بشغف شديد ينتظر المشاهد العربى الأعمال الفنية التى تتناول شخصيات تاريخية كان لها تأثير كبير وصورة ذهنية إيجابية، يريد معرفة كيف كانت تفكر وأبرز سماتها الشخصية وملامحها الإنسانية، لا خلاف أن العمل الفنى يسهم فى تدعيم الصورة الذهنية وربما نسفها تماماً خاصة إذا كان يقدم صورة مغايرة تماماً لما كان سائداً ومعروفاً، فى الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة» الذى يعرض الآن قام الكاتب وحيد حامد بتحريف وتشويه تاريخ الزعيم مصطفى النحاس باشا وقدمه بصورة لا تتماشى مع الواقع وبشكل لا يليق بشخص له دور تاريخى بارز فى الحياة السياسية ولا يمت للحقيقة بصلة، الأمر الذى أصاب الوفديين بغضب شديد واتهموا «حامد» بتعمد الإساءة لتاريخ الوفد العريق.. واقعة مسلسل «الجماعة» تكشف عن أمر مهم وهو أن العمل التاريخى قد يخرج للناس بشكل ملىء بالتشوهات والإملاءات وربما يخرج بشكل محايد بعيد عن الغرض. وكان سامى شرف، وزير شئون رئاسة الجمهورية فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قد اتهم مؤلف مسلسل «الجماعة» بالاستسهال وتعمد تشويه التاريخ، وقال بالحرف الواحد إن «مراجع وحيد حامد كدابة» هذه رؤيته للحلقات الأولى من مسلسل «الجماعة» التى رصد من خلالها الإساءة لعدد من رموز التاريخ فى مصر. حول إساءة الكاتب وحيد حامد للزعيم مصطفى الناس وشخصيات تاريخية مؤثرة التقينا بعدد من المبدعين لمعرفة آرائهم فى القضية. قال الفنان الكبير عزت العلايلى: أنا ضد تقديم الشخصيات التاريخية فى صورة ملاك، ومؤيد لتقديم الشخصية التاريخية فى صورة إنسان يخطئ ويصيب، أعلم جيداً أن الفن يؤثر فى الناس بشكل كبير والمتلقى يتعامل مع المسلسل أو الفيلم وكأنه مرجع تاريخى لذا أطالب كل الكُتاب الذين يقتربون من الرموز التاريخية بتحرى الدقة والموضوعية فى تقديم الشخصيات حتى تصل للناس بشكل وصورة صحيحة. وتابع عزت العلايلى: وإذا كنت أقول إننى مؤيد لتقديم الجانب السلبى والإيجابى فى العمل الفنى فأنا أرفض تماماً التجاوز فى حق أى رمز تاريخى أو فنى كبير، لأن الفن مؤثر والتاريخ يحتاج الدقة فى الرصد والموضوعية فى التنفيذ، وعلى أى كاتب أن يتجرد من ميوله وانتماءاته عندما يقرر الاقتراب من شخصية تاريخية لأن الأهواء عندما تحكم تخرج الأعمال الفنية مشوهة ولا تحمل أى مذاق وأحب الإشارة مرة أخرى إلى أننى أرفض التجاوز فى حق الشخصيات العظيمة. تحدث المخرج أحمد ماهر عن الإساءة إلى شخصية مصطفى النحاس فى مسلسل «الجماعة»، قائلاً: يجب معرفة أن هناك فرقاً بين تقديم عمل «مرحلى» وعمل آخر تاريخى.. إذا أردنا أن نقترب من مرحلة زمنية معينة فربما نقدم قصة حب دارت أحداثها فى الأربعينيات أو الستينيات ونقترب من ملامح وسمات هذه المرحلة الزمنية من خلال قصة الحب وهنا يكون للخيال مساحة كبيرة ولا تعارض فى ذلك.. لكن إذا أردنا تقديم عمل تاريخى فيجب الوقوف على مراجع تاريخية تحمل القدر الوافر من المصداقية ويكون الخيال مرفوضاً جملة وتفصيلاً، وقد يحمل العمل التاريخى وجهة نظر كاتبه ولا ضرر فى ذلك بشرط أن تكون المراجع التاريخية التى تم الاستناد إليها حقيقة وصادقة مائة فى المائة. وتابع أحمد ماهر، قائلاً: أنا ضد التحريف فى الأعمال التاريخية وهناك فرق كبير بين الفانتازيا والتاريخ، وأذكر أن هناك فيلماً أمريكياً بعنوان «ملاعين أشرار» قدم فيه الكاتب شخصية مرحلة النازية من خلال شخصية «هتلر» وبعكس كل الروايات التى أكدت انتحار «هتلر» فقد جعل «هتلر» يموت فى داخل سينما وهذا أمر مسموح به فى حالة تقديم فيلم خيالى أو فانتازيا ولكن مرفوض إذا أردنا عملاً تاريخياً، كما أننى ضد تشويه التاريخ والإساءة للرموز فالفن مؤثر جداً ومن الصعب أن تمحو الإساءة من عمل إبداعى. قال الكاتب والسيناريست الكبير بشير الديك «إذا أراد أى سيناريست تقديم عمل اجتماعى فهو ملك له ومن حقه أن يضيف وجهة نظره وانطباعاته أما إذا كان مهموماً ومشغولاً بعمل تاريخى فعليه الالتزام بمحددات معينة ولا يجوز الخروج عنها لأن الأمانة التاريخية واجبة على الكاتب الالتزام بالوقائع التاريخية بكل تفاصيلها وملامح الشخصيات بكل دقة. وتابع بشير الديك: إذا شاهد خمس شخصيات حادثة واحدة فسوف يروى كل شخص الحادثة من وجهة نظره بصورة مختلفة وغريبة، العمل الفنى يحمل وجهة نظر صاحبه هذا أكيد ولكن التاريخ أمر مختلف وأنا ضد أى كاتب يحاول أو يتعمد السخرية من أى شخصية تاريخية بهدف إسقاطها فى عيون الناس التى تحبها وترى أنها عظيمة، السخرية من الرموز والشخصيات العظيمة عيب ولا أحد يقبله. لذا أطالب أى شخص يقترب من التاريخ أن يكون محايداً وموضوعياً فى طرح الأحداث. نحن شعب يشاهد ولا يقرأ.. هذه المقولة للكاتب والسيناريست د. مدحت العدل فى مقدمة رأيه عن الحياد فى تناول الدراما سيرة الشخصيات الوطنية، رداً على ظهور «النحاس» باشا أحد أهم رموز حزب الوفد العريق، بشكل مهين فى مسلسل «الجماعة 2»، حيث أكد «العدل» من المنطقى فى تناول حياة وتاريخ الشخصيات المعروفة بوطنيتها واحترامها ويجمع عليها الكل بأنها شخصية مؤثرة فى التاريخ أن يعتمد الكاتب على أكثر من مؤرخ وأكثر من مصادر وأكثر من توجه ثم يحتكم الكاتب لضميره للوصول للراحة فى التناول.. وأضاف: للأسف الكلمة أو الجملة فى المشهد الدرامى مثل طلقة الرصاص إذا لم تصب تحدث دوشة، خاصة إذا كان العمل ضخم الإنتاج والشخصية التى شوهها من الشخصيات المؤثرة وكان لا يجب الاعتماد على مؤرخ واحد معروف «بتحيزه وتوجهاته» كل همه تشويه وتدمير تاريخ شخصية عظيمة مثل «النحاس» باشا، وهو كما رآه كل الكتاب «إخوانى الهوي»، وأضاف «العدل»: ليس من المنطق أن تنزل بتاريخ هذا القطب الوفدى الكبير وهو رجل معروف بوطنيته ومن أشهر مقولاته «إن الشعب والقانون أعلى سلطة فى الدولة» وأثارت هذه المقولة الملك «فاروق» نفسه. وأوضح «العدل»: عندما تناولت فى مسلسل «حارة اليهود» واقعة تحطيم حارة اليهود بناء على فتوى لحسن البنا بحثت ووجدت رأياً آخر يقول إن اليهود أنفسهم هم من حطموا وأحرقوا حارتهم لتبرير هجرتهم لإسرائيل لكن فى عمل «الجماعة 2» يظهر الإخوان على أنهم فوق كل الناس، شيء يزعل، وأنهم سبب ثورة يوليو وأن «عبدالناصر» كان إخوانياً كل هذه الآراء التى قد تشوه تاريخ القامات السياسية والزعماء لابد أن يتصدى لها كبار المؤرخين فى حملة منظمة من دارسى هذه المرحلة ويظهرون فى برامج «التوك شو» ويوضحون للناس حقيقة هذه المزاعم والافتراءات على القامات التاريخية والزعماء والمناضلين لأن الكلمة فى الدراما مؤثرة وصعب محوها إلا بحجة قوية، وتساءل «العدل»: لا أدرى ما سر هذا الجموح والافتراء على قاماتنا مثلما يفعله حمادة حسنى ويوسف زيدان الذى أفزعنا بتهمة لصلاح الدين، هل هى الشهرة وهوسها أم ماذا؟ سؤال طالب «العدل» بالإجابة عنه! المخرج الكبير على عبدالخالق يقول إن الدراما من الممكن أن تضخم بعض الشخصيات أو تقزمها خاصة فى بعض الوقائع التاريخية وعندما تكون واقعة واحدة وهذا حسب وجهة نظر مؤلف العمل وميوله مسألة ليس لها قانون يحكمها. وأضاف «عبدالخالق»: مما لا شك فيه أن «النحاس» باشا رجل وطنى ورجل دولة وموقف، والوفديون والشعب كله يعشقه وكان «فاروق» يرجع له فى كل الأزمات هو ووالده، والشعب يعتبره أفضل زعيم وفدى بعد سعد باشا زغلول. وقال «عبدالخالق»: وجهات النظر فى تناول الأعمال التاريخية أو الشخصيات التاريخية مختلفة وممكن أن يتناول أكثر من كاتب شخصية واحدة بوجهات نظر مختلفة، بدليل وجود أكثر من فيلم عن «المسيح» كل منها تناوله بطريقته. وفى أزمة «النحاس» المؤرخ الذى اعتمد عليه العمل أخذ التاريخ من وجهة نظره فهو يرى «النحاس» بهذا الشكل و«عبدالناصر» سفاح، فهو كلام محل خلاف وكان لابد أن يستند لأكثر من رأي لأنه من المستحيل أن يجمع الشعب على زعيم مثل «عبدالناصر» بكل ما قدمه للأمة مع بعض السلبيات أن يقول عنه سفاح ومستحيل أن يجتمع معظم الشعب على شخص «النحاس» باشا وتقزم دوره بهذا الشكل فهو زعيم. الناقد طارق الشناوى قال: فى الحقيقة ما قدمه مسلسل «الجماعة 2» للجمهور كان صادماً للغاية، لأن هناك ثوابت ومسلمات داخل التاريخ كثيرون يتعاملون معها كونها واقعاً، ومن ضمن هذه الثوابت «النحاس» باشا ووقوفه ضد الملك، ولذلك مشهد تقبيل «النحاس» باشا ليد الملك كان صادماً للجميع، وصادماً لى بشكل شخصى أيضاً ولم يتقبله أحد، لأنه يغير من مفاهيم التاريخ لدى كثيرين كما ذكرت. وأضاف «الشناوي»: لكن الأزمة هنا أننا نتعامل مع عمل فنى يخضع للتاريخ المعاصر الذى كثيراً ما تختلف فيه الحقائق، لأن كل مؤرخ لديه رواية وقناعات مختلفة، وهنا أعتقد أن الكاتب وحيد حامد قدم هذا بناء على معلومات وحقائق وقناعات يؤمن بها هو. وتابع «الشناوي» حديثه قائلاً: لا أتخيل أن الكاتب وحيد حامد يقصد تشويه أى من الرموز ولكنه يتعامل دائماً مع أعماله بمبدأ ضرورة تقديم الحقائق، مثلما شاهدنا خلال المسلسل أيضاً أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان فى الأساس ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، وهذا أيضاً رفضه كثيرون يعشقون الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ولذلك من وجهة نظرى إن ما حدث ليس بقصد التشويه أو تزييف الحقائق ولكن اختلاف وتعدد روايات وحكايات التاريخ المعاصر هى السبب الرئيسي. ومن جانبها أكدت الناقدة خيرية البشلاوى أن التاريخ كثيراً ما يكون مختلفاً فى الأعمال الدرامية عن ما نعرفه، وهذا لم يحدث مع مسلسل «الجماعة» لأول مرة، بل حدث سابقاً فى العديد من الأعمال الدرامية الأخرى، وقالت: دائماً نشاهد أكثر من رواية لأكثر من مؤرخ ينتمى لنفس «العصر» ولكن الرواية تختلف عن الأخري، حسب ما يعلمه المؤرخ وما شاهده وما مر عليه، هذا ما حدث أيضاً مع مسلسل «الجماعة»، فالكاتب هنا قدم الرواية حسب المعلومات التى يعلمها هو، وبالتأكيد حسب المجلدات التاريخية التى عاد إليها، لكنه من المستحيل أن يقدم حدثاً تاريخياً مزيفاً بقصد إهانة أو تشويه لأحد، وألا يكون ذهب لمنتقديه بإرادته. وأضافت «البشلاوي»: شاهدت هجوماً كثيراً من النقاد على مسلسل «الجماعة» الجزء الثاني، نظراً لبعض المعلومات الخاطئة من وجهة نظر البعض، ولكن هذا هو حال الدراما التى تروى جزءاً من التاريخ دائماً، فهى فى كثير من الأحوال تكون مختلفة عما نقرأه وما نعرفه، ولكن أيضاً من المؤكد أن الكاتب وحيد حامد لديه المجلدات والمؤرخون الذين حصل منهم على هذه المعلومات وأيضاً بناء على قناعته. وقالت الناقدة ماجدة موريس: اختلاف الأحداث المتناولة فى الدراما عن المعلومات التاريخية التى نقرأها فى الكتب أو المجلدات أمر طبيعى وليس بجديد، وبالمناسبة حدث ذلك مع معظم الأعمال التاريخية سواء فى السينما أو الدراما. وأضافت: لا شك أن ما شاهدناه فى الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة» فى كثير من المعلومات كان مفاجأة كبيرة، ولعل أبرزها انتماء الرئيس جمال عبدالناصر لحزب الإخوان فى بدايتهم، وكذلك أيضاً ما فعله «النحاس» باشا مع الملك، بالرغم أن الجميع يعلم عن تاريخ «النحاس» باشا الزعيم الوفدى أنه كثيراً ما كان يقف ضد الملك ويعارضه، ولكن روايات التاريخ دائماً تختلف من رواية لأخري، وهذا ما تعودنا عليه دائماً كما ذكرت. وتابعت «موريس» حديثها قائلة: لا أعتقد تماماً أن الكاتب وحيد حامد يقصد إهانة أو تشويه أى من الرموز، ولكنه من المؤكد لديه ما يؤكد الأحداث والوقائع التاريخية التى يتناولها العمل، ودائماً ما يكون التاريخ المعاصر مختلف ومتعدد الوقائع، وفى الحقيقة انتظر كثيراً ما سيقوله الكاتب وحيد حامد عن هذا الموضوع وعن الوقائع التاريخية الجديدة التى فاجأ بها الجميع فى أحداث العمل. السيناريست تامر حبيب قال: كل كاتب سيناريو أو مؤلف لديه مصدر لمعلوماته، خاصة إن كان يتناول أحداثاً ووقائع تاريخية سيحاسبه عليها الجميع والأزمة ليست فى المؤلفين والكُتاب، الأزمة الحقيقية أن كلاً منا يرى التاريخ حسب ما يقرأه وما يتعلمه وهنا هو مصدر الخلاف والتناقض. وأضاف: ليس من الضرورى إطلاقاً أن تكون جميع الأحداث متشابهة لأن روايات التاريخ جميعها مختلفة وليست متشابهة تماماً ولا أعتقد أن هناك كاتباً أو مؤلفاً سيكتب أحداثاً تاريخية واقعية من وحى خياله. عزت العلايلي: أرفض التجاوز بشير الديك: الأمانة التاريخية واجبة مدحت العدل: الاعتماد على مؤرخ متحيز جريمة على عبدالخالق: «النحاس» رجل وطني