د. مختار الكسبانى: مسجد صرغمتش بنى فوق مقابر فرعونية
د. السعيد حلمى: بنى على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد
عند زيارة مسجد ومدرسة «الأمير صرغتمش الناصرى صرغتمش» المملوكى، الذى يقع فى شارع الصليبة بحى السيدة زينب بالقاهرة.. بجوار مسجد أحمد بن طولون مباشرة، ترى القمامة حولك من جميع الجهات، أما عند دخولك فستجد الأثر نفسه مفتقدا للرعاية والترميم والإصلاح، وهذه هى حال الكثير من الأبنية الأثرية لدينا فى مصر والتى تعانى من إهمال جسيم. مسجد ومدرسة صرغتمش، قام بإنشائها الأمير سيف الدين صرغتمش سنة 757 ه، وبناء مدرسة ملحقة به خصصها لتدريس الحديث، والفقه الحنفى، وكانت معقلاً مزدهراً للفقهاء الحنفية فى القرنين الثامن والتاسع. يقول د. السعيد حلمى رئيس قطاع متاحف الآثار الإسلامية: بنى هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، فهو يتكون من صحن مكشوف تشرف عليه أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة الذى يشتمل على ثلاثة أقسام، القسم الأوسط منها تغطيه قبة مرتفعة ويوجد بأركانها مقرنصات خشبية أنشئت فى سنة 1940م محل القبة القديمة التى هدمت أواخر القرن التاسع عشر. ووجود قبة أعلى المحراب ظاهرة معمارية شاهدناها فى كثير من الجوامع الأخرى وإن لم نشاهدها فى المساجد المشيدة على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. وتلك القبة تعتبر ميزة انفرد بها دون غيره من المساجد السابقة واللاحقة. يوجد بصدر هذا الإيوان - كما يقول د.السعيد حلمى - محراب من الرخام الملون وسط وزرة ، وأهم ما يلفت الانتباه لها، مرتبتان من الرخام الأبيض، حفرت بكل منهما زخارف بارزة على شكل صرة فى الوسط، وأربعة أركان وطرازان فى أعلى وأسفل المرتبة، مكتوب فيها اسم المنشئ، متشابهة فى ذلك مع الكسوة النحاسية لضلف أبواب بعض المساجد المملوكية. وأضاف: توجد حول صحن المسجد أبواب الخلاوى، وهى مكسوة بالرخام الأبيض والأسود، وفى الركن الجنوبى الغربى للإيوان الغربى باب القبة. والواجهة الرئيسية للمسجد هى الشمالية الغربية.
القباب السمرقندية كما توجد القبة فى الطرف الغربى من المسجد، وكذلك المئذنة والمدخل الرئيسى الحافل بالمقرنصات والزخارف النباتية. وقد بنيت القبة على غرار القباب السمرقندية، فهى بصليّة مطوّلة ذات رقبة طويلة وبنيت من الطوب وتتكون من قبة خارجية وأخرى داخلية. وتشتمل هذه الواجهة على المدخل، وهو عبارة عن جدار غائر يتوّجه عقد، وقد سقف بنصف قبة فى أسفلها مقرنصات ذات دلايات. ويشبه هذا المدخل مدخل المدرسة الطشتمرية (بنيت عام 782 ه / 1381 م) فى مدينة القدس. وتقع على يسار المدخل مئذنة رشيقة بارتفاع 40 م بنيت من الحجر. وتتكون هذه المئذنة من ثلاثة طوابق تتوّجها قمة منقوشة. وتزخرف الطابق الثانى المثمن كسوة من الحجر الأحمر والأبيض تحتوى على زخارف هندسية، تتكون من خطوط متعرجة تأخذ شكل سلسلة متصلة.. وقد امتازت مآذن هذه الفترة باستخدام هذا الأسلوب الزخرفى الذى نجده مثلاً فى مئذنة كل من جامع وخانقاه الأمير شيخو الواقعين بالقرب من هذا المبنى.
مئذنة المسجد أما مئذنة المسجد فحجرية رشيقة على الطراز القاهرى المملوكى البديع، وارتفاعها على سطح الأرض أربعون متراً، وعلى سطح المسجد 24.60 متر، وتتكون من ثلاث طبقات، الأوليان مثمنتان، والثالثة تتكون من أعمدة رخامية تحمل مقرنصات لطيفة فوقها خوذة منقوشة.. كما نجد أحجار، جاءت من المعابد لاستخدامها فى أعتاب مدخل المسجد وهى من الجرانيت الضخم والخراطيش الفرعونية. وفى الركن الغربى تقع قبة الدفن المدفون بداخلها الأمير صرغتمش.
المدارس المتعامدة ويتبع تصميم المبنى تخطيط المدارس المتعامدة أو ذات المسقط الأفقى صليبى الشكل، إذ يتكون المسقط الأفقى للمبنى من 4 إيوانات منظمة حول صحن مكشوف تتوسطه فسقية. ويشتمل إيوان القبلة (الإيوان الجنوبى الشرقي) على عناصر معمارية وزخرفية مميزة. هناك قبة ذات رقبة طويلة تغطى الجزء الأوسط من الإيوان. وهى تشبه تلك التى تغطى الضريح، لكنها أقل منها ارتفاعاً، وكانت أقدم قبة مقامة فوق محراب مدرسة فى مصر. وقد هدمت وأعيد بناؤها عام 1940 م طبقاً لشكلها الأصلى القديم. ويوجد على الحوائط الواقعة على جانبى المحراب بقايا إزار (وزرة) مكون من ألواح رخامية تحتوى على رنك الأمير صرغتمش وألقابه، كما يوجد لوح آخر يحتوى على زخارف مورقة وعناقيد وأوراق عنب.. وقد نقل إلى متحف الفن الإسلامى فى القاهرة تسعة ألواح من أزر حوائط إيوان القبلة. وتظهر فى المبنى تأثيرات فارسية واضحة، تتمثل فى أشكال القباب، إضافة إلى اهتمام المنشئ بالفرس وإكرامهم، مما يحمل على الظن أن مهندس المبنى كان فارسياً.
مقابر فرعونية ويقول د. مختار الكسبانى عالم الآثار الإسلامية وأستاذ بكلية الآثار- جامعة القاهرة : بنى المسجد فوق مقابر فرعونية بمنطقة كانت تلاً جبلياً كبيراً له تاريخ قديم، كما نجد مقبرة فى مسجد ابن طولون تعود للعصر الفرعونى تم عمل بها صهريج للمياه، وهناك منطقة شارع قدرى أمامها. وفى 1909 عندما كانت محافظة القاهرة تقوم بأعمال حفر وجدوا تابوتا فرعونيا عليه كتابات فرعونية واعتقدوا أنها تعويذات سحر، وهو الآن يوجد فى الولاياتالمتحدةالأمريكية .. وهذه المنطقة كان يغمرها فيضان النيل.. وأثناء حفر أساسات المسجد عثروا على تماثيل ضخمة للكباش التى شيدها الصالح أيوب وهى عبارة عن تماثيل للإلة آمون. ويقول د. ماجد الراهب، رئيس جمعية المحافظة على التراث المصرى.. إنه يوجد بجوار مسجد صرغتمش مركز لحفظ مقتنيات دار الآثار العربية المصورة.. وكانت هناك بعض المستندات والوثائق التى سجلت تاريخ تلك المناطق، وتعتبر أرشيفا مهما، وتم نقل الكثير منها لمركز القلعة حالياً ومازال موجوداً.. وهناك واجهة من الخارج لشباك خارجى من المسجد حفر اسمها على صخرة تطل على جبل يشكر، وقد حدثت به شروخ بسبب حركة السيارات تبين من خلالها وجود تجويف أرضى أسفل هذا الركن، وهو ما يؤكد وجود مقابر فرعونية ورومانية قديمة.