«الدم عمره ما يبقى مَية».. مثل عرفناه من قديم الزمان، قبل أن تتبدل الأحوال ويختلط الدم بالماء، وتمتدّ يد الأخ لتقتل أخاه، ويقتل الابن والده.. وغيرها من الجرائم التى تُرتكب فى محيط أسرى واحد تقشعر له الأبدان، وتضرب بقواعد الحب والألفة والمودة عُرض الحائط.. فلقد شهد الأسبوع الماضى جريمة بشعة، فقد أقدم شاب على قتل عمته خنقاً بغرض سرقتها لرفضها إعطاءه أموالاً لشراء شبكة لحبيبته، وإلى تفاصيل القصة. فى منطقة عين شمس كانت تعيش فتحية، صاحبة ال70 عاماً برفقة زوجها، لك ترزق بأولاد، كانت المسنة ميسورة الحال تسعى دائماً لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وعمل الخير وفقاً لأقوال جيرانها.. زوجها لديه تاكسى يعمل عليه يخرج منذ الصباح الباكر، ويعود آخر اليوم.. وليد ابن شقيقها كانت تعتبره بمقام ابنها الذى لم تلده منذ صغره.. تنفق عليه الأموال وكل ما يطلبه تلبيه له، كان دائم التردد عليها.. بل كان مقيماً معها معظم الوقت. «وليد» أكمل عامه ال27 ولكنه لا يعمل، يعتمد على أموال عمته وإحسانها عليه، وهى لم ترفض له أى طلب، فهى تجد فيه تعويضاً عن عدم الإنجاب.. وكان دائماً يتردد عليها.. كانت تحبه وتؤنس وحدتها به.. بمرور الأيام علمت أنه يأخذ منها الأموال ويصرفها على المخدرات، فقد تحول إلى مدمن، فغيرت معاملتها معه، وكثيراً ما نصحته بالعمل والاجتهاد فى حياته حتى يستطيع الاعتماد على نفسه، ولكن دون جدوى.. تعرف بعد ذلك على فتاة وأحبها، وعندما أراد خطبتها رفض أهله بحجة أنه لا يعمل ولا يتمكن من تحمل فتح بيت، والإنفاق على مصاريف الزواج، لم يجد «وليد» أمامه سوى عمته لكى تساعده، لتقابله هى الأخرى بالرفض نظراً لسوء سلوكه، وعدم تقبله لنصائحه لكى ينصلح حاله.. نعم كانت تعتبره ابناً لها ولكن عندما أدمن المخدرات وبدأ يطمع فى أموالها لإنفاقها على شراء المخدرات وعلاقاته المشبوهة مع الفتيات رفضت الإنفاق عليه. كان الشاب على دراية بأن عمته ميسورة الحال، وعنده علم بأن لديها مصوغات ذهبية وكافة محتويات الشقة، ففكر فى حيلة شيطانية، ونسى العطف والإحسان، والأموال التى كانت تنفقها عليه.. تناسى أنها هى الإنسانة التى هى من ربته وسهرت على راحته وأنفقت عليه كل غال ونفيس.. وتغلب عليه شيطانه الذى قاده إلى قتل عمته صاحبة الفضل.. ليصبح جزاء الإحسان هو القتل.. لم يتردد العاطل لحظة، وخطط لسرقتها حتى يستطيع شراء شبكة لحبيبته. وفى يوم الحادث استغل القاتل غياب زوج عمته، وتسلل إلى شقتها، وطرق بابها ففتحت له، وقامت بإعداد الشاى له تحدث معها مرة ثانية عن رغبته فى أن تساعده على أمل بذلك لأنها لم تنجب وتعتبره مثل ابنها، إلا أنها رفضت وحاولت طرده.. وكان «وليد» هذه المرة عاقداً العزم على سرقتها، ليتجرد من معانى الآدمية، وينكر أفضالها عليه ويضربها بالكرسى على رأسها فسقطت على الأرض، إلا أنها لم تستسلم فتعالى صوتها وقامت بالصراخ لمحاولة الإفلات من بطشه.. ما دفعه لخنقها وتكميم فمها بالبطانية حتى تتوقف عن الصراخ، إلى أنها سقطت من بين يديه جثة هامدة.. فبدلاً من أن يحاول إسعافها، كان كل همه الحصول على مدخراتها، فقام بخلع قرطها الذهبى من أذنها وهى ملقاة على الأرض، وهرول مسرعاً نحو الغرفة واستولى على الأموال المتواجدة وكافة المشغولات الذهبية وفر هارباً. وعندما عاد زوجها من عمله وجد جثة زوجته على الأرض وظل يصرخ فى ذهول من بشاعة الموقف، والتف الجيران، وتم نقلها إلى المستشفى ولكنها كانت قد فارقت الحياة منذ ساعات. حامت الشبهات حول وليد، فهو شوهد أثناء صعوده إليها ثم نزوله بعد فترة مهرولاً، تم ضبطه، وأقر بارتكابه للواقعة لمروره بضائقة مالية ويرغب فى الزواج من فتاة أحلامه، وأمام رفض عمته التى كانت بمثابه أمه إعطاءه أى نقود لشراء شبكة لعروسه، ورفض أسرته، حاول معها مرات ومرات، استجدى عطفها، زغزغ مشاعرها، أنا ابنك الذى لم تلديه، سأرد لك أموالك، سأعمل، ولكن أصرت العجوز على الرفض وطرده، فكان جزاؤها القتل، هذه آخر كلمات «وليد» قبل قرار حبسه.