الشعوب دائماً تغني في أحداثها الوطنية، في ثوراتها وفي أعيادها. والشعب الفرنسي له نشيده القومي الذي لا يعرف أحد علي وجه اليقين بدايته.. فقد تم وضع هذا النشيد عام 1792 أي بعد 3 سنوات علي بدء الثورة الفرنسية.. وقد نظم كلماته روجيه دي ليل وكان أول من أنشده هو عمدة ستراسبورج ديتريش وسرعان ما انتشر النشيد بسرعة في المدينة ثم ذاع في باريس كلها في ابريل 1792 وتم نشره في اليوم التالي تحت عنوان نشيد الحرب للجيوش علي الحدود.. وهو النشيد المعروف باسم المارسيلييز ليصبح النشيد القومي لفرنسا. وهناك النشيد القومي البريطاني «ليحفظ الله الملك، والنشيد القومي الامريكي العلم زي النجوم المتلألئة الذي وضعه فرنسيس كي عام 1714 وللهند نشيدها القومي الذي وضعه شاعرها الكبير ولحنه رابندرانات تاجور عام 1911.. وهكذا لألمانيا نشيدها القومي ولايطاليا أيضاً «يا اخوة ايطاليا». ويروي الشاعر الاديب مصطفي عبدالرحمن قصص كل هذه الاناشيد في كتاب رائع عنوانه «أناشيد لها تاريخ» ويقف عند ما حدث لمصر ولأحمد عرابي خلال الثورة العرابية.. ها هو الشعب المصري يهتف «يا توفيق يا وش القملة مين قالك تعمل دي العملة» ثم يهتف من الاعماق: يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الانجليز ولكن تبلورت أغانينا الشعبية مع ثورة 19 فقد ردد الطلبة كلمات الشاعر زكي الطويل يا عم حمزة احنا التلامذة ما يهمناش في السجن بتنا واللا المحافظة واخدين ع العيش الحاف والنوم من غير لحاف مستعدين ناس وطنيين احنا التلامذة وينطلق الشعب المصري يغني وراء الشعراء مصطفي صادق وفكري أباظة وأحمد شوقي وبيرم التونسي. ويغني الشعب وراء سيد درويش يا عزيز عيني وأنا بدي أروح بلدي بلدي يا بلدي والسلطة خدت بلدي الي أن يستقر وجدان الشعب المصري وراء كلمات مصطفي كامل باشا التي حولها الشاعر يونس القاضي الي نشيد قومي يقول: بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي مصر يا أم البلاد انت غايتي والمراد وعلي كل العباد كم لنيلك من آيادي وهو النشيد الذي اعتقد البعض انه من وضع بديع خيري. ثم يضع مصطفي صادق الرافعي قصيدة اسلمي يا مصر فيهتز لها الوجدان المصري ويقول فيها: اسلمي يا مصر انني الفدا ذي يدي ان مدت الدنيا يداً أبداً لن تستكيني أبداً انني أرجو مع اليوم غدا ومعي قلبي وعزمي للجهاد ولقلبي انت بعد الله دين لك يا مصر السلامة وسلاماً يا بلادي ان رمي الدهر سهامه أتقيها بفؤادي واسلمي في كل حين وفي ذكري يوم 25 يناير شاهدت فيلمين. الاول للفنان نور الشريف والفنان عزت العلايلي هو بئر الخيانة وهو من أفلام الجاسوسية.. وفيلم «عسل اسود» للفنان المبدع أحمد حلمي.. واذا كان الفيلم الاول من أفلام الجاسوسية وصراعنا التاريخي مع العدو اسرائيل.. مثل مسلسل رأفت الهجان للمبدع محمود عبدالعزيز.. ومسلسل دموع في عيون وقحة للفنان القدير عادل إمام.. فإن فيلم «عسل اسود» يروي صراعنا مع أنفسنا. فهو يحكي حكاية شاب هاجرت أسرته الي أمريكا وعاد الابن ليزور مصر حاملاً جوازين الأول جوازه الاصلي المصري والثاني جوازه الامريكي.. وضاع الشاب يا عيني بين الهويتين. لقد ضاع جوازه الامريكي فذاق الامرين وتاه بين الهويتين.. ليعيش مأساة شاب بلا هوية.. وعاد الي شقة والديه القديمة في هذا الحي الشعبي ليعيش بجوار أسرة مصرية كانت تعيش بجوارهم.. «ويتمرمط» الشاب.. وبات مطحونا بين ما عاشه في أمريكا وما يراه الآن في مصر.. من روتين ورشوة ونقص في الخدمات. . وأخرج الفيلم أحشاء مصر. أخرج أسوأ ما فيها.. وأعظم ما فيها. كأنه أراد أن يقول لنا: تلك هي مصر علينا أن نقبلها كما هي.. وبين أحلام شباب يحلمون بأمريكا.. فيلهثون وراء حلمهم.. وواقع شاب عاش في أمريكا ولكنه عشق مصر، كما عشقها أجداده.. يقرر أحمد حلمي أن يعود الي مصر فقد وجد فيها ما يستحق أن يعيشه فيها.. وجاء الاسم معبراً غاية تعبير انها: عسل اسود!! شكراً أحمد حلمي.