يعتبر الدستور الكويتي ثمرة العقد الاجتماعي الذي ارتضاه الشعب الكويتي منذ نشأة الكويت ومعبرا عن ارادة الحاكم والمحكوم في العيش معا تحت مظلة الديمقراطية وبناء دولة القانون. والكويت وهي تحتفل اليوم بمرور 49 عاما على وضع الدستور فإنها تستذكر بذلك تاريخا مشرفا من الانجازات على طريق الديمقراطية وتعزيز حقوق الانسان. وفي هذا الصدد قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. حامد العبدالله ل»كونا« ان الدستور الكويتي نقل الشعب من مرحلة القبلية والطائفية والعائلة الى وضع الدولة القانونية المؤسسية التي تنصهر فيها جميع الكيانات والفوارق والاختلافات الطائفية والمذهبية والقبلية لتخلق مجتمعا موحدا. وأوضح أن الدستور رسخ دولة القانون والمؤسسات فأصبح لدينا فصل للسلطات مع التعاون بينها ضمانا لعدم التعسف والاستبداد وتحقيقا للعدالة وهو بذلك يضاهي أرقى دساتير الدول الديمقراطية العريقة فأصبحت الكويت واحة للديمقراطية والحرية. وأشار العبدالله الى التصريح في مواد الدستور على أن نظام الحكم ديمقراطي متزاوج بشكل أنيق وراق مع الحكم الوراثي.. فهناك برلمان حر منتخب وحقوقه شعبية أصيلة يمارس صلاحياته تحت مظلة حكم وراثي ارتضاه الشعب في ذرية مبارك من آل الصباح مبينا ان الدستور جاء وسطا في نظامه السياسي بين النظامين البرلماني والرئاسي مع ميل اكبر نحو البرلماني وذلك تعزيزا لدور الأمة ومكانتها وأن المادة الرابعة من دستور الكويت قد نصت على أن (الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح .....« فيما نصت المادة السادسة على أن »نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعها ....«. وذكر العبدالله انه وفقا لمواد الدستور تكفل الدولة التعليم والصحة والعمل للمواطن كما تضمن له المساواة والعدالة في الكرامة الانسانية والحقوق والواجبات وهي مكتسبات طبيعية أصيلة لا يمكن فصلها من حياة الافراد اضافة الى أنها تعزز من دور الدولة الايجابي تجاه المواطن. وختم العبدالله حديثه مبينا ان الدستور الكويتي حرص على اضفاء الهوية العربية والاسلامية على الدولة والمجتمع في العديد من مواده مؤكدا في هذا السياق ان ممارسة الديمقراطية لا تتعارض مع قيمنا العربية الاسلامية او مع تقاليدنا وأعرافنا المجتمعية. ونصت المادة السابعة من الدستور الكويتي على أن »العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين« فيما نصت المادة الثامنة على أن »تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين«. وعلى الصعيد ذاته قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د.عبدالله سهر ان الدستور الكويتي يعتبر الاطار المرجعي للعلاقات السياسية سواء كانت بين الحاكم والمحكوم بشكل عام او على المستوى المؤسسي اوالجماعي او الفردي بشكل خاص. وذكر سهر أن الدستور يعني الدولة الحضارية والمدنية التي تسعى لتأسيس مجتمع وكيان سياسي قادر على التطور ومحاكاة الواقع بشكل متجدد دون ان يتسبب ذلك في عدم الاستقرار السياسي مشيرا الى ان الدستور الكويتي بالشكل الذي تم الاتفاق عليه يعتبر ابداعا كويتيا منفردا بين دول المنطقة. وأوضح ان الدستور الكويتي يعكس ديمقراطية الأسرة الحاكمة وطبيعتها القابلة للتعاطي السياسي المعاصر والراقي مع الشعب وقد ساهم في تعزيز الديمقراطية وبناء الدولة بشكل جديد وعمل على تكريس الدولة المدنية ولكنه في ذات الوقت لم يقف عند حدوده بل وطأ للمستجدات من خلال المرونة التي حددها في مواده والتي تتيح التعديل والتنقيح وفقا لارادة الأمة والأمير. وفي ذلك نصت المادة 174 من الدستور الكويتي على أن للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل او حذف حكم من احكامه او باضافة أحكام جديدة اليه فاذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة وتشترط لاقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ولا يكون التنقيح نافذا الا بعد تصديق الأمير عليه واصداره. وختم سهر حديثه قائلا ان من الفوائد الجمة التي قدمها الدستور للكويت والكويتيين هو كسب احترام دول العالم والمجتمعات البشرية حيث ارتأت فيه الرقي والتسامي الانساني خاصة أثناء الغزو الغاشم ما دفع تلك الشعوب والدول الى مناصرة الشعب الكويتي وارجاع حقه اليه. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت د. شفيق الغبرا انه بالرغم من أن دستور الكويت يعد متقدما على بعض الدساتير العربية وبخاصة فيما يتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الأمة انتخابا شعبيا مباشرا فإنه يجب اعادة النظر في بعض الجوانب الدستورية بما يعمق ويطور من الديمقراطية الكويتية. وذكر ان هنالك مشكلة تكمن في القوانين التي تقيد الحريات وتتعارض مع الدستور مؤكدا أن تطوير القوانين هو شرط أساسي لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة. وعن حرية التعبير اوضح الغبرا ان الكويت شأنها شأن الدول المتقدمة ارتأت أن تتركها مفتوحة وبذلك يتطور المجتمع ويسير نحو النضج والارتقاء والتصحيح الذاتي. وأضاف أن الشعب الكويتي لديه وعي سياسي بماهية المادة السادسة من الدستور التي نصت على ديمقراطية نظام الحكم في الكويت حيث السيادة فيه للأمة مصدر السلطات . وقال ان على المواطن دورا كبيرا في عملية صنع القرار في الكويت من خلال انتخاب ممثليهم في مجلس الأمة عوضا عن دور الصحافة وجمعيات النفع العام وتسخير مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر لقيادة حركات شبابية أحدثت حراكا سياسيا تجاوز جمعيات النفع العام بمراحل. وذكر أن ما نشهده الآن من حراك سياسي في الشارع الكويتي يعكس تحولا نوعيا في روح المواطن المبادرة تجاه المعطيات الحالية في البلاد . وعن رأيه في الاستجوابات قال ان الاستجواب حق كفله الدستور للنائب مضيفا أن ما نشهده الآن هو انعكاس لمشكلة أعمق تتمثل في العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الى جانب العلاقة بين ممثلي السلطة الواحدة فأضحى بذلك الاستجواب تعبيرا عن حدة الانقسام وطبيعة المأزق السياسي الذي تمر فيه الدولة ومؤسساتها. من جهتها قالت الباحثة في مركز الدراسات الإستراتيجية د.ندى المطوع ان آلية الرقابة البرلمانية تجاه الحكومة لا تضعف الأداء الحكومي انما تكسبه قوة وحرصا على تصحيح المسار . وذكرت أن الإفراط في تقديم الاستجوابات انعكس سلبا على فعالية الآلية الرقابية بل أضعفها وقد يتعدى ذلك الى اقصاء كفاءات ادارية فاعلة في الحياة السياسية. وعن الرقابة التي تتمنى د.المطوع الأخذ بها قالت انها رقابة الناخب لعضو مجلس الأمة وتقييم أدائه تحت قبة البرلمان مشددة على أهمية توظيف الأدوات الإحصائية لمتابعة رضا الشارع عن الأداء البرلماني. واشارت الى المرتكزات التي طالما أكد عليها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد فيما يخص تطوير العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية معتبرة اياها كفيلة بتخطي المعوقات التي تشل مسيرة العمل الوطني. ويعتبر يوم ال11 من نوفمبر 1962 يوما خالدا ومشهودا في ذاكرة التاريخ الكويتي ففي مثل هذا اليوم قبل 49عاما صادق سمو امير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم ال11 للكويت الذي استمرت فترة حكمه من العام 1950 الى العام 1965 على دستور الكويت. هذا ويعتبر الدستور الوثيقة الكبرى الاولى والاساسية في حياة شعب الكويت التي تحدد نظام الدولة وتنظم العلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. وأكد الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، في كلمته التي جاءت في مقدمة الدستور انه جاء »رغبة في استكمال اسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز وايمانا بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الانسانية وسعيا نحو مستقبل افضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ويفيء على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد وحرص على صالح المجموع وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره«. وجاءت احكام الدستور في مجملها لترسيخ الاسس والثوابت التي سارت عليها الكويت منذ نشأتها وتشربتها نفوس ابنائها وجرت مجرى الدم في عروقهم من حيث الاعتماد في حياتهم وتصرفاتهم على اسس الشورى والديمقراطية النيابية الحديثة. وعندما انتخب الكويتيون المجلس التأسيسي في يناير عام 1962 ليتولى وضع دستور الكويت وينظم السلطات والحريات شكل المجلس لجنة لاعداد مشروع الدستور تتألف من خمسة اعضاء مهمتها اعداد دستور ينظم كيان الكويت وينظم السلطات والحريات على ان يتم عرضه على أمير البلاد. والقى سمو الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم في جلسة افتتاح المجلس التأسيسي كلمة قال فيها »باسم الله العلي القدير نفتتح اعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع اساس الحكم في المستقبل«. واضاف سموه: »اختتم كلمتي بالنصح لكم كوالد لأولاده ان تحافظوا على وحدة وجمع الكلمة حتى تؤدوا رسالتكم الجليلة في خدمة هذا الشعب على اكمل وجه واحسنه والله ولي التوفيق«. وبعدها تم انتخاب المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيسا للمجلس التأسيسي وانتخب د.أحمد الخطيب نائبا للرئيس. واول مهمة قام بها المجلس التأسيسي تشكيل لجنة اعداد مشروع الدستور التي ضمت خمسة اعضاء هم المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي وسمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وكان في حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة اعداد مشروع الدستور المرحوم حمود الزيد الخالد الذي كان وزيرا للعدل ويعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس التأسيسي وأمين سر اللجنة والمرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي. وتولى سكرتارية اللجنة الامين العام للمجلس التأسيسي علي محمد الرضوان وشارك في اجتماعات اللجنة الخبير القانوني محسن عبدالحافظ الى جانب الخبير الدستوري د.عثمان خليل عثمان. واعتبرت مشاركة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم رحمه الله في اللجنة مبادرة سياسية لأول مرة في تاريخ الكويت البرلماني سبقتها رئاسة الشيخ عبدالله السالم الصباح للمجلس التشريعي عام .1938 وعقدت لجنة الدستور 23 جلسة كانت الاولى يوم السبت 17 مارس 1962 والاخيرة في27 اكتوبر 1962 ثم احالة اللجنة مشروع الدستور بأكمله الى المجلس التأسيسي لمناقشته وإقراره. وقد بدأ المجلس التأسيسي النظر في مشروع الدستور في 12 أغسطس 1962 وفي جلسته المنعقدة بتاريخ 30 أكتوبر من العام نفسه تمت تلاوة مواد مشروع الدستور مادة مادة ثم اخذ التصويت على المشروع وذلك بالمناداة على الأعضاء فردا فردا وتمت الموافقة عليه بالاجماع من جميع السادة اعضاء المجلس. وقد أقر المجلس مشروع الدستور بالاجماع بجلسته المنعقدة في 3 نوفمبر .1962 وقدم رئيس المجلس التأسيسي الدستور الجديد الى الشيخ عبدالله السالم الصباح بقصر السيف في الثامن من نوفمبر 1962 ثم القى كلمة قال فيها : »انه لشرف كبير لزملائي اعضاء لجنة الدستور ولشخصي ان نتقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على اساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت«. وصادق سمو الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم على الدستور بعد ثلاثة ايام من تاريخ رفعه اليه وتم اصداره وكان على الصورة التي اقرها المجلس وتم نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره. وبعد مضي 72 يوما فقط على اقرار الدستور اجريت في 23 يناير 1963 اول انتخابات شاملة في الكويت لانتخاب اعضاء مجلس للامة وكان ذلك ايذانا رسميا ببدء العمل بالممارسة السياسية بموجب احكام الدستور الجديد كما كان المدخل الذي نفذت من خلاله حدود سلطات البلاد الرئيسية وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويتألف دستور الكويت من 183 مادة موزعة على خمسة ابواب اولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة والرابع عن السلطات. واشتمل الباب الرابع على خمسة فصول جاء الاول منها على شكل احكام عامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية اما الباب الخامس من الدستور فقد احتوى على نصوص الاحكام العامة والمؤقتة. واوضحت المذكرة التفسيرية للدستور التي تعتبر بمنزلة العمود الفقري لمواد الدستور التصور العام لنظام الحكم في البلاد وفسرت كل المواد التي قد تخضع لأكثر من تفسير او اجتهاد. وفي 10 فبراير من عام 1980 شكل سمو امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح لجنة للنظر في تنقيح الدستور تكونت من 35 عضوا. وعقدت لجنة تنقيح الدستور اول اجتماع لها في 19 فبراير 1980 وقد حضر الاجتماع سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله والقى خطابا في الجلسة مطالبا الاعضاء بالحفاظ على الدستور وصيانة مبادئه الاساسية مشددا على المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة لخدمة شعب الكويت وتحقيق امنه ورخائه واستقراره. وانهت لجنة تنقيح الدستور اعمالها يوم 22 يونيو 1980 بعد ان عقدت عدة اجتماعات استمرت 18 اسبوعا واطلعت خلالها على 13 تصورا من الحكومة وتصور واحد من الاعضاء. وكان دستور الكويت في ايام الغزو العراقي الغاشم للكويت في اغسطس 1990 بمنزلة المظلة التي عملت على توحيد صفوف الكويتيين في الداخل والخارج وعززت تمسكهم بشرعيتهم فأهل الكويت في الداخل صمدوا ورفضوا التعاون مع الغزاة فيما اجتمع الكويتيون في الخارج بجدة في اكتوبر 1990 واعلنوا تمسكهم بدستورهم. وقال سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح في المؤتمر الشعبي بجدة ان الكويتيين عاشوا منذ القدم في اجواء من الحرية والتزموا الشورى ومارسوا الديمقراطية في اطار دستورنا الذي ارتضيناه. من جهته قال عبدالعزيز الصقر رحمه الله في كلمته امام المؤتمر ان استرشاد دستور الكويت بتجارب الدول الاخرى قد عزز هويته الكويتية الصادقة فجاء بمنزلة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج. وبعد ان من الله على الكويت بنعمة التحرير وجه سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد كلمة للشعب الكويتي في العشر الأواخر من رمضان في السابع من ابريل 1991 قال فيها ان' الشورى والمشاركة الشعبية في امور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة الا ان عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة. واضاف سموه: ووفاء بهذا العهد فقد قررنا بعد ان تستقر الاوضاع وتبدأ مسيرة الحياة ويعود اهل الكويت الى اهلهم ان تجري الانتخابات النيابية خلال السنة المقبلة باذن الله تعالى حسب ما نص عليه دستورنا.