى تكون العروض الخاصة قاصرة على طبقة النبلاء الجدد فلا يختلطون بعامة الشعب الذين تقدم لهم عروض أخرى تليق بهم، وبعد أن كان «شجيع السيما» يفك نفسه فى لحظات من السلاسل التى يقيده بها المتفرجون فينال تصفيقهم وتشجيعهم تطورت القيود والأغلال لكى يصبح من المستحيل الفكاك منها وخصصت أماكن تخفى لسنوات وربما للأبد أى «شجيع» يجرؤ على تحدى صلابة القيود، وبعد أن كان التنشين على البمب المعلق ببندقية رش لا تصيب الهدف أبداً ومن ثم لا يحصل الزبون على العروسة الهدية أصبح هناك المطاطى والرصاص الحى وغاز الأعصاب يخترق الأعين والقلوب والأرجل فيصيب من يرتفع صوته اعتراضاً بعاهات مستديمة أو بشلل أو تقضى عليه حتى لا يستمر فى الإزعاج وكشف ألاعيب حواة السيرك أمام الناس فينفضوا من حوله.. أفرز سيرك مبارك على مدى أكثر من ثلاثين عاماً من الاحتكار أنماطاً مختلفة من خريجى السيرك ونجومه الذين مازالوا يملأون حياتنا خداعاً ونهباً منظماً ومؤامرات لحرق مصر. أفرز نظام مبارك حواة القوانين المستعدين دوماً لتفصيل أى قانون ليصبح على مقاس من يريد صاحب السيرك من توريث وتعيين فى الوظائف العامة بشروط خاصة وعقود تدعم ما يحتاجه أعداؤنا من ثروات مصر أو خراب للبيوت بقوانين أحوال شخصية مستوردة تخرج لسانها لكل قيم وثوابت مجتمع جميل يقدس الأسرة وتماسكها وترتيب العمولات وفتح الحسابات الخاصة التى لا يتصرف فيها سوى «المعلم الكبير» وأخيراً تصوير المجرم على أنه ضحية والبحث عن نصوص قانونية تنتزع من سياقها لكى تصور الجلاد على أنه شهيد وتطالب بحقه فى العودة إلى منصبه الذى طرد منه بإرادة شعبية ولم يعد سوى تحقيق رغبة مبارك التى أعلن عنها فى خطاب له قبل التنحى بأنه سوف يقاضى من أساءوا لسمعته وسمعة أسرته وادعوا أنهم قد هربوا أموالهم للخارج أو يخفونها فى مصر.. لا تستغربوا أن يرفع مبارك قضية تعويض على الشعب المصرى لما لحقه من إهانة وسب وقذف وتشكيك فى ذمته وذمة أسرته التى هى أنصع من الثلج لاسيما بعد أن أرجع محاميه نسبه للرسول صلى الله عليه وسلم وشبه شعب مصر بكفار مكة الذين آذوه وتلك قصة أخرى سوف أفرد لها مقالاً خاصاً أدعو فيه شعب مصر أن يرفع متضامناً دعوى سب وقذف ضد محامى الفساد ويطالب بمحاكمته فى نقابته لخروجه على القسم على نصرة المظلوم وقول الحق. أفرز نظام مبارك أراجوزات سياسيين يمثلون دور «شجيع السيما السياسى» بينما يتمسحون بأعتاب السلطة ويتذللون طلباً للرضا والمنح والعطايا يشترون الأحزاب مفروشة بأموالهم ويجمعون حولهم جماعات من المسجلين خطر أحزاب» يعملون لدى المعلم أو من يفوضه يحركهم عن بعد وينفذون رغباته وينكلون بأعدائه ويشكلون ميليشيات تبقى على شكل الأحزاب بمسمياتها المختلفة التى تخدع الناس بينما هى فى الحقيقة «بوتيكات» يملكها صاحب السيرك الكبير يبيع فيها بضاعته وإكسسواراته السياسية الفالصو على أنها حقيقية.. أحزاب لا تزيد على كونها فروع لحزب «السيرك الوطنى الديمقراطى» بلافتات وشعارات وألوان مختلفة تخدع الناس يرأسها بهلوان سياسى تحت يده ثروات طائلة قد لا يملكها شخصياً يغرى بالمناصب والأموال من يلتفون حوله ويستفيدون منه نظير حمايته وتملقه وعمل جلسات تدليك يومية لذاته ولكنهم فى النهاية يتحالفون جميعاً عليه لحماية مصالحهم الشخصية والدفاع عنها، مهرجون يجيدون التخفى ويغيرون ملابسهم وأقنعتهم مع كل نظام ويقنعون بدور مضحك الملك لمن يجلس على كرسى الحكم ويبيعون «أبوهم عند أول محطة أتوبيس»، كما يقول عنهم الناس تصويراً لبشاعة ما يفعلون، هؤلاء يصرخون أحياناً بادعاءات البطولة الزائفة ووقوفهم فى وجه الظلم ومحاربتهم للفساد وهم أنفسهم بؤر للفساد ينبغى استئصالها حتى لا ينتشر فسادهم فى جسم الأحزاب التى يرأسونها فيقضى على البقية الباقية منها.. نعم أفرز نظام مبارك انتهازيين يتنطعون على كل الموالد يجمعون الفتات من بقايا آبائهم الروحيين ويحصدون المزايا لأنفسهم ولأبنائهم من بعدهم وظائف وأراضى وفيلات سوف يستردها الشعب ليعودوا إلى الحضيض الذى أتوا منه وتجمع شملهم سجون تليق بهم قبل أن تجمعهم جهنم فى الآخرة بما ارتكبوه فى حق مصر وشعبها.