وقف الأمير سيف الدين صرغتمش الناصري (حامل مرآة السلطان) علي باب الملك ناصر الدين محمد بن قلاوون تاسع سلاطين الدولة المملوكية البحرية والمشهور بمحاربته للفساد الذي طال مسجد ومدرسة أحد مماليكه بسبب الإهمال ومياه الصرف الصحي التي تهدد صرحاً كبيراً من صروح العلم والدعوة الإسلامية والمشيدة في سنة 757هجرية! الغريب أنّ مصر قد شهدت خلال فترة حكم السلطان قلاوون نهضة حضارية وعمرانية لم تشهدها في عصر أي سلطان آخر.. الأمير صرغتمش طلب مقابلة هذا السلطان ليشكوي إليه ما أصابه من خراب ودمار لمسجده ومدرسته التي أسسهما للدعوة الإسلامية وتدريس الحديث والفقه علي المذهب الحنفي والتي استمر فيهما التدريس والدعوة طوال القرنين الثامن والتاسع الهجري، الأمير صرغتمش بكي أمام السلطان قلاوون علي ضياع جهد وعرق السنين في بناء هذا الصرح الدعوي والعلمي في ذلك الوقت والذي أهمله أبناء مصر المسئولون عن حماية التراث والتاريخ الإسلامي في القرن الحالي وقام برعاية هذا الخراب والدمار الذي طال مسجد ومدرسة صرغتمش التي اختفت من الوجود. ترك خالد العنانى وزير الآثار مسجد ومدرسة الأمير صرغتمش ضحيّة لإهمال قطاع الآثار الإسلامية المغلوب علي أمره نتيجة عدم وجود إمكانات مالية رغم توافر خبراء الترميم المعماري والدقيق داخل هذا القطاع الهام! وصبّ الوزير كل اهتماماته بالآثار المصرية القديمة! ويبدو أنّ الدكتور خالد العناني وزير الآثار لم تصل إليه أوامر الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة الاهتمام بالمساجد الأثرية وتحويلها إلي منبر دعوي وسطي في إطار منظومة تجديد الخطاب الديني لمواجهة الإرهاب الذي أكل الأخضر واليابس، ولم يستغل الوزير المساجد الأثرية الإسلامية بالتعاون مع وزارة الأوقاف لتكون بمثابة مراكز دعوية وسطية لمحاربة الفكر المتشدد خاصة وأنّ مسجد ومدرسة صرغمتش أحد هذه المراكز الدعوية التي تقع وسط القاهرة بشارع الصليبة بحي السيدة زينب بالقاهرة والتي جهّزها الأمير سيف الدين صرغتمش الناصري لهذا الغرض مازالت شاهدة وموجودة حيث يقام في المسجد الذي يحمل اسم الأمير المملوكي الصلوات الخمس وهناك أماكن مخصصة للدعوة داخل المدرسة المملوكية التي اختفت بفعل فاعل في عهد وزراء الآثار الحالي والسابقين! هذه المدرسة تتكون من أربعة إيوانات يتوسطها صحن مكشوف، تتوسطه فسقية ذات قبة خشبية محمولة علي ثمانية اعمدة رخامية. أكبر هذه الإيوانات إيوان القبلة تتصدره القبلة التي تزينها أشرطه رخامية ملونة ولها طاقية منقوشة وبجوارها المنبر، ويلاحظ أن المحراب تغطيه قبة، وبذلك تكون أقدم قبة قاهرية تقوم على محراب. توجد حول صحن المسجد أبواب الخلاوي وهي مكسوة بالرخام الأبيض والأسود، وفي الركن الجنوبي الغربي للإيوان الغربي باب القبة. الواجهة الرئيسية للمسجد هي الشمالية الغربية والقبة في طرفها الغربي، وكذلك المئذنة والمدخل الرئيس، وهو حافل بالمقرنصات والزخارف النباتية. مئذنة المسجد حجرية رشيقة على الطراز القاهري المملوكي البديع، وارتفاعها عن سطح الأرض أربعون متراً، وعن سطح المسجد 24.60 متر، وتتكون من ثلاث طبقات، الأوليان مثمنتان، والثالثة تتكون من أعمدة رخامية تحمل مقرنصات لطيفة فوقها خوذة منقوشة. وفي الركن الغربي تقع قبة الدفن.. والسؤال الأخير لوزير الآثار: متي تنظر نظرة حقيقية لهذه الكنوز التاريخية التي يمكن استغلالها لمحاربة الفكر المتطرف؟ وهل تصل رسالة حامل مرآة السلطان الي من يهمه الأمر؟ .. إنها مظلمة يرفعها الأمير «صرغتمش» إلى شريف إسماعيل رئيس وزراء مصر.