البرلمان أخطأ فى إصدار قانون السلطة القضائية الأنباء عن علاقة قاضى «تيران وصنافير» بالقانون أمر خطير جداً التشريع الجديد يؤسس لدولة الفرد.. والمحكمة الدستورية ستسقطه لا يجرؤ أكثر الناس جحوداً أن ينكر على المستشار محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة الأسبق- وطنيته وإخلاصه لمصر.. ولا يستطيع كائن من كان أن ينزع عن الرجل خبرته القضائية والقانونية الطويلة، بعد عقود طويلة قضاها فى محراب القضاء، وصل خلالها إلى أحد المناصب القضائية الرفيعة، وهو رئاسة مجلس الدولة.. ولهذا كله توجهت إليه لأسأله عن أخطر قضية على الساحة المصرية حالياً، وهى قانون السلطة القضائية الجديد، وهو القانون الذى فجر فتناً كقطع الليل المظلم منذ مولده قبل أيام قليله. فى أحد النوادى الشهيرة بالقاهرة كان اللقاء.. وجدت الرجل حزيناً على غير عادته، وغضبان أسفا على ما جرى فى الأيام الماضية، ومشفقاً على ما يمكن أن يحدث فى الأيام القادمة. بكلمات محددة حادة، انتقد المستشار الجمل كل من شارك فى إصدار قانون السلطة القضائية الجديدة.. وحذر من مذبحة قضائية لن تقل ضراوة عن مذبحة القضاء فى عهد الرئيس عبد الناصر، ومؤكداً أن القانون الجديد غير دستورى ويمثل اعتداء على السلطة القضاء وتغولاً للسلطة التنفيذية على القضاء.. وقال بشكل قاطع: «لو أن هناك علاقة بين قاضى تيران وصنافير وبين صدور هذا القانون سنكون أمام كارثة خطيرة» فى البداية سألته: هل كنا فى حاجة لإصدار تعديلات جديدة على قانون جديد للسلطة القضائية؟ - فى النقطة الخاصة بتعيين رؤساء الهيئات القضائية لم نكن أبداً فى حاجة لتعديلها. لماذا؟ - لأن الوضع القائم مستقر ويستند إلى مبدأ أساسى دستورى، وهو أن السلطة القضائية مستقلة، وبالتالى فإن التعيينات والترقيات، داخلها تتم بقرارات من خلال هيئات السلطة القضائية ذاتها. ولكن المواد التى تم تعديلها تتعلق بقوانين صادرة من الخمسينات والستينات والسبعينات.. على سبيل التحديد تعديل بعض أحكام قانون هيئة النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958، وقانون هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963، وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، وقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972.. والواضح أن كل تلك القوانين قديمة وصدرت منذ عقود طويلة. - قدم القوانين لا يحتم تغييرها، طالما أنها تنظم أحوالاً وتصرفات متعددة، وتحقق الغرض منها وتحقق المصلحة القومية العليا.. وهذا كان متحققاً فى قوانين السلطة القضائية. إذا كان الأمر لا يستدعى التعديل.. فلماذا إذن تم تعديل بعض أحكام قوانين السلطة القضائية؟ - الدوافع الحقيقية لهذه التعديلات لا أستطيع استنتاجها.. ولكن ما أستطيع أن أقوله وأؤكده هو أن مشروع القانون الذى قدمه أحد نواب البرلمان تم إصداره بشكل سريع وغير طبيعى. هل تقصد أن القانون صدر بشكل غير طبيعى؟ - طبعاً.. أعود للسؤال.. وبرأيك لماذا صدر بشكل غير طبيعى؟ - هناك كلام يقال عن وجود علاقة بين صدور هذا القانون وما حدث فى القضاء الإدارى والمحكمة الإدارية العليا بشأن تيران وصنافير. وما العلاقة بين الأمرين؟ - قانوناً.. اتفاقية تيران وصنافير من أعمال السيادة، ولا تخضع لرقابة القضاء، ولكن ما حدث هو أن القضاء الإدارى تصدى لهذه الاتفاقية وأصدر حكماً بشأنها، وأيضاً المحكمة الإدارية العليا فعلت نفس الشيء.. وهكذا تدخل القضاء فى عمل ليس داخلاً فى ولايته ولا فى اختصاصه.. ويقال إن هذا الأمر كان وراء تقديم مشروع قانون السلطة القضائية الأخير، خاصة أن المستشار الذى أصدر الحكم فى الإدارية العليا بشأن تيران وصنافير هو الأقدم بين نواب رئيس مجلس الدولة والمرشح لتولى رئاسة مجلس الدولة خلال هذا العام.. ويقال إن الحكومة من خلال النائب الذى قدم هذا القانون لا تريد أن يصبح من أصدر حكماً مخالفاً للدستور وليس خاضعاً لولاية القضاء رئيساً لمجلس الدولة. وهل تعتقد أن يكون هذا هو السب فعلاً فى تعديل قانون السلطة القضائية؟ - هو كلام محل شك ولكنه يتردد.. ورغم أننى أرى أن الحكم القضائى الصادر بشأن تيران وصنافير هو حكم باطل ومخالف للدستور، ولكن أن يتم تعديل القانون ووضع قانون جديد لمنع تعيين النائب الأقدم فى مجلس الدولة رئيساً لمجلس الدولة، فهذا كلام خطير ويؤدى إلى الاعتداء على استقلال السلطة القضائية.. وعموماً صدور هذا القانون خطأ جسيم. ومن الذى أخطأ؟ - المخطئ الأكبر هو مجلس النواب، لأنه أصدر قانوناً غير دستورى أساساً. ولكن أليس البرلمان هو السلطة المخولة بالتشريع فى مصر، وبالتالى فمن حقه أن يصدر من التشريعات ما يراه فى مصلحة البلاد؟ - نعم من حقه أن يصدر تشريعات ولكن عليه أن يلتزم بالدستور والقوانين فيما يصدر من تشريعات جديدة.. أما لو أصدر تشريعاً مخالفاً للدستور فيكون هذا التشريع باطلاً.. ثم أن إصدار أى قانون يتعلق بالسلطة القضائية كان يتطلب عقد جلسات استماع ومناقشة تشارك فيها الهيئات القضائية المختلفة لهذا القانون. ولكن مشروع القانون تم بالفعل عرضه على مجلس الدولة؟ - ورفضه مجلس الدولة. إذن قولاً واحداً.. أنت تعتبر قانون السلطة القضائية الجديد غير دستورى؟ - بالتأكيد.. لأن القوانين المنظمة للسلطة القضائية، حددت طريقة التعيين والترقية وتولى المناصب القيادية فى الهيئات القضائية، وجعلت ذلك كله فى يد السلطة القضائية ذاتها، وكان دور رئيس الجمهورية، هو أن يصدق على ما تنتهى إليه الجمعيات العمومية للهيئات القضائية، وهذا أمر ثابت وراسخ ويستند للدستور والقانون، أما القانون الجديد، فنقل حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية فى يد رئيس الدولة. ولكن كل هيئة قضائية هى التى تحدد الأسماء التى سيختار رئيس الدولة واحداً منها ليتولى رئاستها؟ - ولو.. ففى هذه الحالة انتقلت سلطة التعيين والترقية فى السلطة القضائية من السلطة القضائية إلى السلطة التنفيذية من خلال رئيس الجمهورية. وهل هذا إقحام لرئيس الدولة فى شئون القضاء؟ - طبعاً.. بلا أدنى شك.. وبهذا الشكل تتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وهذا يخالف كل الأعراف والتقاليد التى رسخت منذ أن ظهرت السلطة القضائية والسلطة التنفيذية. وما التداعيات التى تتوقعها للقانون السلطة القضائية الجديد؟ - طبعاً ستتدخل السلطة التنفيذية فى تعيين رؤساء الهيئات القضائية، وهذا سيفتح الباب لتدخل السلطة التنفيذية فى تعيينات وترقيات الهيئات القضائية. ولكن هل تعيين رؤساء الهيئات القضائية أمر إدارى أم أمر قانونى؟ - أمر قانونى وإدارى فى نفس الوقت.. وهو محدد فى قوانين السلطة القضائية وقوانين الهيئات الفضائية المختلفة، وكل تلك القوانين جعلته من حق الهيئات القضائية وجمعياتها العمومية فقط، حتى التعيينات فى الهيئات القضائية يتم بقرار من داخل الهيئات القضائية ذاتها، والقانون الجديد يسلب السلطة القضائية اختصاصها، ويمنح السلطة التنفيذية حق تعيين رؤساء الهيئات القضائية. وهل هذا الأمر سيؤثر على استقلال القضاء؟ - طبعاً.. عندما تتدخل فى الترقية وتعيين رؤساء الهيئات القضائية سيكون مصيرك بيد السلطة التنفيذية التى يمثلها رئيس الجمهورية. وهل كانت السلطة القضائية مستقلة بشكل حقيقى عن السلطة التنفيذية خلال السنوات الماضية؟ - نعم.. بدليل أنهم عملوا هذا القانون لتغيير الوضع الذى كان قائماً.. وأؤكد أن هذا القانون هو الحد الفاصل بين استقلال القضاء وبين تبعيته للسلطة التنفيذية، ولا يستطيع كائن من كان أن يزعم أن هذا القانون دستورى، لأنه لو فعل ذلك يكون مغالطاً للحقيقة. وبحكم خبرتك الطويلة بالقضاء.. كيف ترى رد الفعل المتوقع من الهيئات القضائية المختلفة على هذا القانون؟ - أتوقع أن تبحث الجمعيات العمومية للهيئات القضائية إجراءات التصدى لهذا القانون وعلى رأسها الطعن أمام المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذا القانون. وإذا تمت إحالة الأمر للمحكمة الدستورية فماذا سيكون قرارها؟ - أعتقد أنها ستقضى بعدم دستوريته لأن عوار القانون واضح جداً. ولكن جميع القضايا التى تنظرها المحكمة الدستورية تأخذ وقتاً غير قليل قبل البت فيها بحكم طبيعة عمل المحكمة الدستورية.. ومعنى هذا أنه على القضاة أن يلتزموا بهذا القانون لحين صدور القول الفصل من المحكمة الدستورية. - لا.. هناك سلسلة من الإجراءات يمكن اتخاذها لإعلان رفضهم لهذا القانون غير الدستورى تتمثل فى وقف الجلسات لوقت معين، ويمكنهم أيضاً إصدار بيان للرأى العام يؤكدون فيه أن هذا القانون غير دستورى ولابد من تعديله.. وهكذا. وهل يمكن الطعن على قرار رئيس الجمهورية بالتصديق على القانون أمام القضاء الإدارى؟ - لا.. لأن التصديق على القانون ليس عملاً إدارياً ولكنه من أعمال السيادة ولكن يجوز الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية، لأنه صار قانوناً رغم مخالفته للدستور. وهل يمكن أن ترفض الهيئات القضائية تنفيذ القانون؟ - الواضح حتى الآن أنهم سيلتزمون به لحين إسقاطه بالقانون من خلال الطعن عليه بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية. ولكن بعض الهيئات القضائية ألمحت أنها ستلتزم بالقانون، منها هيئة النيابة الإدارية مثلاً؟ - وارد جداً أن يكون هناك خلاف فى الرأى بين الهيئات القضائية بشأن هذا القانون، ولكن أعتقد أن الموافقين على هذا القانون من الهيئات القضائية سيكونون أقلية، فالأغلبية سترفضه بالتأكيد. هل القانون ينذر بمذبحة قضائية جديدة؟ - بالفعل نحن على أبواب مذبحة قضائية.. والقانون يمثل مذبحة، لأن يسحب من السلطة القضائية حق اختيار رؤساء هيئاتها، والترقية. وهل تتوقع أن تكون تلك المذبحة فى ضراوة مذبحة القضاة فى زمن عبدالناصر؟ - الرئيس عبدالناصر أجرى عملية تطهير وتغيير شاملة فى القضاء، ولكن القانون الجديد تدخل خطير فى شئون السلطة القضائية، وسيسبب مذبحة لن تقل عما جرى فى عهد الرئيس عبدالناصر، ولو كان سبب صدور هذا القانون هو ما يتعلق بحكم تيران وصنافير، كما يتردد، سيكون الأمر أكثر خطورة، لأن معناه أنه عندما يصدر حكم قضائى لا يعجب الحكومة، فإنها تعدل القانون وتسيطر على التعيينات والترقيات وتمنع تواجد القضاة المستشارين فى مواقعهم لأسباب تتعلق بعملهم. استوقفنى فى حكاية القانون أن رئيس الجمهورية وقع عليه فى وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، فى وقت كان فيه رئيس الجمهورية يشارك فى مؤتمر للشباب، ونشرت الجريدة الرسمية القانون فى ذات اليوم.. فهل هناك وقت محدد لتصديق الرئيس على التشريعات التى يصدرها؟ - ليس هناك وقت محدد لذلك.. وهل كنت تتوقع أن يصدق رئيس الجمهورية على هذا القانون بهذه السرعة؟ - لا لماذا؟ - لأن الرئيس يقول إنه يحترم الدستور والقانون ومنذ أن تولى رئاسة البلاد وهو يؤكد أنه يحترم القضاة والسلطة القضائية.. فكيف إذن يوافق على هذا القانون؟!. هل تعتبر أن الموافقة على هذا القانون بمثابة عدم احترام للقضاة؟ - آه.. طبعاً.. الموافقة على هذا القانون يعبر عن عدم احترام للقضاة وعدم احترام للسلطة القضائية واستقلالها، ومخالفة صريحة للدستور. الأقدمية مبدأ راسخ فى القضاء فهل يجوز أن يتجاوزه الرئيس عندما يختار رئيس أى هيئة قضائية من بين الأسماء المعروضة عليه؟ - لا يجوز.. مبدأ الأقدمية فى القضاء راسخ ولا يجوز تجاوزه، وأى قرار يحمل تجاوزاً للأقدمية فى القضاء يكون غير دستورى وغير قانوني. وبصراحة.. هل هذا القانون بلا أية مزايا؟ - ليس فيه مزايا لأى أحد. هل يرسخ لدولة المؤسسات؟ - لا طبعاً.. يؤسس لدولة الفرد ولسيطرة رئيس السلطة القضائية على السلطة القضائية والتشريعية وهذا كلام خطير لم أكن أتوقع حدوثه وأشعر بالأسف لما حدث فى هذا لشأن. وهل هناك مخرج من هذه الأزمة؟ - كان المخرج هو أن يعيد رئيس الجمهورية القانون إلى مجلس النواب مرة أخرى خاصة فى ظل العيب الواضح جداً فى القانون وهو عدم الدستورية.. كان يجب على الرئيس ألا يصدق على القانون وأن يعيده للبرلمان لتعديله وتصحيحه، وإشراك الهيئات القضائية فى وضعه. ولكن بعد ما جرى أليس هناك مخرج آخر من هذه الأزمة؟ - لم يعد هناك سوى الطعن على القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، وإعلان الجمعيات العمومية للهيئات القضائية رفضها لهذا القانون الباطل المخالف للدستور، الذى أعتبره هو والعدم سواء.