أودعت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار حسن فريد، حيثيات حكمها بمعاقبة حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، بالسجن المشدد 7 سنوات، بالقضية المعروفة إعلاميًا ب"الاستيلاء على أموال وزارة الداخلية". قالت المحكمة إن المتهمين، وعددهم 13 متهمًا، هم: حبيب العادلى، نبيل سليمان سليمان خلف، أحمد عبدالنبى، جمال عطا الله، محمد أحمد أحمد الدسوقى، سمير عبدالقادر محمود منصور، بكرى عبدالمحسن عبدالسلام الغرباوى، صلاح عبدالقادر عفيفى، فؤاد محمد كمال إبراهيم، نوال حلمى عبدالمقصود، عادل فتحى محمد، علا كمال حمودة، محمد ضياء الدين. وأضافت: "خلال الفترة من سنة 2000 وحتى 15/7/2011، أولًا قام المتهم الأول حبيب العادلى، بصفته موظفًا عموميًا ومن القائمين بأعباء السلطة العامة (وزير الداخلية ) استولى بغير حق وبنية التملك على مبلغ مقداره 530514024ج (خمسمائة وثلاثون مليون وخمسمائة وأربعة عشر ألفًا وأربعة وعشرون جنيهًا) المملوك للدولة (وزارة الداخلية)، حال كونه الوزير المختص، بأن وافق على خلاف أحكام القانون وبغير مقتضى على صرف مبالغ من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة (الأجور والتعويضات)، تحت مسمى احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية، واختص منها بالمبلغ المذكور، وقد ارتبطت هذه الجناية بجناية تزوير ارتباطًا لا يقبل التجزئة، وهى الجناية موضوع الاتهام الوارد بالبند رابعًا". ثانيًا: المتهم الثانى نبيل سليمان سليمان خلف ، بصفته موظفًا عموميًا (رئيس الإدارة المركزية للحسابات والميزانية بوزارة الداخلية بدرجة وكيل وزارة) استولى بغير حق وبنية التملك على مبلغ 41155195 جنيه (واحد وأربعون مليونًا ومائة وخمسة وخمسون ألفًا ومائة وخمسة وتسعون جنيهًا)، المملوك للدولة (وزارة الداخلية) حال كونه المختص بالعرض على وزير الداخلية (المتهم الأول) حصل على موافقته على صرف مبالغ من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة (الأجور والتعويضات) على خلاف القانون وبغير مقتضى تحت مسمى احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية، وكلف المتهمين الثالث والرابع باستلامها وإيداعها فى خزائن غير رسمية وحصل منها على المبلغ المذكور على النحو المبين بالتحقيقات وقد ارتبطت هذه الجناية بجنايتى تزوير واستعمال المحررات المزورة إرتباطًا لا يقبل التجزئة وهما الجنايتان موضوع الاتهامين الواردين بالبندين رابعًا وخامسًا. كما استولى بغير حق وبنية التملك على مبلغ مقداره 21000000 جنيه (واحد وعشرون مليون جنيه) المملوك للدولة (وزارة الداخلية) من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة (الأجور والتعويضات) وذلك بأن أمر المتهم الرابع بأن يسلمه المبلغ الذى كان فى عهدته حال كونه الرئيس المباشر له فسلمه إياه على النحو المبين بالتحقيقات. وأضافت الحيثيات بأن المتهمين الأول والثانى، بصفتهما السابقة ارتكبا فى أثناء تأدية وظيفتهما تزويرصا فى محررات رسمية هى مذكرات العرض على الوزير لتقرير الحوافز للعاملين بالوزارة بأن قام المتهم الثانى بزيادة عبارة احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية على بياناتها وقرينها مبلغ مالى على خلاف الحقيقة وهو ليس من الحوافز بناءً على أوامر المتهم الأول الذى قام باعتمادها بالموافقة على الصرف بأن مهرها بكلمة موافق. واستطردت: وبصفتهم من أصحاب الوظائف العمومية (الوظائف المبينة قرين أسمائهم) استعملوا المحررات المزورة (مذكرات العرض على الوزير المتضمنة مبالغ مالية بمسمى احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية) فيما زورت من أجله بأن سلمها لهم المتهم الثانى بعد تزويرها وقام الباقون برصد ما تضمنته من مبالغ باستمارات الصرف 132ع.ح ومراجعتها واعتمادها وهى غير صالحة للصرف بموجبها من خزينة الوزارة مع علمهم بتزويرها على النحو المبين بالتحقيقات. لتردف المحكمة فى حيثياتها: المتهمون من الثالث حتى الأخير: سهلوا للمتهمين الأول والثانى الاستيلاء بغير حق على المبالغ المبينة ببنود الاتهام أولًا وثانيًا وثالثًا بأن رصد المتهمان الثالث والرابع المبالغ التى وردت بمذكرات العرض بالموافقة تحت مسمى احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية باستمارات الصرف 132ع.ح وراجعها المتهمان الخامس والسادس واعتمدها ووافق عليها المتهمون من التاسع حتى الأخير على خلاف أحكام القانون، وأصدروا الشيكات الخاصة بها وقام المتهمان السابع والثامن بصرفها وتسليمها للمتهمين الثالث والرابع اللذين قاما بتسليمها للمتهمين الأول والثانى بغير وجه حق على النحو المبين بالتحقيقات وببنود الاتهام أولًا وثانيًا وثالثًا وقد ارتبطت هذه الجناية بجناية استعمال المحررات المزورة إرتباطًا لا يقبل التجزئة وهى الجناية المبينة ببند الاتهام السابق. وأشارت المحكمة إلى أن المتهمين جميعًا أضروا عمدًا بأموال الجهة التى يعملون بها (وزارة الداخلية) بما مقداره 1134900371ج (مليار ومائة وأربعة وثلاثون مليون وتسعمائة ألف وثلاثمائة وواحد وسبعون جنيهًا) بأن أضاف المتهم الثانى على خلاف القانون بمذكرات العرض المتضمنة بنود حوافز العاملين بالوزارة بندًا بمسمى احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية وحدد له قرينه مبلغًا ماليًا بناء على أوامر المتهم الأول الذى وافق على صرفه، وقام المتهمان الثالث والرابع بتجميع تلك المبالغ وقيدها باستمارات الصرف 132ع.ح دون تحديد اسم الجهة المستحقة للمبالغ أو الشخص المنوط به استلامها، وقام المتهمون الخامس والسادس، والمتهمون من التاسع حتى الأخير بمراجعتها واعتمادها والموافقة عليها وهى غير صالحة للصرف بموجبها وإصدار الشيك وصرفه ثم قام المتهمان السابع والثامن بصرف المبالغ من الخزينة وسلموها للمتهمين الثالث والرابع حال كونهما ليسا من أرباب العهد فأودعاها فى خزائن غير رسمية والصرف منها فى غير أغراض الصرف القانونية بناءً على أوامر المتهمين الأول والثانى، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. لتتابع بأن المتهمين جميعًا عدا السابع والأخير، أضروا عمدًا بأموال الجهة التى يعملون بها (وزارة الداخلية) بما مقداره 688821399 جنيه (ستمائة وثمانية وثمانون مليون وثمانمائة وواحد وعشرون ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعون جنيهًا) بأن وافق المتهم الأول بعد العرض عليه من المتهم الثانى على صرف مبالغ من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة على خلاف القانون وبغير مقتضى، وذلك بموجب استمارات الصرف 132ع.ح التى راجعها واعتمدها ووافق عليها المتهمون الخامس والسادس، والمتهمون من التاسع حتى الثاني عشر، وأجرى المتهم الثامن صرفها للمتهمين الثالث والرابع، وتم إنفاقها فى غير أغراض الصرف القانونية، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. قالت المحكمة إن الواقعة حسبما استقرت في يقينها واطمأن إليها ضميرها وارتاح لها وجدانها مستخلصة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أن هرم السلطة في مصر ينقسم إلى ثلاث سلطات، الأولى: السلطة التنفيذية، والثانية: السلطة التشريعية، والثالثة: السلطة القضائية، وتنقسم السلطة التنفيذية إلى رئيس للدولة ورئيس وزراء ووزراء وهو ما تسمى الحكومة ويقبع على كل وزارة وزير يكون مسئولًا سياسيًا أمام رئيس الوزراء ورئيس الدولة عن حسن إدارة وزارته فهو المسئول الأول عن وزارته فهو على رأس السلطة بوزارته. ثم تقسم ميزانية الدولة على كل الوزارات وتقوم وزارة المالية بتوزيع بنود الميزانية داخل كل وزارة حددها القانون رقم 53 لسنة 1973 والمسمى الموازنة العامة للدولة ثم وزارة المالية تقوم بدفع موظفين لتنفيذ بنود الميزانية ومراقبة تطبيقها والعمل على تنفيدها وصولًا لطرق صرفها ثم تقوم الدولة بالمراقبة عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يطبق القانون رقم 127 لسنة 1981 الذي بدوره أخضع الوزارات إلى المراقبة وفحص أعمالها ثم يطبق قانون العاملين المدنيين رقم47 لسنة 1978 ثم قانون الشرطة في الحالة المعروضة رقم 109 لسنة 1971 ثم اللوائح والقرارات المنظمة. لتضيف: أن هؤلاء الأظناء (المتهمين) الذين إئتمنوا على أموال الدولة (ميزانية وزارة الداخلية)، إلا أن شراهتهم ونفسهم الأمارة بالسوء سوّلت لهم ارتكاب الجرائم الساقطة، فقد أصبح مكتب المتهم الأول (وزير الداخلية) السابق، الذى وفرته له الدولة واستأمنته فيه مكانًا لا يجد حرجًا فى أن ينزع من مال وقوت الشعب ما ليس مستحقًا له من دون أن يأبه بما يفرضه عليه الجلوس فوقه من هيبة وأمانة. فيبدو أن الأهواء التى جمحت بنفسه وباقى المتهمين حجبت عنهما كل ما هو دون مصلحتهم وأطماعهم فصاروا لا يعبأون إلا بما يحقق لهم الكسب وجمع المال، فقد باعوا أنفسهم وتحالفوا مع الشيطان الذي زين لهم أن جمع المال الحرام الزائف سيحقق لهم السعادة من دون أن يدركوا أن هذا المال سيدخل عليهم وعلى أولادهم نار جهنم، فهم يشتهون المال الحرام لتحقيق نعيم زائف ظنًا منهم أن المال المكنوز سيغنيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به)، صدقت يا رسول الله، فهذا المال مال عام ملكًا للدولة، أي تحصل من أموال الشعب ومن قوته، فكان عليهم التحري عن مصدر الرزق إلا أنهم لا يأبهون بشرع أو قانون. فقد تمادوا فى انتهاك حرمة المال العام والعدوان عليه واستباحوا التصرف فيه كيفما شاءوا، فكانوا يغترفون منه ويغدقون على أحبائهم منه من دون حساب، فالمتهم الأول، هو وزير الداخلية الأسبق، كان على قمة الهرم المسئول عن حفظ الأمن بهيئة الشرطة، التى نصت المادة 206 من الدستور المصرى، على أن الشرطة هيئة مدنية نظامية، فى خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام العام، والآداب العامة، وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فمهمة رجل الشرطة ودوره في المجتمع مهمة الحارس الأمين، الذى تظل عينه يقظة مهما غفلت العيون، ويرعى المصالح ويردع المفسدين والمجرمين. لتعقب المحكمة: المتهم الأول، هو وزير الداخلية الأسبق، الذى كان يتعين أن يكون القيّم على نظام المجتمع وأنظمته، إذ فى وجوده يشعر الناس بالأمان، وفى ظل إتقانه أداء مهامه يطمئن مهيض الجناح بأن القانون قد خوّل رجالًا تعيد الحقوق إلى أربابها، فتنتصر للمظلوم من الظالم، وللضعيف من صاحب الجاه والنفوذ، ودونهم تصبح الحياة فوضى، وتنتهك فيه القوانين. والطامة الكبرى أن تنتهك بأيدى القوامين على حماية حرمتها، وأن الراعى المسئول عن أمن رعيته أباح لنفسه إنتهابها بالسحت، وسلك فى سبيل تحقيق مآربه، طريق التضليل والبهت، فصار المنصب الذى بوئ به ليحول دون الفساد والإفساد، مرتعًا بل وكرًا تسول له نفسه أن يشبع منه نهمه، ويلبى فيه رغباته، ما دنؤ منها وما سفل، وما صح منها وما بطل، حتى غدا سوطًا يسلطه على رقاب العباد، ليتكسب به مطامع شخصية، وأضحى عمله الذى استرعته الدولة فيه، طعمة يقتات بها من جسد الرعية، فيأكل أموالهم بالباطل، ويستغل منصبه الشريف ليحصل على نعيم زائل. لتتابع: إذا كانت الشرطة هيئة مدنية نظامية، كلفتها الدولة بحفظ أمنها ونظامها، والقبض على الجناة والمفسدين، فكيف يصير حالها، إذا أصبح الحافظ الأمين خائنًا، والقابض الرادع جانيًا ومفسدًا، والمخول بحفظ النظام مخلًا. إن انتشار وباء الفساد فى المرفق المخول لها التصدى له يحط على مر الزمن من قدر الأمة، ويعوق سيرها نحو الرقى ويزعزع الشعور بالثقة والعدل بين أفرادها وحينئذ ينهار الكيان الاجتماعى وتسيطر روح الفتك والخيانة والدنس وتضحى حياة الأفراد دون حياة الغاب، لا كرامة فيها، ولا عزة، ولا أمن، ولا مساواة، ولا شرف، ولا رحمة، وقد نهى الله عن أكل أموال الناس بطرق غير مشروعة، وكأنه لم يقرأ قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم ْوَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (الأنفال 27). (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) ( البقرة – 188)، إن العين التى تتربص بالناس فتؤذيهم من حيث تنتظر الحماية، وتأكل أموالهم بالباطل وهم يظنون بها الصون والرعاية، لهى عين ترفعت عن الحلال، وتكحلت بالإثم والضلال، فتذرف للخداع والإيهام دموعًا وقحة، وتترقب الناس لتنفذ من مثالبهم إلى إشباع نفوسها الشبقة، فهى عين لا تكبر صاحبها بل تخزيه، وتستحل ما حرمه الله، ومن حلة الشرف والأمانة تعريه، فهم فئة ضالة منافقون لأنهم يظهرون خلاف ما يبطون فسقطت الأقنعة الزائفة. ومخالفًا بذلك القانون والدستور الذى أقسم على احترامهما. والمتهمون الباقون هم مسئولون أيضًا، وضعوا المال نصب أعينهم، ونسجوا خطة محكمة للاستيلاء عليه، غير عابئين بالوسيلة، ظانين أن أعين الله لا تراهم، معتقدين أن يد القانون لن تطالهم، متدثرين بمال وسلطان. وأضافت: كشفت وقائع القضية ببلاغ مقدم ضد المتهم الثانى– رئيس الإدارة المركزية للحسابات والميزانية بوزارة الداخلية سابقًا – أمام إدارة الكسب غير المشروع بوزارة العدل لتضخم ثروته، وبوشر التحقيق وشكلت لجنة لفحص الموضوع أثناء قيام اللجنة المشكلة من هيئة الفحص والتحقيق بإدارة الكسب، وبفحص تلك الشكوى فجعت بكم من المخالفات المالية التى ظهرت بالميزانية الخاصة بوزارة الداخلية، إذ كان ذلك بداية لكشف الفساد المستشري بحسابات وزارة الداخلية، ثم توالت أعمال الفحص إلى أن تأكدت الحقيقة بالتقرير الذى أودع من اللجنة المشكلة من هيئة المحكمة التى أكدت صحة ما توصلت إليه سابقتها من فحص، إذ انتهت إلى إظهار السلوك المادى للجرائم محل الاتهام، وذلك بقيام الإدارة المركزية للحسابات والميزانية بوزارة الداخلية فى الفترة ما بين السنة 2000 وحتى السنة 2011، التى كان يترأسها المتهم الثانى بإعداد مذكرات لصرف حافز إثابة بمناسبة قيام الإدارات والمصالح المختلفة بوزارة الداخلية بالمطالبة بصرف ذلك الحافز للعاملين بها،إلا أن المتهم الثانى هداه فكره الشيطانى إلى الحيلة التى استطاع من خلالها نزع المال العام الذى استأمنته الدولة عليه، إذ ضمن تلك المذكرات (بزيادة عبارة احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية على بياناتها وقرينها مبلغ مالى على خلاف الحقيقة، وهو ليس من الحوافز بناءً على أوامر المتهم الأول، الذى قام باعتمادها بالموافقة على الصرف بأن مهرها بكلمة (موافق) ببند حسابى وهمى أطلق عليه من وحى خياله عبارة "احتياطى مواجهة أهداف أمنية"،وليس هذا بغريب عليه، إذ اشتهر عنه ثراء خياله فاستثمره فى الإثم والعدوان على المال العام، وقدم مذكرات الصرف للمتهم الأول، وكانت هنا الفاجعة الثانية، إذ اعتمدها الأخير ووافق عليها متفقًا معه، ليطلق له العنان لاستباحة المال العام، ليغترف منه كيفما ووقتما يشاء. وأن تلك الموافقة لإسباغ الشرعية على إجراءات الصرف مع علمهما بمخالفة هذا الأمر للقواعد الحسابية كافة المقررة بموجب قانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973، وقانون المحاسبة الحكومية رقم 127 لسنة 1981، فضلًا عن قانون الشرطة رقم 109 لسنة1971، فقد خرجت منظومة الصرف التي أتاها المتهمان الأول والثانى وباقى المتهمين عن أحكام القوانين واللوائح كافة التي تنظم صرف الحوافز باغية الاستيلاء على المال العام وتسهيل الاستيلاء على المال العام، وإضافته لملكهما. فدنس المتهم الأول كرسيه بمسالك اللصوص، وتمكن من الاستيلاء على مَبْلَغ 529491389 مِلْيُونُ جنيه (خمسمائة وتسعة وعشرون مليونًا وأربعمائة وواحد وتسعون ألفًا وثلاثمائة وتسعة وثمانون جنيهًا)، إذا كان الأساس فاسدًا مختلًا فكيف يكون باقى البناء معافى صحيحًا، وهنا جاء دور المتهم الثانى الذى كان يشغل رئيسًا للإدارة المركزية للحسابات والميزانية بوزارة الداخلية، وكان يتعين أن يكون أشد الناس حرصًا على أموالها، إذ استولى على مبلغ 21120212 مليون جنيه (واحد وعشرون مليونًا ومائة وعشرون ألفًا ومائتين واثنى عشر جنيهًا) من الأموال التى صرفت تحت هذا المسمى الوهمى "احتياطى مواجهة أهداف أمنية"، ولم يكتفِ بذلك بل أمر المتهم الرابع، الذى انقضت الدعوى الجنائية بوفاته، بأن يسلمه المبلغ الذى كان فى عهدته من اعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة الخاص بالأجور والتعويضات حال كونه الرئيس المباشر له والبالغ 41000000 جَنيَهُ (واحد وأربعون مليون جنيه) فقام والمتهمان الثالث والرابع، الذى انقضت الدعوى الجنائية بوفاته، بتظفير العديد من هؤلاء الأحبة من وزراء الداخلية والمحافظين ومساعدى الوزير السابقين ولبعض الضباط والأفراد العاملين بالوزارة وآخرين من غير العاملين فيها من أهل الثقة والولاء مبالغ مالية غير مستحقة وقدرها 195936307 جنيه (مائة وخمسة وتسعون مليونًا وتسعمائة وستة وثلاثون ألفًا وثلاثمائة وسبعة جنيهات)، وكذا الصرف على مشتريات لم يتم إضافتها لجهة عملهم ودفع قيمة فواتير هواتف جوالة ومنزلية بآلاف الجنيهات، بل وصل الأمر أيضًا باستفادة المتهم الثانى من المال العام فى سداد قيمة الصور الفوتوغرافية الخاصة بمناسباته الاجتماعية هو وأسرته، وقدرت إجمالى تلك المبالغ بنحو 195936307 جنيه (مائة وخمسة وتسعون مليونًا وتسعمائة وستة وثلاثون ألفًا وثلاثمائة وسبعة جنيهات) ووصل بهم الأمر لسرقة قوت الشعب وإاستباحة المال العام الذى استأمنتهم الدولة عليه. إلا أنه لم يكن فى وسع أى من هؤلاء أن يستبيحوا هذا المال إلا بواسطة باقى المتهمين، إذ كان المتهمان الثالث والرابع، الذى انقضت الدعوى الجنائية بوفاته، يقومان برصد مبالغ مالية بمذكرات العرض تحت ما يسمى "احتياطى مواجهة أهداف أمنية" باستمارات الصرف 132ع ح، وهى غير صالحة للصرف، ويقوم المتهمان الخامس والسادس، والذى انقضت الدعوى الجنائية بوفاته، والثالث عشر بمراجعتها، وقيام المتهمين من التاسع حتى الثاني عشر، وهم المنوط بهم مراقبة إجراءات الصرف والتأكد من مطابقتها للقواعد والأنظمة المقررة فى هذا الشأن باعتمادها وهم ممثلو وزارة المالية لدى وزارة الداخلية الذين حملتهم جهة عملهم أمانة مراقبة إجراءات صرف أموال الدولة، وهم من اصطلح على تسميتهم بلقب المراقب المالى إلا أنهم خانوا الأمانة. ومن لب الخيانة نستخلص اليوم تلك البذور الآثمة، إذ وافقوا على صرف تلك الاستمارات واعتمدوها وتمادوا فى غيهم بإصدار الشيكات الخاصة بقيمتها، ملقين خلف ظهورهم ما تفرضه عليهم واجبات وظيفتهم. ثم قام المتهمان السابع والثامن بالاحتفاظ بتلك المبالغ فى خزائن غير رسمية، مرتضين العبث بتلك الأموال وانتهاكها، لاسيما إذا كانت الدولة أناطت بهما وهما من الأمناء على الودائع الحفاظ عليها إلا أنهما راحا يعبثان بها ويطلقون لغيرهم العنان ويسمحون لهم باستغلالها غير عابئين بما تفرضه عليهما قواعد وظيفتهما. وتسببوا فى إهدار أموال هذا الشعب بمبالغ تقشعر لها الأبدان بلغت 1135795341 مليار جنيه (مليار ومائة وخمسة وثلاثون مليونًا وسبعمائة وخمسة وتسعون ألفًا وثلاثمائة وواحد وأربعون جنيهًا) من المبالغ التى يتضمنها البند المسمى "احتياطى مواجهة أهداف أمنية"، ومبلغ 688821399 جنيهًا ( ستمائة وثمانية وثمانون مليونًا وثمانمائة وواحد وعشرون ألفًا وثلاثمائة وتسعة وتسعون جنيهًا) من المبالغ الخاصة باعتمادات الباب الأول من موازنة الوزارة. وثبت للمحكمة من واقع تقارير اللجان المنتدبة من قاضى التحقيق وهيئة المحكمة أنه لا يوجد مخصصات بمسمى احتياطى مواجهة أهداف أمنية خصمًا من اعتماد الباب الأول أجور وتعويضات، كما أن موازنة وزارة الداخلية والحساب الختامى لا تتسع لتشمل مسمى احتياطى مواجهة أهداف أمنية لأنه ليس من البنود القانونية أو المطبقة فعليًا لأنه مسمى مستحدث وغير مسبوق وغير متعارف عليه محاسبيًا ولا يوجد فى المحاسبة الحكومية والموازنة العامة للدولة ما يطلق عليه إحتياطى مواجهة أهداف أمنية، لأن العبرة بالصرف الفعلى وليس تقديريًا ومستقبليًا ولا يوجد ما يحتاط منه. وما خلص إليه تقريرا اللجنتين المنتدبتين من السيد قاضى التحقيق ومن هيئة المحكمة، واللذان جاء مؤداهما صرف مبالغ مقدارها 1135795341 مليار جنيه (مليار ومائة وخمسة وثلاثون مليونًا وسبعمائة وخمسة وتسعون ألفًا وثلاثمائة وواحد وأربعون جنيهًا) خلال الفترة من سنة 2000 حتى الخامس عشر من شهر يوليو من عام 2011 (15/7/2011) من موازنة وزارة الداخلية الباب الأول فرع (2) مصلحة الأمن والشرطة، والخاص بالأجور والتعويضات بمسمى احتياطي الأهداف الأمنية، وهو مصطلح لا معنى له ولا وجود له في موازنة الوزارة، وذلك بطريقة مخالفة للنظم المحاسبية والقانونية، وهى إضافة المسمى المشار إليه بمذكرات العرض التي كانت تعرض على وزير الداخلية (المتهم الأول) لإقرار الحوافز للضباط والعاملين بالوزارة وقرين المسمى الأخير مبلغ مالى بلغ فى بعض مذكرات العرض 250000 جنيه ( مائتين وخمسين ألف جنيه) التي كان يعرضها عليه المتهم الثاني. وبعد صدور الموافقة من المتهم الأول بالصرف كان يقوم المحاسبون بالإدارة المركزية للحسابات والميزانية بالوزارة، وهم المتهمون من الثالث حتى السادس، بإعداد استمارات الصرف 132 ع.ح بالمبلغ، ثم يقوم المتهمون من التاسع حتى الثالث عشر باعتمادها على حالتها، بصفتهم ممثلي وزارة المالية في حال كان يجب عليهم الامتناع عن اعتمادها وإصدار الشيك الخاص بها، وبعد صرفه يتسلمه صراف الخزينة ويسلمه للمتهمين الثالث والرابع، الذى انقضت الدعوى الجنائية بوفاته، وهما ليسا من أرباب العهد فيحتفظان به في خزينة غير رسمية والصرف منه بناءً على أوامر المتهمين الأول والثاني على العاملين بالوزارة، أو غيرهم، وعلى أوجه صرف غير مقررة وأخرى غير معروفة. واستلم منه مندوب المتهم الأول مبالغ مالية قدرها 529491389 جنيه (خمسمائة وتسعة وعشرون مليونًا وأربعمائة وواحد وتسعون ألفًا وثلاثمائة وتسعة وثمانين جنيهًا) واستلم المتهم الثاني مبالغ مالية قدرها 21120212 مليون جنيه (واحد وعشرون مليونًا ومائة وعشرون ألفًا ومائتين واثنى عشر جنيهًا) وكانت هذه المبالغ دون وجه حق، كما تم صرف مبلغ آخر مقداره 688.821.399 مليون جنيه (ستمائة وثمانية وثمانون مليونًا وثمانمائة وواحد وعشرون ألفًا وثلاثمائة وتسعة وتسعين جنيهًا) من اعتمادات الباب الأول من موازنة وزارة الداخلية في خلال الفترة من 30/6/2009 حتى 22/1/2011 في أوجه إنفاق غير معروفة، وقد استلم منه المتهم الثاني مبلغ مقداره 41000000 مليون جنيه (واحد وأربعين مليون جنيهًا). وما شهد به أعضاء اللجنة المنتدبة من قاضى التحقيق الذين أكدوا ارتكاب المتهمين لهذه الوقائع على غرار ما أوري تقرير اللجنة المنتدبة من هيئة المحكمة. وما شهد به عيد أحمد إبراهيم رجب، رئيس الإدارة المركزية لحسابات الحكومة، من أن وزارة الداخلية من المصالح التي تخضع لقانون المحاسبة الحكومية، وأن ما كان يتم بالإدارة المركزية للمحاسبات والميزانية من إدراج مسمى احتياطي مواجهة الأهداف الأمنية، بمذكرات العرض بمبالغ كبيرة، وصدور موافقة الوزير عليها، وتجميع هذه المبالغ بملايين الجنيهات، وقيدها باستمارة الصرف 132 ع.ح، من دون توضيح اسم الجهة أو الشخص المنوط به الاستلام ثم صرفها من الخزينة ووضعها تحت تصرف الوزير ورئيس الإدارة المركزية للحسابات والميزانية مخالف للقانون وللضوابط الحسابية المنظمة لذلك.