المطرب التونسى لطفى بوشناق.. هو فنان من طراز خاص يعود إلى زمن الفن الجميل، فهو يحب البساطة فى الحياة والغناء، ولكن عندما يصعد على المسرح تراه كالجلاد الذى يمسك بسوطه «العود» ليضرب به على عواطف الجمهور، فلا تسمع منهم إلا صيحات الإعجاب والانبهار. تحدثنا معه عن تكريمه من قبل محافظ جنوبسيناء، ورفعه لدرع التكريم فوق رأسه، وقبوله الغناء بدون مقابل فى مدينة شرم الشيخ، ورسالته فى الغناء عدم تقديمه للأغانى العاطفية، والطريقة المثلى للقضاء على الإرهاب. حدثنا عن وضعك لدرع سيناء فوق رأسك بعد تكريمك من قبل المحافظ؟ - بالطبع سعدت بتكريمى خلال مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى، الذى قمت بإحياء حفل افتتاحه مع كورال وزارة الشباب والرياضة، وفوجئت بعد انتهاء الحفل بتكريمى من السيد اللواء خالد فودة، محافظ جنوبسيناء، ومن وزير الثقافة حلمى النمنم، فكان أقل شىء يمكن أن أقدمه هو وضع درع محافظة سيناء فوق رأسى، وكنت أعنى هنا أن مصر كلها تاج على رأسى أفتخر به طوال ما بقى من عمرى. وما سبب قبولك إحياء الحفل بدون مقابل مادى؟ - أنا لا أرفض أى نداء من مصر، خاصة أن هذه المرة الأولى التى أحضر فيها إلى مدينة شرم الشيخ، تلك المدينة الساحرة الجميلة، وعندما طلب منى الغناء هنا وافقت على الفور ودون أجر، لأن هذا مهرجان ثقافى، والثقافة هى الجسر الذى يعمل على التواصل بين الشعوب، لردع الإرهاب والأفكار المتطرفة. هل الثقافة وحدها تستطيع ردع الإرهاب؟ - الشباب الآن أصبح بلا ثقافة، لذلك تجد عقله فارغاً فيسهل استقطابه، وإيمانه بأفكار غير صحيحة ومتطرفة، لأنه ليس لديه الوعى الكافى لمعرفة الصواب والخطأ، وما وصلنا من تخلف عن العالم سببه هو تجاهل الدول للثقافة. لماذا تتهم أغانيك دائماً إذن بالتحريض؟ - منذ بداية مشوارى الفنى، وهدفى أن أكون فعالاً فى هذه الأمة، فأنا لا أبحث عن موقع فى هذه الساحة الفنية، بل أبحث عن تاريخ يتذكرنى بشرف وكرامة. هل لذلك تقدم أغانى سياسية فقط؟ - أنا لا أقدم أغانى سياسية، بل أقدم قضايا تهم الجمهور العربى، وإذا كانت هذه الفكرة لا تصل إلى الناس، فهذا بسبب الإعلام الذى لا يسلط الضوء إلا على بعض الأغانى التى أقدمها، فمؤخراً قمت بتقديم أغنية بعنوان «الأقباط» بعد حادثة الكنيسة، وأهديتها، إلى التليفزيون، ولم تتم إذاعتها على الفضائيات حتى الآن. لماذا أغلبية أشعارك سياسية؟ - السياسة لم تكن هدفى وأشعارى تحمل معانى إنسانية وليست سياسية، ولكن الفنان يجب أن يعبر عن صوت الأمة، فهو مرآة الشعب التى تعكس مشاكلهم وأوجاعهم لوصول صوتهم المكبوت، لذلك يجب على الفنان أن يتحمل المسئولية، وأن يتسم بالأخلاق فتصبح أساس مبادئه وفنه. هل ندمت يوماً على تقديم هذه النوعية من الأغانى؟ - لم أندم يوماً على ذلك، فكل ما قدمته نابع من داخلى، وكل ما يهمنى مثلما ذكرت من قبل أن تصل رسالتى لأكبر قدر من الجمهور الشباب الذين يجاهدون فى سبيل بناء مستقبلهم، بعض الفنانين لا يهمهم إلا جنى الأموال فقط ولكن هدفى هو الأجيال القادمة. كيف ترى معظم الأعمال الغنائية فى وقتنا الحالى؟ - بعضها أستمع إليه والبعض الآخر أستحى منه، فكيف لرجل بلغ من العمر عتياً أن يظهر على شاشات التليفزيون وهو يرقص؟ وكيف لهم أن يذهبوا هنا وهناك ومعهم حراسات خاصة، لذلك يجب على كل فنان أن يفهم جيداً هذه الرسالة «الجمهور من يصنعك فإياك والتعالى عليه». كيف ينظر العالم إلى غنائنا الشرقى؟ - أنا سافرت إلى جميع أنحاء العالم، ولا أقدم إلا الغناء الشرقى الخاص بنا، وفى إحدى المرات كنت ذاهباً إلى طوكيو، فأردت أن أقدم أغانى بعيدة عن مقاماتنا الشرقية، وبخاصة أن الحفل كان للطلبة، فأردت تقديم ما يفهمونه، وعند دخولى للجامعة فوجئت بعدد من الطلاب يسألوننى عن مقاماتنا الشرقية وبتبحر شديد جداً، فنظرت إلى الفرقة حينها وقلت لهم إن البرنامج سوف يتغير، وبالفعل قدمت الأغانى العربية ذات النغمات الشرقية. هل وجدت فرقاً بيننا وبينهم فى استقبال الأغانى؟ - مبدئياً الأغانى دائماً تخاطب الإحساس والعقول، وما يخرج بصدق يصل بصدق، فالاختلاف هنا أنهم يعملون بجد، فقبل الحفل يجلس معك مخرج ومصمم الإضاءة لكى يعرف منك الأغانى التى سوف تقدمها، وقصتها، لكى يقوم برسم الإضاءة المناسبة لتقديمها أثناء الغناء، ولكى يندمج معك الجمهور. ما الرسالة التى تحاول أن تقولها من وراء أعمالك؟ - أحاول أن أكون إنساناً، فكل ما يهمنى هو أن أترك خلفى أعمالاً تغير من واقع الشباب والحكام، وتعبر أكثر عن شعورهم ومواقفهم تجاه بلدهم، وأتمنى حدوث ذلك فكل إنسان ميت وكلنا عابرو سبيل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ما رسالتك لشباب الوطن العربى؟ - رسالتى أن نحب كل إنسان يستحق المحبة، ويملك الموهبة الفعلية فى الحب؛ فالحب ليس فقط للحبيب والحبيبة، وإنما هناك حب الوطن واجب وفرض علينا لإبعاد شبابنا عن التطرف، لخلق جيل جديد يستطيع أن يسترد لنا ما ضاع من أوطاننا. هل أحدثت ثورات الربيع العربى فارقاً بين أغانى بوشناق قبلها وبعدها؟ - لم تحدث فارقا كبيرا، ولكننا لا يجب أن نتحدث عما مضى فدعونا نبدأ من جديد، فالثورة هى مولود جديد يجب أن ندعمه ونربيه على الأخلاق والانضباط، ولكننا شعوب لا تملك إلا الحديث فلو كان الحديث سلاحاً لكان العالم العربى محتلاً للعالم. معنى ذلك أنك غير مؤمن بثورات الربيع العربى؟ - كما قلت يجب أن ننظر إلى الأمام، لقد وقفنا عند هل نطلق عليها ثورة أم مؤامرة أم انتفاضة؟ فلا أريد أن أقف عند ذلك وأبدأ العمل، نحن لا نصنع شيئاً، وأصبحنا نستورد من الغرب كل شىء. كيف تفسر ما وصل إليه حال الشعوب العربية حتى الآن؟ - الثقافة هى الحل وبالعلم نجتاز كل العراقيل التى تهدم أمتنا دون الشعور بها، فحكومات شعوبنا غير قادرة على الإنتاج وتوفير الحاجات الأساسية لشعوبها، فقد أصبحنا فى مجتمع عربى يعيش بالمنتجات الصينية والأوروبية، لذلك أصبحنا عالة عليه. رسالة أخيرة توجهها لمصر وللإعلام العربى تحديداً؟ - رسالتى لشعب مصر، حافظوا على بلادكم الحبيبة، فلو ضاعت أرض الكنانة ضاع الوطن العربي؛ فمصر هى الدرع الواقى للوطن العربى، أما الإعلام العربى فأتمنى أن يعبر أكثر عن الجمهور، وأن ينقل الأحداث بمصداقية شديدة، لتوعية الجمهور المستهدف من المادة الإعلامية الموجهة له، لأن مستقبل العرب فى ضباب. بعيداً عن السياسة.. لماذا لا تقدم عروضاً غنائية؟ - ليس الأمر بيدى، فما يعرض علىّ أوافق عليه، وآخره عرض مسرحية «عناقيد الضياء»، التى قدمناها فى إحدى الدول العربية، وكانت شيئاً راقياً سعدت بالمشاركة فيه، فدائماً أنا بابى مفتوح.