«ولايات متحدة أميركية مختلفة، اذاً عالم مختلف». هذا ما يقوله الأميركيون عن بلادهم، وعن العالم، بعد أن يتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب إدارة البلد في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري. أما السبب، فليس فقط ما بات يعرفه القاصي والداني عن هذا الرئيس (كذاب، ديماغوجي، شعبوي، عنصري، معادٍ للنساء، متهرب من الضرائب، ودزينة من المثالب الأخرى)، إنما أيضاً لواقعتين اثنتين لم يعرفهما التاريخ الأميركي سابقاً: الأولى أنه أول رئيس في الولاياتالمتحدة تواجهه تظاهرات شعبية معادية، وفي ولايات مختلفة، والثانية أن قادة رأي وكتّاباً مشهورين (ريتشارد كوهين، في «واشنطن بوست») بدأوا حتى قبل دخوله البيت الأبيض يطالبون بإقالته قانونياً بموجب التعديل الدستوري ال25، لأن انتخابه للمنصب أصلاً، وهو على ما هو عليه («سلة عيوب في رجل واحد»، كما كتب كوهين) ليس سوى انقلاب معلن على هذا الدستور. أكثر من هذا، فترامب المرشح للرئاسة لم يخف، في أثناء حملته الانتخابية، أنه قد لا يعترف بالنتائج اذا لم تكن في مصلحته، وأنه بذلك وحده يكون قد خرج على الدستور الذي يفترض أنه سيقسم يمين الولاء له، أولاً عبر التشكيك به وبالنظام الانتخابي من جهة، ثم عبر الطعن بما يسمى» المؤسسة» (إستابليشمانت) التي يفتخر الأميركيون بأنها الأعظم والأنجح والأكثر ديموقراطية، أو لا تزال حتى الآن، في ادارة البلاد منذ ما يقرب من ثلاثمئة عام من جهة ثانية. في ما يتعلق بحال العالم في عهد ترامب، غني عن البيان أن الأزمتين اللتين أحدثهما في الأسابيع الماضية، مع الهند أولاً ثم مع الصين، على خلفية أقوال واتصالات فوجئ بها الكثيرون في واشنطن ولدى الحلفاء وفي العالم، تشيران الى «شخصانية» و «فردانية» في السياسة لا تختلفان كثيراً عما تفعله الأنظمة الفردية التي لم يقل ترامب (بدليل امتداحه المتكرر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولنظام حكمه) انه سيقف منها موقفاً عدائياً أو أقله معارضاً. وفي الشرق الأوسط تحديداً، إن في ما يتصل بدعوته بنيامين نتانياهو للصمود في وجه «الأعداء»، أو في ما يتعلق ببشار الأسد وإبداء الاستعداد للتعاون معه ضد الإرهاب، لا يحتاج المرء الى تخمين لإدراك ما سيكون عليه المستقبل، حتى في سياق تنديده بالاتفاق مع إيران وقوله إنه قد يعمد الى إلغائه وربما للحرب من أجل منع طهران من امتلاك سلاح نووي. فالأمران لا يستويان، لا لجهة موقف ترامب الودي من بوتين ونتانياهو والأسد في آن واحد، ولا لجهة «الأحلاف» السياسية المعلنة، وغير المعلنة، بين هؤلاء جميعاً والمرشد الايراني علي خامنئي. قد يقال أن العنجهية والشخصانية واللاسياسة، هي ما يجعل ترامب يتخبط شرقاً وغرباً بعد فوزه بالرئاسة تماماً كما كان في أثناء حملته الانتخابية التي، بوصفه رجل أعمال ناجحاً، لا يتصوّر نفسه يتراجع عنها. لكن هذه الأسباب تحديداً هي ما يدعو الى الارتياب بما سيكون عليه العالم، وبخاصة السلام فيه، أكثر من أي شيء آخر. هل نكون اذاً أمام احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته مؤسسة «يوغوف» الأميركية المتخصصة قبل فترة على تسعة آلاف شخص في البلدان الغربية، الولاياتالمتحدة وأوروبا، وكانت الاجابات فيه، وان بنسب متفاوتة، أن الاحتمال أكثر من وارد، بل إن «الحرب على الأبواب» كما لخصت المؤسسة نتائج استطلاعها. ووفق تعبيرها الحرفي: «الحرب العالمية الثانية خلف الزاوية، والكون يتقلّب على شفيرها». وعن علاقة ترامب بنتيجة الاستطلاع، قال مدير الأبحاث السياسية والاجتماعية في المؤسسة انتوني ويلز إن الأكثر توقعاً للحرب بين المستطلعين هم الأميركيون والفرنسيون، وإن يكن لأسباب مختلفة لدى الطرفين. في فرنسا، تتركز الأسباب على الخشية من الإرهاب واحتمال تعرض الفرنسيين للمزيد منه. أما في الولاياتالمتحدة (64 في المئة في مقابل 15 في المئة فقط يستبعدونها)، فيقول ويلز إن السبب الأهم هو عدم الثقة برئاسة ترامب في خلال الأعوام الأربعة المقبلة. بالعودة الى كوهين، ودعوته الى إقالة ترامب، يقول إن التعديل الدستوري ال25، يجيز لنائب الرئيس (المعيّن منه والمنتخب معه؟!)، بمشاركة «غالبية إما من أعضاء أساسيين في الادارات التنفيذية أو من أعضاء آخرين في الكونغرس»، أن يحولوا دون توليه السلطة باعتباره «غير مؤهل للقيام بمهمات وواجبات المنصب». ومع أن كوهين، يستدرك، بأن هذا قد لا يكون ممكناً قبل التنصيب يوم 20 الجاري، لأسباب بينها أن الإداريين هؤلاء لم يكونوا قد استوفوا شرط تثبيتهم من قبل الكونغرس بعد، فإن السؤال الذي يجب أن يوجه اليهم من الآن هو: هل يريدون فعلاً تطبيق الدستور وتعديله ال25 هذا في مرحلة لاحقة أم لا؟ الحال في ظل ذلك، وفيما لم يعد ترامب ينكر كما كان في السابق قضية القرصنة الروسية للموقع الالكتروني للحزب الديموقراطي، أن «فضيحة ووترغيت» أيام الرئيس الأسبق ريتشار نيكسون ليست شيئاً بالمقارنة مع ما تجوز تسميته «فضيحة بوتين/ترامب» المجلجلة. كانت الأولى لمجرد التنصت على المكالمات الهاتفية للحزب المنافس، لكنها أدت مع ذلك الى استقالة نيكسون من الرئاسة. أما هذه، فلم يعد أحد من الأميركيين ينكر أنها لعبت دوراً، قد يكون كبيراً وقد لا يكون، في فوز ترامب بالرئاسة وفشل منافسته هيلاري كلينتون في مواجهته. ومن هنا أهمية دعوة نخب سياسية وفكرية، مثل كوهين وغيره، لإقالة هذا الرئيس قبل تنصيبه أو بعده، حتى لا نذكر المخاوف من الحرب وعلى السلام العالمي، ولا بخاصة «سلة العيوب في رجل» وأكاذيب ترامب التي باتت موثقة تماماً كما هي مواصفته الشخصية وانعزاليته. وليس من شك، كما يبدو من اليوم، أن ما بعد 20 كانون الثاني في داخل الولاياتالمتحدة، وتالياً في العالم كله، سيكون مختلفاً عما كان قبله. نقلا عن صحيفة الحياة