«نحن من نضع ونقر موازنات كل المؤسسات فى الدولة.. فمن الأولى أن تكون موازنة مجلس النواب رقم واحد بالموازنة العامة للدولة، وأن تراقب من لجنة الخطة والموازنة بالمجلس ذاته... خاصة أنها ستكون متاحة أمام جميع نواب الشعب».. كلمات أطلقها رئيس مجلس النواب د. على عبدالعال، إبان مناقشة اللائحة الداخلية للمجلس فى بداية الدورة البرلمانية التى انطلقت فى العاشر من يناير من عام 2016، لنفاجأ بتصريحات متناقضة لهذه الكلمات فى جلسات فبراير الجارى لرئيس المجلس أيضاً، مؤكدا أن تسريب موازنة المجلس جريمة أمن قومى. يأتى حديث رئيس المجلس بعد تقدم النائب محمد أنور السادات، رئيس لجنة حقوق الإنسان السابق، بسؤال للدكتور على عبدالعال، عن إنفاق 18 مليون جنيه على شراء 3 سيارات ملاكى للمجلس وتم تمويلها من موازنة العام المالى 2015/2016، مؤكداً أن هذه السيارات لم تكن مدرجة بالأصل فى مشروع موازنة المجلس قبل انعقاده، ولكنها أضيفت بعد ذلك باعتماد إضافى تم تمويله من بنك الاستثمار القومي. واستغرب السادات من أسباب ودواعى تحميل موازنة المجلس بهذا العبء الإضافى الذى يستفيد منه 3 أعضاء فقط بالمجلس وبتكلفة 6 ملايين جنيه للسيارة الواحدة مضيفاً: «الغريب أن المجلس يمتلك أسطولاً كبيراً من السيارات التى تم شراؤها أثناء فترة عمله فى السنوات السابقة، فلماذا لا يتم استغلال هذا الأسطول بدلاً من شراء سيارات جديدة بهذه التكلفة الباهظة؟». القضية فى أن موازنة مجلس النواب، لا تراقب من الجهاز المركزى للمحاسبات الذى يراقب جميع موازنات المؤسسات فى مصر، بما فيها مؤسسة الرئاسة والوزارات السيادية، وغيرها، وذلك وفق الدستور الذى وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة، فى الوقت الذى نصت لائحة المجلس أن تكون مراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات لموازنة النواب جوازية، وأن تتولى لجنة الخطة والموازنة أمر الرقابة ومراجعة الحساب الختامى، وهو الأمر الذى اعترض عليه مجلس الدولة، عندما راجع اللائحة وطلب مجلس الدولة من البرلمان تعديل الأمر وأن تتاح الفرصة للجهاز المركزى للرقابة ولكن دون جدوى. فى هذا الصدد أعلن النائب عفيفى كامل، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، عن تقدمه بمشروع قانون لتعديل لائحة مجلس النواب، لتتيح فرصة لجهاز المحاسبات أن يراقب الميزانية الخاصة بالبرلمان، وأن يكون الأمر إلزامياً وليس اختيارياً لرئيس المجلس. ولفت كامل فى تصريحات ل«الوفد»، إلى أن الدستور واضح فى مادته 419، بأن الجهاز المركزى للمحاسبات هو المختص بمراجعة الموازنات الخاصة بمؤسسات الدولة، والبرلمان مثل أى مؤسسة فى الدولة، مؤكدا أن المشروع من شأنه تعديل المادة 407 من اللائحة الداخلية فى أن يكون الجهاز المركزى للمحاسبات هو الرقيب والمراجعة لموازنة المجلس، خاصة أن الرقابة فى اللائحة الحالية اختيارية. واتفق معه د. صلاح فوزى، عضو لجنة إعداد الدستور، على أن هذه الإشكالية تم طرحها إبان مناقشات اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وأيضاً أثارها مجلس الدولة إبان مراجعة مشروع القانون الخاصة باللائحة، لكن للأسف إدارة المجلس لم تستمع لهذه الآراء وضرورة أن يتم التعديل خاصة أنها عدم دستورية. وأكد فوزى فى تصريحات ل«الوفد»، أنه من الغريب أن يدرج مجلس النواب موازنته رقم واحد بالموازنة العامة للدولة، خاصة أن الدستور نص على أن موازنة الجيش والهيئات القضائية هى ما تدرج رقم واحد دون غيرها، ويضاف على ذلك نص المادة 219 فى أن يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة، والأشخاص الاعتبارية العامة، والجهات الأخرى التى يحددها القانون، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة، ومراجعة حساباتها الختامية. وأضاف «فوزى»، نصوص الدستور واضحة ولا يجوز الالتفاف عليها، مؤكداً أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، بها شبهات عدم دستورية وهذه المادة الخاصة بالرقابة على رأسها، مشيراً إلى أننا دولة مؤسسات ولابد أن نحترم الدستور، مؤكداً أنه إذا كانت السلطة التشريعية لا تحترم الدستور فمن يحترمه. وفى رده على أن هذه الرؤية عرف برلمانى فى أن تراجع لجنة الخطة والموازنة ميزانية المجلس قال فوزى: «هذا عرف صحيح ولكن دستور 2014 غيّر الوضع وكان من الأولى أن تحترم اللائحة الجديدة الدستور الجديد، ولكنها قامت بنقل النص من اللائحة الماضية»، مشيراً إلى أن اللائحة السابقة كانت تصدر دون قانون، ولكن الحالية صدرت بقانون، ومن ثم يسهل الطعن عليها أو شروع النواب فى تعديلها بعد الأزمة الأخيرة التى أثارها النائب محمد أنور السادات. وفيما يتعلق بحديث رئيس المجلس بأن تسريب الموازنة جريمة أمن قومى قال «فوزى»: «ليس صحيحاً ذلك خاصة أن الموازنة لابد أن تناقش فى جلسة عامة ومن ثم خروجها للعلن لا يوجد به أى جريمة»، مؤكداً أننا دولة مؤسسات ولابد أن نحترم الدستور والقانون. ولفت إلى أن الحل يتمثل فى ضرورة خضوع موازنة مجلس النواب لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، وذلك من خلال تعديل لائحة المجلس وتعديل المادة 407، حتى تتطابق مع الدستور، وإذا لم يكن ذلك، فمن السهل التقدم بطعن على اللائحة أمام المحكمة الدستورية وستفصل ببطلانها بشكل حاسم. واختلف معه النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مؤكداً أن العرف البرلمانى جرى فى أن لجنة الخطة والموازنة، هى من تقوم بمراجعة الميزانية الخاصة بالمجلس، مؤكداً أن ما تم إثارته فى الفترة الأخيرة يستهدف المجلس ليس أكثر. وأكد وكيل لجنة الخطة والموازنة أن البرلمان فيه من الكفاءات والقدرات ما يؤهله لمراجعة موازنته، مع أحقية رئيس المجلس فى انتداب أى من أعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات لمراجعة أى بند من البنود.