«موت الأدب»، «موت الرواية»، «موت المؤلف»، «موت الناقد» وأخيرًا «موت القارئ»؛ صيحات تتصاعد من وقت لآخر وتجتذب نقاشات حادة وتثير جدلًا قد يطول أو يقصر، فيبدو الأمر كأن هناك فئات مولعة بإعلان موت الأشياء، أو كما قالت الكاتبة روكسان جاى قبلًا إن الرجال البيض يحبون إعلان نهاية الأشياء حين يتوقفون عن الإبداع فيها. صحيح أنها ذكرت هذا ردًا على الروائى البريطانى ويل سيلف حين أعلن قبل سنوات موت الرواية مؤكدا أنها فى حالة سقوط حر ومحكوم عليها بأن تصبح هامشية، مثلها مثل الرسم باستخدام حامل اللوحات والسيمفونيات الكلاسيكية، لكن كلماتها هى أول يخطر ببالى كلما قرأت كلامًا مشابهًا لرأى سيلف، الذى قوبل وقتها بعاصفة من الهجوم والانتقادات من قبيل أن أعماله غير قابلة للقراءة وأنه لا يتابع ما يُنشَر من روايات، وحتى عندما دافع البعض عنه بقول إنه لم يقلل من جودة الروايات المعاصرة بقدر ما أشار إلى ضعف التلقى والمقروئية والتأثير الثقافى، لم يمتص هذا غضب المعترضين ولم يقنعهم فى ظل إيمانهم بالإقبال الهائل على كتابة الروايات وقراءتها فى كل الثقافات تقريبًا واهتمام الناشرين حول العالم بنشرها أكثر من اهتمامهم بأى جنس أدبى آخر. فى حالة ويل سيلف، وجدت الرواية من يدافع عنها، لكن لم ينتبه معظم المنتفضين للتدليل على مركزية فن الرواية فى مشهدَى النشر والأدب، إلى أن رأيه يضمر بداخله إعلان موت القراءة لأن من ضمن ما صرح به وقتذاك أنه من المستحيل التفكير فى رواية كانت حديث الناس فى بريطانيا منذ Trainspotting ؛ وهى رواية لإرفين ويلش صدرت طبعتها الأولى فى 1993. وغنى عن القول هنا، إنه لا يقصد فقط أن تنال رواية ما مقروئية كبيرة، لكن أن تصبح مثار نقاشات وتحظى بتأثير كبير داخل دوائر المجتمع المختلفة. واللافت هنا أن إعلان موت القراءة أو على الأقل تدهور معدلاتها هو الأمر الوحيد الذى يُقابَل بهدوء أو ربما بالتأكيد على صحته عبر براهين وأسباب لا تنتهى بداية من سطوة السوشل ميديا وليس انتهاءً بإدمان الألعاب والوسائط الإلكترونية المستحدثة، حتى مَن ردوا على سيلف بأن مقروئية الروايات كبيرة، قد نجدهم فى سياق آخر يتحسرون على ما يتهدد عادة القراءة من أخطار فى عالم اليوم المتمحور أكثر حول الشاشات بما تحتويه من تطبيقات ومغريات وحول الذكاء الاصطناعى فى ظل لجوء البعض له كى يلخص لهم الكتب والأبحاث فى نقاط موجزة بدلًا من الاستغراق فى قراءتها. بالعودة إلى ظاهرة الولع بإعلان موت الأشياء، أستعيد مقولة روكسان جاى، وأردد فى سري: ربما على الرجال البيض، وغير البيض على حد سواء، أن ينصتوا لها ويوفروا طاقاتهم وجهودهم لإنجاز كتاباتهم المؤجلة أو للقراءة أو حتى للانشغال بأمورهم الخاصة، وترك الزمن يأخذ مجراه.