برز اسمها لأول مرّة فى المشهد الثقافى فى عُمان، خلال مشاركتها فى «ملتقى الشارقة للإبداع العربى الثانى» فى ديسمبر عام 2011؛ حيث جرت العادة أن تقوم جمعية الكُتّاب والأدباء أو الرابطة فى كل بلد خليجى بترشيح كاتبين وناقد واحد فى كل دورة، ولكن فى السنة التى شاركت فيها طُلب من الجمعية العُمانية للكُتاب والأدباء أن ترشح كاتبين فقط؛ لأن الناقد (المفترض) قد تم اختياره، وهى «منى السليمى» .. أثارت «منى» جدلًا وتسببت فى حيرة الجمعية وأعضائها، تلك التى لم يكن أحد قد سمع بها من قبل وليست عضوًا فى الجمعية أساسًا، والفضل فى ذلك يعود إلى الروائى السعودى محمد المزينى، الذى التقى بها خلال مرحلة إعدادها الماجستير، فمنذ اللحظة الأولى وقد تحمس لموهبتها وحرص على دعمها للمشاركة فى الملتقى، لتكن البداية. • وفى البداية نسألها.. ماهى أبرز محطات مسيرتك الأدبية؟ - أتصور أن كل جهد هو محطة، لذا فإن مشاركة الشارقة كانت محطة، وقبلها كان حصولى على الماجستير، التى تُعد محطة فى غاية الأهمية، لأن ما اكتشفته فيها ما كنت لأكتشفه فى مرحلة البكالوريوس، ثم مؤخرًا مرحلة الدكتوراه فى المملكة المغربية، ليس الحصول على الشهادة بحد ذاته محطة، ولكنها رحلة البحث نفسها واكتشاف الجديد فى كل مرّة؛ لأن الاكتشاف هو الأهم؛ لأنه يتحقق للباحث عنه سواء كسب من ورائه شهادة أم كان بحثًا خالصًا من أجل البحث. وهذا الأخير عندى أرفع منزلة، ولكنى سأبوح لك بسِر وهو أننى كائن كسول فى العادة وما لم أضع العمل فى سياق يلزمنى به فسآخذ وقتًا طويلًا لحين إتمامه، لذا أربط البحث بشرط زمنى ما، وهذا الشرط هو الشرط الأكاديمى، إلى جانب البحث فى النقد الأدبى، هناك محاولاتى فى الكتابة السردية التى أودعها دائمًا فى مدونتى الصغيرة «سماء وإلف»، دائمًا ثمة شغف فى المجاورة بين الاشتغال النقدى والكتابة الإبداعية، ولكنى أجد نفسى باحثة أكثر من كونى ساردة، وهذا ليس اختيارًا، ولو كان باختيارى لاخترت أن أكون روائية. • كباحثة وناقدة.. ما هو تقييمك لحضور الرواية العُمانية فى المشهد الأدبى العربى فى الوقت الراهن؟ - أعتقد أن إجابة هذا السؤال تتطلب حذرًا بالغًا، لاسيما بعد فوز الروائية العُمانية جوخة الحارثى بمان بوكر 2019، ما أعتقده أو ما آمله، أن الحال بعدها لن يكون كما كان قبلها، عربيّا وعالميّا؛ فالرواية العُمانية الآن تمُر بمرحلة الاكتشاف (أو الانكشاف) من قبل الآخر غربيّا وعربيّا، ولا نعرف المدى الذى يمكن أن تتسع له هذه الحالة، وما هى حدود خطها الزمنى الذى يمكن أن تمتد إليه... ..فما نحتاجه هو أن نستثمر هذه الحالة بمزيد من الاشتغال على إلقاء الضوء على الرواية العُمانية الجيدة، والدفع بها للقارئ الآخر، سواء من خلال تقديم كشف نقدى يفتح آفاقها أو بالبحث عن مسارات لترجمتها إلى اللغات الأخرى. وكما قلت فى مقال بعنوان (عالمية الرواية العُمانية؛ سؤال الكتابة والتلقى والزمن) نشرته جريدة عمان فى يوليو 2018: «إننا لا نعرف أى صُدفة قد تجمع قارئًا من أقاصى الأرض بنص عُمانى تغير خارطته التاريخية». وبالضبط هذا ما حدث مع النص المترجم لرواية «سيدات القمر» بعد تسع سنوات من صدورها. • ما هو أبرز ما يميز الرواية العُمانية فى الشكل والمضمون؟ - الحديث عمّا يميز رواية بلد ما هو ألّا حديث مكانى بالدرجة الأولى، فإذن لا يمكن إغفال خصوصية المكان، عُمان بلد غير مكتشف، وبقى على الدوام بعيدًا عن دائرة الضوء، التى غالبًا ما تستأثر بها بِلدان المركز العربى، وفى تصورى أن الرهان دائمًا على صدق الاشتغال على المكان ليس بوصفه مكونًا فيزيائيّا جامدًا ويتجلى فى النص عبر بوابة الوصف وحدها، وإنما من خلال ما ينطق به هذا المكان من مخزون حكائى يمد الجنس الروائى عمومًا بطاقة جديدة لم يكتشفها القارئ العربى أو العالمى من قبل. وبالرجوع لمعظم القراءات التى تناولت رواية «سيدات القمر» كانت جميعها تجمع على السّر المكانى الذى قدمته جوخة الحارثى فى روايتها بما يشبه الاكتشاف الجديد، بالطبع هناك ما يمكن أن يميز الرواية العُمانية غير المكان، ولكن تبقى هناك قواسم مشتركة؛ فكلنا نملك حكايات، ولكن المسألة هى كيف نكتبها. • ماذا عن أبرز رواد الرواية العُمانية؟ - أعتقد أن التأريخ لريادة الرواية فى عُمان قد حُسم بتغليب المسألة التاريخية على المسألة الفنية، فلا يختلف اليوم اثنان على ريادة عبدالله الطائى الذى نشر أولى رواياته «ملائكة الجبل الأخضر» فى عام 1981، وتلاها بروايته «الشراع الكبير» رُغم أنهما كُتبتا قبل هذا التاريخ بسنوات. ثم تلته أسماء كتبت الرواية فى الثمانينيات حتى نهاية التسعينيات، أذكر منهم: سعود المظفر، وسيف السعدى، وحمد الناصرى، ومبارك العامرى، وعلى المعمرى الذى أسس بروايته «همس الجسور» التى صدرت فى 2007 لمرحلة جديدة من مسيرة الرواية العُمانية، كما ذهب لذلك شبّر الموسوى، وقد ناقشت بشىء من التفصيل موضوع التأريخ للرواية العُمانية فى مقال نشر فى مجلة نزوى بعنوان «الأصوات الروائية الجديدة فى عُمان»، العدد 85، وخلاصة القول فى هذه المسألة، أن الريادة شأن تاريخى محض، وليس للشروط الفنية شأن فى البت فيه. • ما هى أشهر الروايات فى تاريخ السلطنة؟ - الحُكم بشهرة رواية ما يقترن غالبًا إما بالجوائز أو بقوائم ال best seller. وفى هذه اللحظة الراهنة نستطيع القول بلا تردد إن أشهر رواية عُمانية هى رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثى، وقد أصبحت رواية عالمية بحصولها على جائزة مان بوكر 2019. • ماذا عن التحديات التى تواجهها الرواية العُمانية؟ - تنقسم التحديات إلى نوعين، نوع خاص بالكاتب نفسه، ويتمثل فى مدى قدرته على تطوير أدواته ومنجزه، ونوع يتصل بالبيئة التى يكتب فيها وتتلقى كتابته. ففى عُمان هناك أزمة أسميها (أزمة تلقٍّ)، تتمثل فى محاولة تلقى الأدب بوصفه خطابًا أخلاقيّا تربويّا، وتتم محاكمته اجتماعيّا بحسب ما يدعو إليه من فضيلة أو العكس، وفى السنوات الأخيرة واجه عدد من الكُتّاب فى عُمان تنمرًا غير مسبوق من شريحة واسعة ممن يزعمون أنهم قُراء بدعوى ما تتضمنه كتاباتهم من إشارات وإيحاءات تخدش حياء المجتمع، ولم تسلم من ذلك رواية جوخة نفسها التى حازت على جائزة عالمية. • من التحديات إلى أكبر الأحلام؟ - أعتقد أن أكبر أحلام الكاتب، أى كاتب أو المهتم بالشأن الأدبى فى أى بلد، أن يكون أدب بلده مقروءًا، وأن يحظى بحقه من الاهتمام والالتفات. • ما هو تقييمك للتبادل العربى بين عُمان ودول الوطن العربى؛ وتحديدًا مصر تأثرًا وتأثيرًا؟ - أعتقد أن كل كاتب عربى يحلم بأن يحقق حضورًا فى مصر؛ لأنها بلد كبير والانتشار فيها يحقق نصف المسافة بين الكاتب والقراء العرب،أمّا التبادل المفترض فتحققه دور النشر كما أتصور؛ لأنها المعنية بعملية التوزيع فى المقام الأول. فليس من مهام الكاتب (وهذا شىء أصر عليه) أن يوزع كُتُبه، وإنما هى واحدة من أولى مهام دور النشر، التى تذهب بالكتاب إلى القارئ العربى فى معارض الكتب كما نتخيل. فالحديث عن دور النشر يطول كثيرًا وذو شجون. ولكن هناك بوارق أمل فى دور نشر تعمل بمهنية عالية ونسعد بنشاطها وتسويقها لما يصدر عنها. فاليوم أستطيع أن أقول إن دار النشر أصبحت عتبة مهمة من عتبات القراءة: عن أى دار تنشر أقل لك ما كتابتك، هكذا أفهم السوق: من يكرس نشر السيئ لن تتوقع منه جيدًا، واجتماع الغث والسمين فى جناح واحد ليس فى صالح الجيد بطبيعة الحال، وعلى الكتّاب أن يتخيّروا لكتبهم دورًا تكمل معهم المشوار الذى بدأوه بألم الكتابة، والنشر ألم هو الآخر ولا بُد من التصدى له بإخلاص لا يقل عن إخلاص الكتابة. • أخيرًا المرأة والرواية العُمانية، رائدات وبصمات تستحق أن نشير إليها؟ - الحديث عن المرأة العُمانية وإسهامها الأدبى فى الرواية خاصة؛ حديث واضح المعالم، فالريادة تعود للروائية بدرية الشحى بروايتها «الطواف حيث الجمر» التى صدرت فى عام 1999م وكانت علامة فارقة فى مسيرة تطور الرواية العُمانية بشكل عام.. ثم هناك أسماء روائية عُمانية مهمة: جوخة الحارثى التى أصدرت روايتها الأولى «منامات» فى 2004، ثم «سيدات القمر» فى 2010 التى فازت بعد تسع سنوات بجائزة عالمية (مان بوكر العالمية 2019)، ثم روايتها «نارنجة» التى صدرت فى 2016 وفازت بأرفع جائزة محلية وهى جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب. وهناك هدى حمد، التى انطلقت فى الكتابة الروائية من روايتها «الأشياء ليست فى أماكنها» فى عام 2009 وفازت بجائزة الشارقة للإبداع العربى. ثم روايتها «التى تعد السلالم» فى عام 2013، تلتها روايتها «سندريلات مسقط» فى 2016، وأخيرًا روايتها «أسامينا» فى 2019، وبشرى خلفان بروايتها «الباغ» التى صدرت فى 2016، وحققت نجاحًا واسعًا ومقروئية عالية، بالإضافة إلى أسماء روائية أخرى دخلت عالم الكتابة الروائية وتفاوتت مستويات الكتابة الفنية لديها.