في قلب حيّ تل الهوا الراقي جنوب مدينة غزة، اغتيل القائد في كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، مازن فقهاء، وهو أسيرمحرر في صفقة "وفاء الأحرار" في عام 2011، ومنذ إطلاقه عادت إسرائيل لاتهامه بالمسؤولية عن خلايا "حماس" العسكرية في الضفة الغربية، وإدارتها من القطاع. كل أصابع الاتهام، من التحقيقات الأولية التي أجرتها الأجهزة الأمنية، تشير إلى الموساد. على غرار ما جرى أخيرًا مع القائد في "القسام" محمد الزواري، الذي اغتيل بنفس الطريقة في صفاقس التونسية، والمؤشرات مقرونة بالدلائل الأولية أيضًا تشير إلى أنّ الفاعل في كلتا الحالتين واحد. وقد نفّذ الجناة عمليتهم باحتراف، فأطلقوا من كاتم الصوت 5 رصاصات على الجزء العلوي من جسد الشهيد فقهاء، من نقطة صفر، تمامًا كما فعلوا مع الزواري. وعقب عملية الاغتيال، أتهمت حركة حماس إسرائيل بارتكاب الجريمة مؤكدة أن القاتل نفذ العملية بأمر من إسرائيل، وهددت حماس بالرد على ما جرى، والانتقام من إسرائيل وعملائها. لكنّ المثير والمخيف، هو أنّ الاغتيال تم في غزة، وهي أول مرة منذ سنوات طويلة، إذ كلما لاحت فرصة لإسرائيل، اغتالت قياديًا أو ناشطًا فلسطينيًا عبر طيرانها، مما يعني أنّها أرادت هذه المرة اغتيالًا غير مباشر، وتكون بعيدة فيه عن الدخول في حرب مع المقاومة الفلسطينية. ومن جهتها أكدت كتائب القسام :أنّ ما جرى هو "اغتيال صامت"، وأنها لن تسمح لإسرائيل بفرضه عليها دون رد، وجاء بيان نعيها الشهيد بلغة قوية، لتؤكد من جديد أنّ هدفها هو الانتقام له، وعدم السماح لمثل هذه الأحداث بالتكرار في غزة، التي تجاهر "حماس" علانية بفرض سيطرتها الأمنية والانضباط وغياب الانفلات الأمني فيها. وأكد المتحدث باسم حركة "حماس"، عبد اللطيف القانوع : أنّ "الاحتلال الإسرائيلي وعبر اغتياله الشهيد فقهاء يحاول رسم معادلة جديدة في طبيعة الصراع، وهو ما ترفضه كتائب القسام ولن تسمح بتثبيته، محملاً الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الجريمة وتبعاتها". وأضاف :أنّ "الاحتلال يمتلك الإمكانيات والأجهزة الاستخباراتية العالية للوصول إلى أي مكان كما جرى من قبل في حوادث اغتيال لقادة المقاومة في عواصم عربية وأوروبية، إلا أنّ الاحتلال سيفشل في تثبيت هذه المعادلة وستكسرها المقاومة الفلسطينية". وشدّد على أنّ "المقاومة الفلسطينية وحركتها وجناحها العسكري لن تقبل بمثل هذه المعادلة، وستكون حادثة الاغتيال التي تمت داخل القطاع هي الأخيرة، وسيدفع الاحتلال والجناة المشاركون في العملية الثمن على اغتيال الشهيد فقهاء". من جهته، لفت مدير مركز "أبحاث المستقبل" في غزة إبراهيم المدهون : أن "عملية اغتيال الشهيد فقهاء داخل مدينة غزة كانت مفاجأة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية ولسكان القطاع، عبر محاولة رسم معادلات جديدة ،وتجاوز معادلة الاشتباك القائمة بين الاحتلال وكتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس". ورأى أن "حركة حماس ستحاول امتصاص الضربات، وستعمل على إعادة ترتيب أوراقها ومعرفة الجناة والمنفذين بشكل كامل، على الرغم من الصدمة التي حدثت بعد اغتيال فقهاء، إلا أن الحركة التي تدير شؤون القطاع اعتادت على الصدمات والدخول في مواجهات مختلفة". وهددت إسرائيل مرارًا في الآونة الأخيرة باستهداف الأسرى المحررين والمبعدين إلى غزة، والذين أعادوا نشاطهم العسكري في المقاومة، وتلقت عائلة الشهيد فقهاء تحذيرات إسرائيلية متكررة بأنّه معرض للاغتيال، بعد اعتراف فلسطينيين اعتقلتهم قوات الاحتلال بأنه مسؤول عن تجنيدهم لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، في الضفة والقدس المحتلتين. جدير بالذكر أن فقهاء، أسير من "حماس"، أفرج عنه في 2011، بصفقة "جلعاد شاليط"، وتم إبعاده إلى القطاع، كشرط إسرائيلي للموافقة على إطلاقه، وهو من مدينة طوباس بالضفة الغربيةالمحتلة، وهو أيضاً مهندس عملية الرد على اغتيال القائد العام الأول لكتائب القسام، صلاح شحادة.