يأتى احتفال دولة الكويت هذه الأيام بالعيد الوطنى السادس والخمسين وذكرى التحرير السادسة والعشرين والذى يتزامن مع الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لتولى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم فى البلاد، ويأتى ذلك فى ظل تجربة ديمقراطية رائدة تعيشها الكويت وفى أعقاب انتخابات مجلس الأمة الجديد التى جرت فى نوفمبر الماضى و أظهرت مدى التنوع والثراء الديمقراطى للشعب الكويتى. ولقد قامت دولة الكويت على أسس ومبادئ الديمقراطية الحقة، فمنذ تأسيسها فى القرن ال18 التف الكويتيون حول حكامهم لتشهد تجربة ديمقراطية رائدة وفريدة توجت بوضع دستور لها فى العام 1962 فى عهد أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح. ولا يمكن التأريخ للمسيرة البرلمانية فى الكويت بيوم قيام المجلس التأسيس أو انتخاب أول مجلس للأمة وإنما لا بد من ملاحظة أن روح الديمقراطية الأصيلة والمتجذرة فى المجتمع الكويتى قد انعكست على السلوك الذى يحكم الروابط والعلاقات بين الحاكم والمواطنين منذ نشأة الكويت ككيان سياسى، حيث كانت العلاقة بين القيادة وأبناء الشعب علاقة الأسرة الواحدة التى تحكمها قيم وأواصر عربية عريقة. الدواوين.. برلمانات محلية وحتى قبل أن تعرف المنطقة العربية التطبيق الديمقراطى بالصيغ والأشكال المألوفة فقد كانت الكويت مجبولة منذ تأسيسها على الشورى والتواصل والتلاحم بين أفراد مجتمعها الصغير وذلك من خلال الدواوين التى هى فى الواقع برلمانات محلية مصغرة تنتشر فى أحياء الكويت القديمة يتبادل فها أهل الرأى والشورى آراءهم ثم تتوارد فيما بعد حتى أصبحت تعقد فى كل بيت تقريباً وبشكل دائم وتجمع بين أفراد العائلة الكويتية وجيرانهم وأصدقائهم، كما أن موضوعات النقاش فيها مفتوحة على كل ما يجرى على ساحة الاهتمام العام للمواطنين وفى كل المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، إنها تجسيد كويتى لروح الديمقراطية وبنكهة عربية خليجية. المجلس البلدى قامت أول تجربة انتخابية فى هذا المجتمع الصغير عن طريق إنشاء المجلس البلدى عام 1930، ففى الوقت الذى كان فيه الكويتيون يسعون جاهدين لوضع اسس ومعايير لتنمية وخدمة مجتمعهم، وشكل هذا المجلس اتجاهاً جديداً نحو مشاركة الكويتيين فى إدارة البلاد، حيث اختار الكويتيون عن طريق الانتخابات المحدودة مجلساً يتكون من 11 عضوا ورئيس دائم ومدير وينتخب الأعضاء والمدير كل سنتين، يجتمع الأعضاء مرة فى الأسبوع للتباحث حول وجهات نظرهم بشأن حاجة الناس والمدينة وأهم الأعمال المطلوب القيام بها فى مجالات التعليم والأمن والصحة والإنشاءات وغيرها وكان المجلس يرأسه –بنص المادة الثانية من قانون البلدية- فرداً من آل الصباح. وتلت انتخابات البلدية انتخابات لدوائر المعارف والصحة والأوقاف عام 1936 م وكان لتلك الانتخابات أثرها الكبير فى زيادة الوعى بمبدأ الشورى والمشاركة فى تنظيم شؤون الدولة من خلال مؤسساتهم. أول مجلس تشريعى وفى العام 1938 وتحت تأثير ظروف داخلية وخارجية رأى الكويتيون ضرورة المشاركة بالحكم بشكل أكثر نيابية وديمقراطية من أجل عمل إصلاحات عدة فى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفى إطار السعى لإنشاء مجلس تشريعى أنشأ بعض التجار تجمعاً تحت مسمى 'الكتلة الوطنية ' واختار أعضاء الكتلة ثلاثة ممثلين عنهم ليرفعوا رسالة للأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح تضمنت رغبة فى المشاركة فى تسيير أمور البلاد اعتمادا على أساس المبايعة وجعل الحكم شورياً بين الحاكم والمحكوم و باعتبار أن التطور فى مختلف جوانب الحياة يحتم الأخذ بمبدأ الشورى، فاستجاب الحاكم لرغبتهم وقرر إجراء انتخابات وأيده فى ذلك نائبه وولى عهده الشيخ عبد الله السالم الصباح. وفى اليوم التالى لموافقة الأمير على إجراء الانتخابات تم إعداد قائمة تضم 320 ناخباً تم استدعاؤهم للإدلاء بأصواتهم للانتخابات التى فاز فيها 14 عضوا من بين 20 مرشحا تقريباً وتم اختيار الشيخ عبد الله السالم رئيساً للمجلس. وبعد أن باشر المجلس مهامه قام بصياغة مشروع دستور الكويت فى الأسبوع الأول من يوليو 1938 حددت فيه اختصاصات المجلس التشريعى وحاز المشروع على إجماع أعضاء المجلس، وتم رفعه للأمير للمصادقة عليه بتاريخ 9 يوليو 1938 م. ديموقراطية فريدة ويمكننا القول إن الكويت تتمتع بتجربة ديمقراطية متقدمة عن العديد من البلدان فى المنطقة وخارجها. ومن أهم مظاهر الديمقراطية فى الكويت: الديوانيات التى يجرى فيها النقاش فى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحرية، يضاف إلى ذلك حق المرأة فى التصويت والترشح للانتخابات منذ عام 2005 عندما وافق مجلس الأمة على تعديل قانون الانتخابات بما يسمح للمرأة بالمشاركة فى العمل السياسى وأسفر ذلك عن فوز بعض النساء فى الانتخابات البرلمانية التى تلت هذا التعديل. وجاءت انتخابات مجلس الأمة فى 26 نوفمبر الماضى لتسلط الضوء من جديد على دور مجلس الأمة من جانب ومدى وعى الناخب الكويتى فى اختيار نواب الأمة من جانب آخر. فقد كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، قد حل البرلمان السابق وفقا للدستور الذى يمنحه هذا الحق إذا رأى أن الضرورة تقتضى الحل وقال: «إن العمل البرلمانى انطوى على انتهاك للدستور وللقانون، وتجاوز لحدود السلطات الأخرى، وتدنى لغة الحوار على نحو غير مسبوق تحقيقا لغايات قصيرة ضيقة على حساب مصلحة الوطن». ويرى المراقبون إن تدخل الأمير كحكم بين السلطات وفقا للمواد 102 و107 من الدستور الكويتى ساهم فى تجنب الكويت أزمات من عدم الاستقرار السياسى باللجوء إلى الناخبين ليكونوا الفيصل فى الخلاف بين الحكومة. التحديات الاقتصادية وتأتى أهمية مجلس الأمة الجديد أيضا فى مواجهة الأوضاع الاقتصادية التى تحل بالبلاد، ومنها انخفاض أسعار النفط وضرورة أن يتصدى المجلس مع الحكومة لمعالجة الأوضاع الناجمة عن قلة الإيرادات، ويضاف إلى ذلك هناك تحديات أمنية من جراء التنظيمات المتطرفة، ولعل ما حدث من تفجير مسجد الإمام الصادق لهو أكبر دليل على هذا التحدي. ولكن حكمة أمير الكويت ساهمت فى تجنب التبعات السلبية لهذا الحادث الإرهابي. ومن هنا فقد اخذ المجلس الجديد على عاتقه مسئولية وضع تلك التحديات الاقتصادية والأمنية على قمة أولوياته. ممارسة رائدة ووفقا للتقارير الدولية تعد التجربة الديمقراطية الكويتية واحدة من أفضل التجارب فى العالم العربى والتى تعكس الصورة المشرقة لدولة الكويت فى ضوء الازدهار الذى تعيشه منذ تأسيسها ليسهم ابناؤها فى عملية البناء وتطوير مؤسسات الدولة، والتى تشكل علامة فارقة فى المنطقة. وإلى جانب المظهر الديمقراطى فإن الكويت التى تعد أحد أعمدة استقرار الخليج والمنطقة، وبإمكانها الحفاظ على استقرارها السياسى والأمنى وتحقيق مزيد من الانفتاح والتنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة والابتكار من خلال محافظتها على قيمها الديمقراطية التى اهتمت بتنميتها طيلة السنوات الماضية، كما أن الكويت تواجه تحديات فيما يتعلق بالأمن الإقليمى والمجال الاقتصادى أثر تراجع أسعار النفط واندلاع عدد من الأزمات بالمنطقة. وتشير تقارير دولية إلى أن دولة الكويت تمتلك مؤسسات سياسية قوية فى كثير من النواحى ما يجعلها مستعدة لمواجهة عديد من التحديات التى تفشل دول أخرى فى مواجهتها وفى مقدمتها مجلس الأمة أو البرلمان الذى يتمتع بسلطات قوية فى الرقابة والتشريع وفقا للدستور إذ يتيح المجلس للمواطنين فرصة الاطلاع على كيفية تعاطى الحكومة مع التطورات السياسية والاقتصادية كما أن وجود مجلس برلمانى قوى ومسئول من شأنه تقوية الدولة لاسيما فى التصدى للمخاطر الخارجية والداخلية على حد سواء. ثقافة المشاركة كما استطاعت الكويت أن تؤسس نظاما ديمقراطيا سبق كثيرا من دول المنطقة العربية، بما يعنى أن تطبيق الحياة الديمقراطية وديمومة ثقافة المشاركة الشعبية التى تغيب عن كثير من شعوب العالم يعد نجاحًا يسهم بشكل كبير فى تحقيق النمو والاستقرار الذى ميز الكويت عن غيرها خاصة عندما تعرضت عدة بلدان لموجات ثورية قبل عدة أعوام وكانت الكويت من الدول القليلة التى لم تكن بحاجة إلى أى تغيير فى نظامها السياسى بسبب تلبيته لمتطلبات المشاركة استناده إلى مبادئ الشفافية والنزاهة والحكم الرشيد.