الخصخصة والمعاش المبكر أطاحا بآلاف العمال.. والمصانع الصغيرة دون غزول حالهم من حال صناعتهم، بؤس، كساد وركود، هذا هو حال صناعة الغزل والنسيج والعاملين فيها، فمنذ أن أصبحت صناعة الغزل والنسيج صناعة هامشية وأحوال عمالها باتت يرثى لها، فرغم أنها واحدة من أقدم الصناعات فى مصر، إلا أن إهمالها خلال الأربعين عاما الماضية لصالح المستورد أدى إلى تدهورها، وبالتالى تدهور أحوال عمالها، الذين يبلغ عددهم حوالى ربع مليون مواطن يعملون فى الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، منهم 63 ألفاً فقط يعملون فى الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام البالغ عددها 32 شركة، فى حين يعمل الباقون فى القطاع الخاص ومع ذلك فأحوالهم لا تختلف كثيرا عن شقاء عمال «الميرى». الكل فى الهم سواء، فكل عمال الغزل والنسيج يعانون، سواء كانوا يعملون فى القطاع العام أم الخاص، فمنذ سنوات طويلة وشركات الغزل النسيج تعانى من خسائر ومشكلات بالجملة، ومع بدء برنامج الخصخصة زادت المعاناة، حيث بدأ برنامج تدمير شركات القطاع العام تدميراً ممنهجاً، وهو ما أدى لزيادة خسائرها وزيادة معاناة عمالها، الذين هبوا مرات عديدة مطالبين بحقوقهم، حيث انعكس حال هذه الشركات على العمال، والذين ساءت أحوالهم أكثر وأكثر، فقد بلغت خسائر شركات الغزل والنسيج حوالى مليار و37 مليون جنيه، فى حين بلغت مديونيتها للبنوك حوالى 8 مليارات جنيه، هذا الحال أدى إلى قيام الحكومة ببيع عدد من الشركات وكان شرط المستثمر للشراء التخلص من العمال، وبالفعل خرج عدد كبير من العمال للمعاش المبكر لتبدأ معاناة من نوع جديد، فالمعاشات هزيلة لا تكفى لشىء ومن ثم خرجوا للبحث عن عمل فى مصانع القطاع الخاص، ليكتشفوا أن الحال ليس أفضل كثيراً. أحد هؤلاء الضحايا هو عم محمد أحمد صاحب ال 68 عاماً الذى لم يكفه مبلغ المعاش لأكل العيش الحاف – كما قال - فذهب بحثاً عن عمل فى أحد المصانع الخاصة بمنطقة شبرا الخيمة، إلا أن وقف الحال طارده، ويحكى عم محمد معاناته قائلاً: بعد أن خرجت للمعاش اكتشفت أن المبلغ الذى أتقاضاه لا يكفى لتلبية مطالب البيت، خاصة أن لدى 5 أبناء منهم على وشك الزواج، ومنهم من ينتظر، فلم أجد أمامى سوى العودة للعمل لزيادة دخلى، فرحت أعمل فى أحد المصانع الصغيرة، إلا أن الحكومة التى دمرت شركاتنا أصرت على تدمير الصناعة بالكامل، فقد أغلقت مصانع الغزل فى شبين، قنا، ميت غمر، حلوان والمنيا، ولم تعد المصانع الصغيرة تجد الغزل لتعمل، فقلت ساعات العمل من 12 ساعة إلى 8 فقط، وهو ما انعكس على أجورنا الزهيدة أصلا، فأصبحت أحصل على 30 جنيهاً فى اليوم بدلا من 50، وأحيانا المصنع يتوقف لأيام طويلة بسبب نقض الغزول، ولا نحصل على شيء، وأضاف: الحكومة تسعى الآن لبناء العاصمة الإدارية بمئات المليارات وتركت المصانع تغلق والعمال يتم تشريدهم ولا تشعر بمعاناتنا، واستطرد: «حكومة نايمة فى العسل لا تشعر بمعاناة الناس، فالأسعار فى ازدياد مستمر، والمعاشات لا تزيد إلا 10% كل عام بعد أن كانت 15%، والدخل الإضافى حسب الظروف، نعمل ايه ونعيش إزاى.. دبرينا يا حكومة». وأشار غالى ثابت، عامل بأحد المصانع، إلى أن أحوال عمال الغزل والنسيج أصبحت سيئة أكثر من ذى قبل، فالغزول غير متوافرة والمصانع تغلق أبوابها بالأسابيع، وعندما تعمل لا تعمل بطاقتها الكاملة، لذلك فيومياتنا أصبحت أقل وفترات توقف المصنع لا نحصل فيها على رواتب، وأضاف مشاكلنا انعكست على بيوتنا ولكن ما باليد حيلة، أطفالنا فى المدارس والدروس الخصوصية لا ترحم ومشكلاتنا ليس لها حل إلا أن تقتنع الحكومة بأهمية هذا القطاع وتحاول إحياءه من جديد. أما هانى عدلى الذى يحصل على 70 جنيهاً يومياً من المصنع الذى يعمل فيه فيؤكد أن هذا المبلغ لم يعد يكفى شيئاً فى ظل هذا الغلاء الفاحش، وأضاف: إذا اشتغلت الشهر كله - وهذا نادراً ما يحدث - أحصل على 2000 جنيه، أدفع منها 420 جنيهاً إيجاراً، و300 جنيه دروساً لأبنائى الاثنين، و100 جنيه كهرباء ومياه، ومطلوب منى أعيش بالباقى أكل وشرب وعلاج ومصاريف مدارس، وقال: ربنا هو العالم بحالنا، كل يوم تطلع فيه الشمس بتزيد مشاكلنا ومع ذلك الحمد لله على كل شىء. مشاكل الشركات ومنذ سنوات عديدة وشركات الغزل والنسيج الحكومية تعانى مشاكل بالجملة بدءا من عدم تشغيلها بكامل طاقتها التى انخفضت فى بعض الشركات إلى 63%، بالإضافة إلى سوء حالة المعدات والآلات وانتهاء عمرها الافتراضى، وهو ما أدى إلى بيع عدد كبير منها وحتى الشركات التى قضت المحكمة بإعادتها للدولة مثل غزل شبين واجهتها المشكلات، وهو ما أدى إلى تشريد آلاف العمال بعد خروجهم للمعاش المبكر، فلم يجدوا أمامهم سوى العمل فى مصانع صغيرة مثل عادل متولى صاحب ال 64 عاماً، الذى دفعه الغلاء وارتفاع الأسعار إلى العمل فى مصنع صباغة بعد خروجه للمعاش المبكر ليرفع دخله 1000 جنيه إضافية يحصل عليها من المصنع الصغير، وأكد لنا أن العمال لم يعد لديهم أى إحساس بعيدهم، فأحوالهم خراب مثل المصانع التى كانوا يعملون فيها، وأضاف كنت أعمل بشركة إسكو وخرجت للمعاش المبكر، ولكنى فوجئت بالمبلغ الذى أتقاضاه 700 جنيه لا تكفى لشيء ولدى 5 أبناء، منهم بنتان فى سن الزواج، لذلك اضطررت للعمل فى هذا المصنع، صاحبه يفعل ما يستطيع معنا، ولكن حالة السوق سيئة، ويعانى زميله عادل إبراهيم من نفس المشكلة فقلة مبلغ المعاش دفعهما إلى العمل فى نفس المصنع، وأكد أن حياة عمال الغزل والنسيج معاناة لا تنتهى، ففى شركات الحكومة كانت المعاناة من انخفاض الأجور وزيادة مدة ساعات العمل، وفى القطاع الخاص الأجور أيضا منخفضة والسوق واقف ورغم أن ساعات العمل أقل 8 (ساعات فقط)، إلا أن الدخل أيضاً قليل، ولا نملك سوى القبول بما رزقنا الله به. مشكلات عمال الغزل والنسيج فى القطاعين العام والخاص ترى لجنة إنقاذ الصناعة أنها ستنتهى بمجرد انتهاء مشكلات الصناعة نفسها، وحددت اللجنة عدة مقترحات لذلك وهى تشكيل لجنة دائمة من وزراء الصناعة والتجارة والاستثمار والقوى العاملة والهجرة والمالية ورئيس غرفة الصناعات النسجية، ورئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج ورئيس الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، مهمتها بحث المشاكل التى تعترض هذه الصناعة وإيجاد حلول لها، مع ضرورة وجود سياسة دائمة للقطن تسمح بزراعة مساحة سنوية ثابتة منه، لتوفير الكميات المطلوبة للسوقين المحلى والخارجى، واستزراع أصناف جديدة تفيد الصناعة الوطنية، وتوجيه الدعم للفلاح لتشجيعه على زراعة القطن، وتعديل التعريفة الجمركية الخاصة بالصناعات النسجية للغزل والخيوط من 5% إلى 10%، والأقمشة من 10 % إلى 30%، والملابس الجاهزة من 30% إلى 40%، مع ضرورة مكافحة تهريب الأقمشة والملابس الجاهزة المستوردة التى أضرت بالصناعة الوطنية. فهل يأتى على عمال الغزل والنسيج يوم يشعرون فيه بالعيد أم أن الأوضاع ستظل على ما هى عليه من سيئ لأسوأ؟