أيام ويحتفل كل المصريين بمرور عام علي بدء الثورة العفوية التي انطلقت لتمحو عار صمت استمر سنوات عديدة، ولكننا في هذا العام عانينا - ومازلنا نعاني - من انفلات أمني رهيب، حتي إن رئيس وزراء مصر يدير أمور البلد من مكتب يبعد كيلو مترات عديدة.. لأنه عاجز عن دخول مكتبه، حيث المقر الرسمي لرئيس حكومة مصر.. والسبب: غياب أمني رهيب.. تعاني منه مصر كلها وليس فقط رئيس حكومة مصر.. وليس هناك شك في ان كل المصريين يحلمون بعودة الأمن الصحيح.. أمن الشعب وليس أمن الحكام وحدهم.. ولا نريد أن نقول كما يقول البعض، ليعد الامن حتي وان عانينا منه كما عانينا كثيراً في الماضي.. نريده أن يعود ليحفظ حياة الناس.. لا أن يزهق حياتهم.. وبدون وجود الأمن ورجال الامن لا تكون هناك دولة.. ولا يمكن تطبيق أي قانون.. ليسود قانون الشارع.. القوي فيه والبلطجي هو المأمور وهو الضابط.. وهو كل الجنود.. ومن مصلحة اللصوص - كل اللصوص - أن تسود شريعة الغاب في الشوارع ليسرقوا ويخطفوا.. ولقد عاني المواطن في المدينة.. وفي القرية من غياب الأمن.. الخطف اصبح اسلوباً معروفاً.. لم ينج منه طفل او رجل أو سيدة.. ويجب أن تدفع ليعود كل المخطوف، أو تجده مقتولاً.. وتوالي عمليات الهجوم علي محلات الصرافة ومحلات الصاغة.. والصيدليات والسوبر ماركت.. الكل معرض للسرقة.. وعمد الناس إلي وضع ابواب من حديد علي مساكنهم من تحت لفوق.. ونشطت عمليات تركيب الأقفال والكوالين والترابيس.. وبدلا من كالون أصبحنا نجد كالونين.. وبدلا من الترباس ترباسين وربما أكثر وتوقفت مصالح الناس أو كادت، ولم يعد الآباء مطمئنين علي اولادهم في ذهابهم أو عودتهم من المدارس.. وحتي أقسام الشرطة تعرضت للهجوم طلبا لما فيها من اسلحة او لإطلاق المحبوسين ولكن الاهم هو «كسر» احترام الناس لجهاز الشرطة، وللاسف تحقق من ذلك الكثير.. وبعد أن كان المواطن «يعطي» تعظيم سلام لأفراد هذا الجهاز.. انعكس الامر حتي كاد الشرطي يعطي تعظيم سلام للمواطن!! ولا ينكر أحد أن المصري يكاد يطلب الامن ولو علي حساب التنازل عن بعض الاساسيات.. فلا شيء يعادل توفر الامن للمواطن: في الشارع وفي العمل وفي البيت، وعندما غاب الأمن أيام الانسحاب الرهيب كونت الاحياء والشوارع فرقاً من شبابها لحماية المنطقة.. ولو بالنبوت والشومة والسنجة!! وكل هذا مرهون بأن يغير جهاز الشرطة من اسلوب تعامله مع الناس.. وان يعترف بآدمية المواطن.. وأقسم بالله أنني دائماً ما أحس برهبة شديدة كلما اقتربت من قسم الشرطة.. وأخشاه حتي لو كنت ادخله شاهداً أو طالباً لخدمة.. فما كان يروي عما يحدث داخله من حكايات.. كان يشيب له الولدان.. والشعب مستعد للتنازل بعض الشيء. مقابل أن يتنازل هذا الجهاز عن التعالي الذي كان يتعامل به أفراده مع الناس، من هنا نطالب الشرطة بتطهير نفسها.. وان تتغير سلوكياتها.. لتصبح بالفعل في خدمة الشعب.. لا أن تظل في خدمة النظام.. وفي المقابل علينا أن نحترم هذا الجهاز مادام يحترمنا، فكل أفراده جاءوا من هذا الشعب هم ابناء لنا وأخوة وابناء عم وخالة.. وأن نبحث عما يحدث لهم بمجرد دخولهم للخدمة في هذا الجهاز.. ان كانت القوانين هي التي تغيرهم.. لماذا لا نغير القوانين.. وان كان الضباط يتغيرون بسبب السلطة التي بين أيديهم.. نقلل من هذا السلطات أو ننظمها باللوائح.. الشعب يحلم بعودة الأمن.. ولكن بجهاز جديد وعقلية جديدة.. وفي المقابل نرفض عمليات اقتحام أقسام الشرطة.. لأنها رمز السلطة.. رمز الدولة.. ولهذا صممت قيادات الداخلية علي عدم السماح باقتحام المتظاهرين لمبني الوزارة.. وللأقسام، ومن هنا قالها اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية إن الشرطة ستطلق الرصاص علي من يرفع السلاح في وجهها.. ولن تسمح باقتحام الاقسام، وسوف تعيد الاسلحة التي سرقت منها، حتي وجدنا عصابات البلطجة تعترض الناس، في عمليات سرقة بإكراه.. أي باستخدام السلاح.. فهل يا تري تريد الثورة المضادة تخويف الناس من الشرطة.. ليقبلوا عملياتهم الاجرامية.. أهذا هو الهدف.. وهذا هو سبب عمليات الارهاب المتتالية.. مظاهرات أمام مبني التليفزيون.. ومظاهرات في شارع محمد محمود محاولة اقتحام مبني وزارة الداخلية.. ثم مظاهرات بشارع قصر العيني وشارع مجلس الشعب.. وما نتج عنها من عمليات احراق متعمد لكنوز مصر العلمية.. هم يريدون ان يصبحوا سادة الشارع.. ينهبون.. وما هؤلاء بثوار بل نربأ بالثوار ان يفعلوا ذلك.. ويسيطروا علي الاسواق حتي بات الغلاء يأكل الناس.. فالخبز بشق النفس والبوتاجاز والبنزين.. وطبق المدمس أصبح صعب المنال.. وبالسعر الذي يفرضه الباعة.. لا المنطق.. ولقد مضي عام علي هذه الثورة غير المسبوقة.. ويهل عام آخر - بعد أيام ونتمني أن يعود الامن من خلال شرطة جديدة.. وان تتوقف فوراً عمليات الخطف والسرقة تحت تهديد السلاح.. وهذا لن يتم بدون تعاون الطرفين: الشعب والشرطة.. وان يسود الاحترام المتبادل بينهما.. فلا تطعني فئة علي اخري إلا بالحق.. ولن تتقدم أمة إلا من خلال احترام كل فئة للاخري.. وبهذا فقط يعود الأمن وينعم الناس بالأمان.. وهو ما يحلم به كل مصري ومصرية..