حزين للغاية لتنحي الشيخ خالد عبد الله عن تقديم برنامج مصر الجديدة الذي ذاع صيته في أعقاب الثورة. استقالة خالد عبد الله أو توقفه عن الظهور بالبرنامج لأجل غير مسمى كما يحب أن يسميها هو جاءت إثر ضغوط مورست على الشيخ من الجميع وللأسف من بعض الإسلاميين. لقد سلك عبد الله طريق الأشواك، فهاجم البرادعي وانتقد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وفتح ملفات بعض الشباب المتمتعين بالحصانة الثورية، فدفع ضريبة السلامة من التلون الذي أصاب كثيرين من بعض المنتسبين للتيار الإسلامي. وبهذا اتحد الجميع لإسقاط خالد عبد الله، فالليبراليون كرهوه حبا للبرادعي فيما اختار بعض الإسلاميين سلقه بألسنة حداد، ظانين أنهم يحمون المشروع الإسلامي بمساندة الشيخ حازم على طول الخط. وهنا تبرز بعض الأسئلة.. لقد خرق خالد عبد الله الإجماع على من لا يزال حاكما محتملا فتعرض لكم خيالي من السباب والتصيد، فكيف إذا أصبح الشيخ حازم حاكما فعليا؟ وما مصير من سينتقده وقتئذ؟ مع يقيني بأن الشيخ حازم نفسه يرحب بالنقد مهما كان لاذعا. ومن ثمَّ، سعى البعض لتنحية خالد عبد الله في سبيل صناعة حاكم يتمتع بحصانة لم يتمتع بها عمر بن الخطاب نفسه، واستطاع هؤلاء تصيد موقف الشيخ خالد الشهير من واقعة الفتاة المسحولة للإجهاز على شعبيته وصرف الناس عنه رغم تأكدهم من هدفه الحسن الرامي لإبراز المعايير الليبرالية المزدوجة. أسلوب الشيخ خالد عبد الله "المنفر" هو المتهم دوما، لكن المدهش أن تكتشف أن كثيرين من مرددي هذه التهمة فتحوا صنابير السباب على الشيخ عقب واقعة الفتاة المسحولة وقد رأيت بعيني كيف وضع شباب إسلامي صورة للشيخ خالد على الفيسبوك وتحتها كلمة الديوث! ألا يسمى هذا تنفيرا؟ وبصراحة شديدة، لا أستطيع أن أخفي إعجابي بأسلوب الشيخ خالد "المنفر" كما يحبون أن يصفونه، فأنا لم يعطلني عن الاستقامة على طريق الله لسنوات سوى ذلكم التصنع الذي اقترن بصورة الشخص الملتزم بتعاليم الشرع. كان الالتزام شيئا مرعبا لي فأغلب من استقاموا من أصدقائي تحولوا جميعا إلى "نسخة واحدة": وجوه عابسة ورؤوس مطأطأة ومشية ذليلة تسببت في صرف شباب كثيرين وأنا منهم عن الاستقامة خوفا من هذا التحول الذي يشبه تحول المصاب بفقدان الذاكرة. لكن الإسلام لمن يتأمل لا يتسق مع هذا التصنع، فالمسلم التائب لا يحتاج إلى تبديل شخصيته لنيل رضا الله عز وجل ولن يستطيع مهما حاول، وهذا ما يبرزه القصص القرآني عن نبي الله موسى الذي قتل نفسا قبل النبوة ثم عاد نبيا يلقي الألواح ويأخذ بلحية أخيه يجره إليه. وهذا عمر بن الخطاب يعتنق الإسلام دون أن يتخلص من حدة طبعه وحزمه الذي اشتهر به. وطالما بادر عمر باستلال سيفه عازما على ضرب عنق المعتدي دون أن يزجره النبي صلى الله عليه وسلم وإن حال بينه وبين ما يريد. ويضحك النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وهو يصف النساء الجالسات عند النبي بعدوات أنفسهن، وترى الشفاء بنت عبد الله فتيانا يقصدون في المشي ويتكلمون رويدا فتقول ما هذا؟ فيقال: نُسَّاك، فتقول: كان والله عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وهو الناسك حقا. صفوا عبد الله بن عمر بالمنفر إن استطعتم فقد قال له أحدهم أحبك في الله فقال له ولكني أبغضك في الله! قال: ولمَ؟ قال: لأنك تلحن في أذانك، و تأخذ عليه أجرا! صفوا أبا بكر بالمنفر إن استطعتم إذ قال لكافر امصص بظر اللات. صفوا ابن عباس بالمنفر لأنه وصف ابن الزبير بالجلف الجاهل، فربما افتقر كل هؤلاء إلى الحكمة والسياسة التي تجيدونها! سامحوني فمحسوبكم منفر!