وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة "Thinqi"    تفاصيل الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والنمسا    تجار السمك يعدلون عن قرارهم بعدم توريد أسماك ل«حلقة» سوق شطا بدمياط    وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش يدعو الموساد لاغتيال قيادات حماس وإبادة قطاع غزة بالكامل    تقرير: إسبانيا توافق على إمداد أوكرانيا بصواريخ باتريوت    استقالة المتحدثة الإقليمية.. كيف تسببت سياسات بايدن الداعمة للاحتلال في تفكك الخارجية الأمريكية؟    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    دوري أبطال إفريقيا.. وسام أبو يقود تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    أحمد سليمان: وفرنا كل الإمكانات للاعبي الزمالك قبل مواجهة دريمز    مفاجأة كبرى.. أنشيلوتي يجهز نجم الفريق لموقعة بايرن ميونخ    أصحاب المخابز بالمنيا يرفضون تنفيذ قرار تخفيض الأسعار.. والأهالي يرفعون دعوات المقاطعة    بعد سقوط عصابة «تجارة الأعضاء» في شبرا.. هل نفذ المتهمون جرائم أخرى؟.. (تفاصيل)    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    تمثال على شكل أبو الهول.. كيف وصلت سمات الآثار الفرعونية لمتحف بيروت الوطني؟    ثقافة المنوفية: تنظيم 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال شهر أبريل    الصحة: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    الكشف الطبي بالمجان على 1085 مواطنا في قافلة طبية بمياط    مستشفى بني سويف للتأمين الصحي ينجح في تركيب مسمار تليسكوبي لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    25 مليونًا في يوم واحد.. سقوط تجار العُملة في قبضة الداخلية    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    حماية العمالة غير المنتظمة.. "العمل": آلاف فرص العمل ل"الشباب السيناوي"    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    بالفيديو والصور- ردم حمام سباحة مخالف والتحفظ على مواد البناء في الإسكندرية    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    11 مساء ومد ساعة بالإجازات.. اعرف المواعيد الصيفية لغلق المحلات اليوم    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موضوع خطبة الجمعة اليوم: تطبيقات حسن الخلق    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    نور الشربيني ل «المصري اليوم»: سعيدة بالتأهل لنهائي الجونة.. وضغط المباريات صعب «فيديو»    كاتب صحفي: الدولة المصرية غيرت شكل الحياة في سيناء بالكامل    مقتل إسرائيلي بصاروخ مضاد للدروع أطلقه "حزب الله" اللبناني    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    إسرائيل تضع شرطًا للتراجع عن اجتياح رفح    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    النيابة تقرر حبس المتهم في واقعة إنهاء حياة «طفل» شبرا الخيمة    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة فاروق يكتب: بشرى خلفان.. «دلشاد» محاولة لفهم تحولات عُمان السياسية والإنسانية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 03 - 07 - 2022


قراءة التاريخ الولع الأساسى فى حياتى
للقراء قدرة أكبر على استنطاق النص من النقاد
تحديد ورسم ملامح الأدب فى المنطقة أخطر أدوار الجوائز
مدينة لقرائى بالكثير وأحترم تأويلاتهم للنص وأستمتع بها
استخدمت «البوكر» كأداة لقياس النضج النفسى وتقبل الفشل
انتقالى بين الأجناس والأنواع تغذية للنهم العميق لكتابة أفضل الشخص الوحيد الذى يشغلنى هاجس التفوق عليه هو نفسى
الكتابة الإبداعية هى حيواتى المتعددة التى أحاول عيشها كل مرة بطريقة جديدة
لا أحب النقد الحاد المليء بالاتهامات والأحكام الجاهزة والغير مبررة أو مدلل عليها
لا يحضر القارىء عندى أثناء الكتابة لكنه يصبح كل شىء متى ما خرج الكتاب للنور
فى «دلشاد سيرة الجوع والشبع» أحدث روايات الكاتبة العمانية بشرى خلفان نقرأ عن مسقط كمدينة فى طور التكوين، تتكشف معالمها عبر ثلاثة أجيال تبدأ من دلشاد النبت الصحراوى، مجهول النسب وشبه الأعمى الذى يتخبط فى عالم قاحل شديد القسوة لم يجد منه إلا الهجر والنبذ، يدفعه بؤسه وفقره وقلة حيلته لأن يهب طفلته الوحيدة مريم لمن يقدر على إطعامها، وبينما يتيه فى العالم الواسع تثبت البذرة التى لم يورثها سوى مواجهة الجوع بالضحك قوتها وصلابتها فتبنت وتتفرع فى تلك الأرض القاسية التى نَمّت صلاتها بالعالم وبدأت ملامحها فى التبدل والتحول.
بعد فترة من صدور الرواية شاركت بشرى فى فعالية كان عنوانها «فى أثر رواية دلشاد» حيث سار المشاركون فى أثر الأماكن التى سار فيها دلشاد ومريم بطلا الرواية. اقتفاء أثر رواية متخيلة حدث تكرر من قبل مع حوارى وعوالم نجيب محفوظ مثلا، لكنه يظل حدثا ملفتا لأنه يقول الكثير عن تأويل الروايات وعلاقتها الملتبسة بالتاريخ وبالزمن أيضا، ففى «دلشاد» تحاول بشرى بعث مدينتها القديمة، فنشاهد مسقط أخرى غير التى نعرفها، وحتى غير التى يعرفها أهلها الذين قادتهم للتجول فى ربوع مدينة مغايرة لمدينتهم التى يعيشون فى ربوعها، فى رسالة مفادها أن مدينة الرواية ليست متخيلة بالكامل وأن مدينتكم الأصلية موجودة هناك أسفل أقدامكم. تحفر بشرى عميقا باتجاه تلك الطبقات الغائرة من تاريخ المدينة لتكشف ملامحها القديمة ولتحكى قصصا متروكة ومنسية عن الألم والجوع وبدايات التكوين.
تقول بشرى إنها كانت تجربة جميلة «تتبعنا فيها حركة شخصيات الرواية فى المكان من لوجان وولجات فى مسقط حتى حارة الشمال فى مطرح، حكيت لهم ما علق فى ذاكرتى من حكايات المكان وأهله وتاريخه، وبدا لى أن المشاركين كانوا فى لهفة للتعرف على مسقط، مسقط التى لم يعرفوها بحكم حداثة سنهم أو لأنهم بكل بساطة ليسوا من سكانها». تحدثت معهم عن الجوع الذى سبق الشبع وشرحت لهم أن مسقط التى جاءت فى الرواية مختلفة تماما عن الموجودة الآن، حيث مر حوالى قرن على ميلاد مريم دلشاد مثلا، فى هذا القرن تحولت المدينة وتغيرت وتجملت «بإفراط أحيانا»، لكن الأروع أن هذا الجيل لم يكن يريد رؤية المكان فقط «بل يريد أن يمشى مع دلشاد وأوجاعه ومريم وصباباتها وعبداللطيف وصاحبه، يريد بشكل ما أن يكون شاهدا وجزء من الرواية» لذا فإن استمتاع الكاتبة بالتجربة كان مضاعفا «ليس فقط لأنى عاشقة لمسقط القديمة وتفاصيلها وذاكرتها، بل لأن صحبة هذا الجيل الجديد من الشباب والرد على أسئلتهم ومتابعة شغفهم أمر مبهج فعلا».
بشرى خلفان قاصة وروائية من سلطنة عُمان، ولدت فى عام 1969. تمتد تجربتها الإبداعية فى كتابة القصة والرواية والمقال لأكثر من ربع قرن. كتبت المقال الأسبوعى لجريدتى «الوطن» و«الرؤية» العُمانيتين من عام 2002 إلى 2011 وتكتب حالياً لجريدة «عُمان». حازت على جائزة جمعية الكتاب والأدباء العُمانية لأفضل إصدار للنص المفتوح عن «غبار» (2008). ترأست لجنة الأدب والإبداع بالنادى الثقافى، مسقط، من 2010 إلى 2012، كما أدارت مختبر السرديات العُمانى، كعضو مؤسس من 2014. أقامت العديد من ورش العمل فى الكتابة الإبداعية داخل عُمان وبلدان الخليج العربي.
من أعمالها: فى القصة «رفرفة، وحبيب رمان، وحيث لم يعرفنى أحد». وفى الشعر «مظلة الحب والضحك، وما الذى ينقصنا لنصبح بيتاً؟». ولها من النصوص المفتوحة «غبار، صائد الفراشات الحزين». وفى الرواية «الباغ». ووصلت أحدث رواياتها «دلشاد» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية وحولها دار هذا الحوار..
البعض ينظر للجوائز باعتبارها مجرد مبلغ مالى يساعد على صعوبات الحياة، والبعض الآخر يرى أنها ترسم وتحدد ملامح الأدب فى منطقتنا، لذا كان ملفتا ما قلتيه مؤخرا فى الجلسات الحوارية التى أعقبت إعلان الفائز بالبوكر عن التقدم للجائزة كتجربة فقط. الآن بعد أن انتهت التجربة كيف تقيمينها؟
فى الحقيقة هى كل ذلك، هى المبلغ المالى، وهى الضوء والشهرة، لكن أخطر أدوارها فى ظنى أنها تسهم فى تحديد ورسم ملامح الأدب فى المنطقة، وهذا ليس صحيا دائما، لذا أجد أن على لجان التحكيم أن تنتبه لذلك كجزء من الأمانة الأدبية ومن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه الأدب.
وهذه ليست مهمة سهلة أبدا ففى النهاية اللجان مكونة من أشخاص، وإن كانوا أكاديميين أو أدباء لا يستطيعون التملص بشكل تام من تحيزاتهم الشخصية أو الإقليمية أو ربما حتى النجاة من ذائقتهم وفهمهم لفن الرواية أو للأدب بشكل عام.
أما فى حالتى فأنا لا أدعى أن كل تلك الاعتبارات غير موجودة عندى، لكنى فى الحقيقة أيضا شخص غير تنافسى بطبيعتى، والشخص الوحيد الذى يشغلنى هاجس التفوق عليه هو نفسى.
وأتمنى أن لا يساء فهمى هنا، فأنا مؤمنة أنى موجودة فى هذه الحياة كى أتعلم وأتغير، وبعد مرضى صرت أريد مقياسا أراقب من خلاله التغير فى نظرتى للحياة وفى تحولاتى الشخصية.
وكان موضوع الثقة بالنفس واحدا منها، لذا استخدمت الجائزة كأداة قياس، لأمور مثل النضج النفسى، وتقبلى للفشل، الذى طالما ناديت بأنه خير معلم ومؤدب، وأيضا لقياس قدرة التحمل والمرونة النفسية، لذا كان هناك ضرورة عندى لاختبار وقياس هذه التغيرات.
وكان دخول تجربة الجائزة واحد من هذه الأدوات، وأنا سعيدة بأنى نجحت فيها إلى حد كبير، وربما أعدت التجربة مرة أخرى ولأسباب أخرى، تتوافق مع تحولاتى الشخصية وحاجاتى فى لحظتها، ربما سأتوق للتنافس وربما سأتوق لتجريب نفسى وربما سأحاول الحصول على بعض المال، كل هذه أسباب مشروعة، الشيء الوحيد المقلق فقط أن تصبح هذه الأسباب محركات الكتابة وغايتها الوحيدة.
هل يمكن تطبيق الفكرة نفسها على تجربتك فى الكتابة بشكل عام؟ تلك التى بدأت بالقصة ثم النصوص المفتوحة فالرواية؟ حيث البحث عن التجديد والدهشة ليس فقط عبر الموضوع لكن عبر النوع نفسه وقياس استقبال القارئ له. هل يمكن القول إن الدافع لذلك التنقل بين الأنواع كان خوض التجربة؟
التجربتان مختلفتان تماما، فتجربة الجائزة لم تكن فعلا تجريبا بالمعنى الإبداعى بل بالأحرى وكما أسلفت كانت أشبه بأداة قياس، بينما التجربة فى الكتابة هى تجربة إبداعية، وما انتقالى بين الأجناس والأنواع.
وحتى محاولة تجريب أساليب جديدة إلا تغذية لذلك النهم العميق لكتابة أفضل وتجريب الأدوات التى أحاول صقلها بالتمرين الدائم، ثم بقياس تلقى القراء والنقاد لها، نعم من الصعب أن أستقر فى مكان ما لمدة طويلة، لأن ذلك يشبه الموت بالنسبة لى، والكتابة الإبداعية هى حيواتى المتعددة التى أحاول عيشها كل مرة بطريقة جديدة.
ربما كنت ملولة، وربما هذه الحالة من عدم الاطمئنان للواقع تجعلنى أتنقل وأغير واقعى بأدوات مختلفة.-كيف تطورت عملية كتابة «دلشاد». هل كانت الرواية بشخوصها وأحداثها حاضرة فى ذهنك قبل الكتابة أم نمت مع الأحداث؟ وهل كنت تعرفين من البداية أنها لن تنتهى وسيكون لها جزء آخر؟
الفكرة كانت حاضرة منذ سنوات، وحاولت كتابتها بطرق مختلفة، وأظن أنى ما زلت محتفظة بالمسودات فى مكان ما، وحتى شخصية دلشاد وابنته وعبداللطيف لوماه، مكتوبة ولكن بضبابية ووفق سياقات أخرى، لكن أثناء الكتابة اتضحت ملامح الشخصيات بل وتخلقت بقية الشخصيات التى شكلت نسيج العمل وأعطته الألوان والأصوات والتنوع والعمق.
وكذلك الأحداث، نعم كنت أعرف النهاية قبل البداية ربما، لكن خط سير العمل تعرض للكثير من التحولات بضغط من بعض الشخصيات نفسها، الذى وصل لرفض مصائرها المرسومة فى ذهنى، مما جعل خط سير العمل يتغير ويؤثر على بقية الشخصيات أكثر من مرة.
فى «الباغ» كان الزمن من أوائل الخمسينات إلى 1970 تقريبا بينما «دلشاد» بدأت مع نهايات القرن التاسع عشر وصولاً إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية، كيف حضرت نفسك لهذا العمل الغارق فى التاريخ، ماذا قرأت وسمعت وشاهدت؟ وهل أفادك عملك فى التحضير لهذا العمل؟
درست الجيولوجيا لفصلين فى الجامعة فقط، لكنى نلت شهادتى فى الكيمياء واشتغلت فى المختبرات ووظائف أخرى لها علاقة بتخصصى الرئيس وغير الرئيس فى مجال البيئة.
وإن كان لدراسة الكيمياء من فضل فهو تنظيمى الذهنى وفهم عمق فكرة التفاعلات بين العناصر الذى ينطبق على كل مناحى الحياة ومنها الكتابة نفسها، كما أن عملى فى مجال البيئة علمنى تقدير العمل الميدانى ومخالطة الناس، فأنا آتى من عائلة لا تمتاز بنشاطها الاجتماعى، هذا العمل الميدانى أكسبنى المرونة وعلمنى كيفية التعامل مع الناس من مختلف المشارب والخلفيات والوصول إلى قلوبهم وحكاياتهم، وهذا ما سهل على تخطيط البحوث الميدانية المتعلقة بأعمالي.
لكن قبل الوصول إلى البحث الميدانى كان على قراءة التاريخ، وفى الحقيقة أن ذلك كان الولع الأساسى فى حياتى الذى أدى بالضرورة إلى إثارة أسئلتى حول التاريخ العمانى المعاصر، والذى قادنى إلى كتابة الباغ ودلشاد فى محاولة لفهم التحولات والمآلات على المستوى السياسى والإنسانى، كما أن لذاكرة والدى وأجدادى أثر كبير فى محاولة تقصى سيرة الإنسان فى عمان واضطرارته التاريخية للهجرة.
قلت من قبل إن مسقط هى المحرك الأساسى لكتابة «الباغ» ثم «دلشاد». فهل هى محاولة لأرشفة تاريخ تخشين عليه من الضياع؟ وهل الرواية هى الوعاء المناسب لهذا الأمر؟
هذا سؤال يشبه الفخ، لكن نعم هناك جزء منى يحاول الاحتفاظ بصورة مسقط الراسخة فى ذهنى، مسقط التى أعرفها، تلك التى ولدت وكبرت فيها، وهناك جزء آخر يحاول كتابة الرواية بكل ما يمكن للرواية أن تحتمله.
وأنا من القراء الذين يقدرون حضور المكان فى الأدب، كما هو الحال عند نجيب محفوظ وأورهان باموق وربيع جابر وغيرهم ممن اعتنوا بمدنهم، بل واتخذ بعظهم من أسماء مدنهم الأثيرة عناوين لرواياتهم، وهذا لا يدخل فى الأرشفة بل فى باب الذاكرة التى نحاول الاحتفاظ فيها بأماكننا وربما بتصوراتنا عن هذه الأماكن، فمسقط التى تخصنى لا تخص الآخرين بالضرورة.
والذى تنقله الرواية هو ما يخصنى من مسقط، لذا فالقراء قد يجدوا أكثر من مسقط فى أكثر من رواية، وهكذا فالباغ ودلشاد ليستا مراجع توثيقية، لكنها تقول المكان والذاكرة من خلال ذاكرتى الشخصية وتجربتى بل ومن زاوية نظرى الغير موضوعية ربما، والقابلة بطبيعة الحال للنقض والتغيير.
دلشاد كما شرحت تعنى القلب الفرح لكن لا فرح هنا بل تاريخ من البؤس والجوع والمرض. ولماذا هو العنوان رغم أن البطولة لمريم كما أتصور؟
دلشاد ليس اسم شخصية فى الرواية فقط، بل هو وصف لحالة سلالة تتحايل على ألمها وجوعها وقهرها وبؤسها بالضحك، وهى بذلك تحاول النجاة من كل ذلك، دلشاد الأب ودلشاد هو مريم الابنة ودلشاد هو فريدة أيضا.
وكل الذين سيتخلقون من الحالة ذاتها وفى المعنى نفسه، أما فيما يخص البطولة فأنا أرى أننا تجاوزنا فكرة البطولة المطلقة التى يقوم عليها العمل، فالعمل نسيج من شخصيات متعددة، لكل منها دور وصوت خاص بها، ولم يكن للعمل أن يكتمل فى غياب أى منها، لذا فدلشاد ليست رواية بطل، بل رواية شخصيات متعددة، رواية شعب من الجياع.
تضم الرواية كلمات صعبة وغير مألوفة من البلوشية والكردية والفارسية لماذا قررت تجاهل تعريفها؟ وكيف تتعاملين مع اللغة كيف تنظرين لها وتطوعينها لخدمة النص؟
نحن نتعلم، أنا أفعل ذلك كقارئة قبل أن أكون كاتبة، ودافع التعلم هو الفضول فى الأساس، لذا أحببت أن أثير فضول القاريء وإعطائه مساحات أكبر لتنمية فضوله اللغوى، لأن هذا ما يحدث معى عندما أقرأ الأدب العربى على تنوع حواضره، فكنت لا أفهم الكلمات فى الدارجة العراقية والمصرية والمغاربية وحتى الشامية، وهذا أيضا ما يحدث عندما أقرأ الأدب المترجم، فأنا لا أقرأ اللغة فقط، بل أسماء الأشياء والعادات والكلمات وطرق التعبير عن ذلك كله وفق الثقافة المؤسسة.
عندما تركت الكلمات دون هوامش، كنت راغبة فى عدم تشتيت القاريء بين المتن والهامش والأهم استدراجه إلى منطقة الفضول ومنحه متعة التخمين والفهم من السياق.
تقدم الرواية الحدث الواحد بأصوات متعددة لكن فى بعض المواضع لم يكن هناك إضافة كبيرة لوجهة النظر أو الحكاية السابقة. لماذا كان الإصرار على هذا الأسلوب؟
دعنا نسميه التكرار، والتكرار فى تقنية تعدد الأصوات التى استخدمتها يعزز تعدد الرؤية للحدث الواحد فى مواضع معينة، ويضيف فى أخرى ويؤكد الشيء فى موضع آخر، ويثير الفضول ويربط الأحداث والأهم فى كل هذا أنه لم يسبب الملل والضجر فى نفس القاريء
ولم يخل بسلاسة السرد ومتعة التلقى، هذا طبعا بحسب ما ورد إلى من آراء وقراءات، لأنه لو فعل لاعتبرت أن التكرار فى السرد فشل فى تأدية دوره كأسلوب سردى، مع ذلك سآخذ بعين الاعتبار هذه الملاحظة وسأحاول أن أجود هذه التقنية وصقلها أكثر فى حال أنى عدت لاستخدامها.
-قرأت تأويلات متعددة للرواية لكن لفت نظرى قراءة تصبغ الشخصيات بتأويلات زمنية حيث دلشاد هو زمن الفقر والعمى والبراءة التامة، فى حين أن ابنته مريم هى أول مراحل التطور والتفتح والنمو، ثم فريدة التى تجسد الحداثة والبحث عن التعلم والانفتاح على العالم. لدى عدة أسئلة فى هذه النقطة: بداية كيف ترين مسألة التأويلات وأنت كاتبة النص؟
ثانيا كيف تنظرين للقارئ، متى تفكرين فيه.. أثناء الكتابة أم بعدها، وهل أنت مهتمة بتطوير علاقتك معه خصوصا بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي؟ أخيرا كيف تنظرين للنقد المتخصص هل أنت راضية عن التعامل النقدى مع أعمالك؟
يقال أن الرواية أذكى من كاتبها، وأنا أرى أن القاريء أذكى من الكاتب، لذا تدهشنى التأويلات، وأستمتع بتعددها عند القراء، بل وأتعلم منهم الكثير، وفى الحقيقة أجد أن للقراء قدرة أكبر على استنطاق النص من النقاد، وهم بذلك يثرون خيالهم وطاقتهم الإبداعية فى النقد، وأعتبرها كتابة موازية، محفزة ومنبهة.
ينصب اهتمامى أثناء الكتابة بالكتابة نفسها، بالأدب والفن الذى أحاول الإخلاص له، وأظن أن هذا هو ما يخلق القاريء، وليس الاهتمام بكيفية تلقيه للنص، لأننا بذلك نضر بالعمل الإبداعى، بل ونقيد أنفسنا بأطر تفترض أن هناك قاريء واحد يتلقى النصوص بطريقة واحدة.
وهذا بخس لتعددية القاريء ومزاجيته وذكائه وخبرته القرائية، لذا فعلا لا يحضر القاريء عندى أثناء الكتابة، لكنه يصبح كل شيء متى ما خرج الكتاب للنور وصار بين يديه، ذلك أن الكاتب يغيب، ينتهى، يموت، ويحضر القاريء بكامل سطوته، القاريء والنص فقط.
أنا مدينة لقرائى بالكثير، سواء أعجبهم العمل أم لم يعجبهم، أحترم تأويلاتهم للنص، بل وأستمتع بها، ففى ذلك حيوية تضاف إلى النص ولى، ورغم أنى لا أحب النقد الحاد المليء بالاتهامات والأحكام الجاهزة والغير مبررة أو مدلل عليها، وأظن هذا طبيعى وأنا لا أنكر أذاها فى حينها، إلا أنى تعلمت التجاوز، وصرت أتجاوز بسرعة وأعيد التركيز على الاستفادة والتعلم لا الانكار والغضب.
قلت إن حالة الاحتفاء ب«الباغ» تسببت فى توقفك عن الكتابة من قبل. ربما تكون حالة الاحتفاء أكبر هذه المرة فكيف ستتعاملين مع المسألة خصوصا وأنك وعدت القارئ بجزء ثان من الرواية؟
لقد تم الاحتفاء بالباغ بحب هائل، وغير متوقع بالنسبة لى خاصة أنها روايتى الأولى وكنت أجرب مساحة جديدة وعالم جديد بالتأكيد. هذا الحب قيدنى نوعا ما، وجعلنى أقف طويلا وأتأمل نفسى وأقيم كتابتى محاولة الموضوعية قدر الإمكان، ثم حدث أنى مرضت وكان علاجى مرهقا، واحتجت إلى وقت لأخرج فيه من حالة الضباب الدماغى الذى تسببت فيه الأدوية، كنت بحاجة لاستعادة تركيزى وقدرتى اللغوية، وهذا أطال أمد التوقف.
أما فيما يخص دلشاد، فأنا فى حيرة من أمرى، فلم يكن فى المخطط الأولى للرواية أى جزء ثان، لكن الشخصيات رفضت مصائرها المكتوبة، وطلبت من الحياة أكثر مما رسمته لها، لذا كنت مضطرة للتوقف، والتقاط أنفاسى ومنحهم مساحة لتحديد اختياراتهم، ثم العودة للكتابة، وإنصاف الشخصيات التى ما زالت تحمل وتحتمل الكثير.
بالمناسبة إن كان الجزء الثانى لم يكتب بعد- هل يمكن أن يرد على بعض تساؤلات قراء الجزء الأول أم أنك وضعت له مسار محدد لن تحيدين عنه؟
لا أستطيع الحديث عن الجزء الثانى من دلشاد، فمنذ أن بدأت شخصيات دلشاد منازعتى على سلطة الحكى، قررت أن أجعل الأمر ديموقراطيا بيننا وعليه دعونا ننتظر أن تقول ما تريده فى الجزء الثانى، وأنا هنا لا أتخلى عن مسؤوليتى بل أحب أن لا أقول كلاما يلزمنى بما لا يمكننى الالتزام به أثناء الكتابة.
للمرأة حضور قوى ومركزى فى أعمالك.. يمكن القول أنها بطلة كل الأعمال تقريبا. أيضا المرأة العُمانية التى ترفض واقعها وتسعى وراء التعلم وتحرض عليه مسألة تتكرر فى الباغ و دلشاد. لماذا؟ وهل تتبنين هذه الموضوعات من منطلق نسوي؟
لم يبدأ التعليم النظامى للمرأة فى عمان حتى عام 1970، قبل ذلك حصر تعليم الفتيات فى مدارس القرآن الصغيرة، لكن أمى على سبيل المثال لم تحظ بهذه الفرصة، وتعلمت القراءة والكتابة والقرآن متأخرا، بعد أن فتحت فى عمان فصولا لمحو الأمية فى سبعينيات القرن المنصرم.
نظرت أمى للتعليم بإجلال كبير، وكانت دوما تمزح معنا بأنها لو حظيت بقدر من التعليم لأصبحت «غير»، هذا «الغير» بالتحديد لم يكن مزحة عندى، بل هو ما كان يجعلنى أفكر فى سيناريوهات كثيرة لأمى ولجميع بنات جيلها وللمجتمع العمانى والبلاد والعالم بالضرورة.
وهذا «الغير» تحديدا ما أحاوله فى كتابتى، مقاربة ما كان للمرأة أن تكون لو أنها تعلمت، ماذا لو أن أمى وجيلها ومن كان قبلها وبعدها حظوا بقسط من التعليم ليجعلوا هذا العالم مكانا أفضل، ماذا لو أن واقعها بل وواقعنا الذى ما زال الكثيرين يحاولون فيه أن تبقى المرأة هامشا ضعيفا لا شريكة فى صنع المتن كان مختلفا.
لهذا «الغير» أنا مخلصة، لحق أمى وحقى وحق بناتى وحفيداتى فى التعلم والوجود المتساوى والعادل فى هذا العالم، أتبنى هذه الموضوعات وغيرها من رؤيتى للحياة وفهمى للعدالة والحق، وإن كانت هذه هى النسوية المشار إليها فى السؤال، فنعم هذا هو منطقى النسوى الذى أشكل من خلاله تصوراتى عن المرأة وحقوقها ومكانتها المستحقة فى هذا العالم.
تدور أعمالك كلها أيضا حول عمان، هل تفكرين فى الخروج من هذا العالم أم ستظلين مخلصة لمنطقتك الأثيرة؟
عمان ومسقط تحديدا منطقتى الأثيرة فعلا، المكان الذى أعرفه أكثر من أى مكان آخر، فأنا ولدت وكبرت فيها، بل ودرست وعملت وكتبت فى عمان، باقى البلدان كانت دائما محطات مؤقتة، أذهب إليها لغرض السياحة والعلاج أو المشاركات الثقافية، وفيها أقضى مددا قصيرة مهما طالت.
لكنى سأخرج من مسقط وعمان متى ما اقتضت ضرورة النص ذلك، متى ما صار الخروج ضروريا للسرد والشخصيات والحكاية والفكرة، فالانتقال فى المكان ليست غاية من غاية الأدب، بل إن كان لى القول فإن توسعة المكان بالحركة فيه والقول عنه ومن خلاله هى غاية أقرب للأدب من التنصل منه أو التنقل خارجه لإثبات المعنى أو القدرة على الاتيان بالجديد، وفى النهاية هذا يعتمد كثيرا على تجربتنا الشخصية ونظرتنا لكتابتنا وتصوراتنا عنها وما نريده منها.
كيف تنظرين لوضع الكتابة والقراءة فى عمان حاليا، وفى العالم العربى بشكل عام؟
أجد وضع القراءة مبشرا رغم تحديات التكنولوجيا ومواقع التواصل، فعدد المكتبات والإقبال على شراء الكتب فى تزايد، بحسب ما يصلنى من أصحاب المكتبات أنفسهم، هذا فى عمان تحديدا، وأظن أنه كذلك فى العالم العربى، لذا صرنا نجد أعمالا تخرج بطبعات من الجزائر وفلسطين مثلا، بل وصرنا نجد نسخا مقرصنة من الأعمال الأدبية فى سور الأزبكية وشوارع عمّان وغيرها، ورغم أن هذا عمل منافى لما نصبوا إليه من فرض حقوق الملكية الفكرية، لكنها أيضا مؤشرا على تزايد الإقبال على القراءة، فى ظل ارتفاع أسعار الكتب.
أما الكتابة فنحن نقف فى وسط طوفان هائل من الإصدارات ويدل عليه ازدياد عدد دور النشر فى العالم العربى، مع ذلك سيبقى سؤال الجودة معلقا، إذ أن الزمن فى نظرى وحده القادر على الفصل فى ذلك، ما سيبقى ومدة بقائه أو ما سيندثر دون ترك علامة.
هل ستظلين مخلصة للرواية؟ ما الذى تطمحين إليه على مستوى النص؟
بدأت بالشعر ثم القصة ثم المقال ثم النص المفتوح حتى وصلت للرواية، لكنى ما زلت أكتب الشعر والمقال وأتمنى العودة لكتابة القصة القصيرة.
نعم أحب الرواية ليس فقط ككاتبة بل كقارئة فى الأصل، لكنى لا أستطيع الإجابة على أسئلة المستقبل الافتراضية، لا أستطيع أن أضع نفسى فى إطار وأتباهى به، الآن ما أريد قوله وجد الرواية الجنس الأكثر مناسبة له، لكن لربما لن يكون هذا هو الحال بعد عام أو خمسة، أو ربما تغيرت أنا.
ولم أعد أمتلك النفس الطويل الذى أملكه الآن، كل الذى أعرفه أنه ما دام لدى ما أقوله سأجد له الشكل الذى أريد قوله من خلاله، وسأبقى مخلصة لما أريد قوله لا للشكل، لذا سأترك باب الاحتمالات مفتوحا على مصرعيه.
لمن تقرأين ما الذى يعجبك؟
إذا أرفقنا بالسؤال كلمة واحدة مثل حاليا ستكون قدرتى على الإجابة أفضل بالتأكيد، لذا سأفترض وجود هذه الكلمة، لذا سأقول أن قراءتى فى الشهرين المنصرمين خرجت عن خطة القراءة، إذ كنت قد بدأت فى قراءة موسوعة السرد العربى للدكتور عبدالله إبراهيم كمشروع لعام 2022، وأيضا قراءة كتاب الفيلسوف الفرنسى بول ريكور الذاكرة التاريخ والنسيان، طبعا بالإضافة إلى بعض الكلاسيكيات التى أشعر أنى بحاجة لإعادة قرأتها.
ولكن الذى حدث أن عام 2022 كان مفاجأة لى، ففيه سفر كثير وأحداث كثيرة غالبها مبهج لكن مع ذلك احتجت للتعامل معها بجدية، لذا ارتفعت محصلة قراءتى من الروايات على حساب النقد والفكر والفلسفة والعلوم الأخرى.
وجاءت قراءتى متنوعة بين الإصدارات الحديثة من الرواية العربية، ربما بسبب البوكر أو الفضول أو الشوق للأصدقاء، والرواية الآسيوية، الهندية والأندونيسية والصينية، أما ما كنت أقرأه فى اليومين الماضيين فهو رواية قصيرة، بعنوان «فم يملؤه التراب» للصربى برانمير شيبانوفيش، وكانت اكتشاف مدهش ولذيذ وفاتن، وربما كنت بحاجة إليه، للإجابة على أسئلة معينة تتدافع فى داخلى حاليا.
لكنى أتوق فى هذه اللحظة لقراءة الشعر وأظن أن على معالجة روحى بجرعة مكثفة منه فى أسرع وقت.
اقرأ أيضا | عائشة المراغى تكتب: مثقفو الوطن العربي يحتفون بجابر عصفور في بيته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.