منذ بروز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على الساحة الأمريكية في العام الماضي عندما أعلن ترشحه للرئاسة ظهرت تناقضات واسعة في سياساته وخطاباته حول ما ينوي القيام به حيال عدد من القضايا؛ مما جعل الكثير منالحكومات والشعوب تنظر بأعين الشك والريبة إلى أهلية ترامب ونياته. وبعد أن صعد إلى كرسي الرئاسة الأمريكية وأصبح على مقربة من بدء العمل الجدي كرئيس للولايات المتحدة والذي لا يحتمل الخطأ، لم يستطع ترامب ضبط ايقاع تصريحاته ليجعلها بعيدة عن التناقض، بل وقع في أكثر من مرة في فخ التخبط وعدم تحديد سياسة واضحة تجاه قضية ما خاصة القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. موقفه من العراق كانت أكثر التناقضات وضوحًا في خطابات ترامب هي سياسته تجاه الشرق الأوسط وخاصة العراق، فتحدث دونالد ترامب كثيرا عن معارضته لحرب العراق لكن يبدو أنه أيد الفكرة في مقابلة أجريت معه عام 2002 ظهرت إلى السطح مؤخرا مما دفعه إلى القول إنه أصبح من المعارضين وقت حدوث الغزو عام 2003. وخلال مقابلة قبل اندلاع الحرب أعاد نشرها يوم الخميس الماضى موقع (بزفيد) وطبقا لما ورد في التسجيل الصوتي سأل المذيع هاوارد ستيرن ترامب عما إذا كان يؤيد غزو العراق فأجاب "نعم أعتقد ذلك". وفي الوقت الراهن ورغم أن ترامب أبدى في أحدى خطاباته الموجهة لمؤيديه قبل وصوله إلى سدة الحكم رفضه لغزو أمريكا للعراق واعتبر أن العالم كاد ليكون أفضل حالا لو أن صدام حسين مازال رئيسًا للعراق وأعلن في وقت سابق عزمه إسناد مناصب عليا في الأمن القومي في إدارته لمؤيدين بارزين لهذه الحرب، ومن بين الأشخاص الذين قد يجدون أماكن في فريق ترامب، المسؤول الكبير السابق بوزارة الخارجية الأمريكية جون بولتون، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق جيمس وولسي، وكان الرجلان مدافعين عن غزو العراق، الذي وصفه ترامب في السابق، بأنه أحد الأخطاء الكبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية في العصور الحديثة. وفي مقابلة سابقة له قبل الانتخابات الأمريكية لشبكة السي إن إن أكد ترامب فقدان احترامه للحكومة العراقية بسبب علاقتها مع إيران، قائلًا: لا تهمني الحكومة العراقية، إنهم فاسدون فعلا، ولكن عندما وصل إلى الرئاسة خرج مهنئًا العراقيين بالانتصارات التي حققوها مؤخًرًا على "داعش" وأكد في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العبادي دعمه القوي المتزايد للعراق، مضيفا "إنكم شركاء أساسيون لنا وستجدون دعما قويا وراسخا"، كما وجه ترامب للعبادي دعوة لزيارة الولاياتالمتحدة واللقاء معه بأقرب وقت، بعد مراسم التنصيب في يناير المقبل. سوريا والتناقض الأكثر تعقيدًا أما في سوريا؛ فالوضع كان أكثر تعقيدًا فبينما سبق وصرح ترامب أنه يريد تركيز الحرب على تنظيم داعش على حساب المعارضة السورية منتقدًا دعم ما يعرف ب«المعارضة المعتدلة» لأن ليس للإدارة الأمريكية معرفة عمن يكون هؤلاء وإلى أي جهة ينتمون وهو ما فسر أنه يقف بجانب سوريا والجيش السوري في مواجهة المشروع التركي الخليجي ، إلا أنه في الوقت نفسه صدرت عنه تصريحات توضح أنه يجهل العلم بالساحة السورية، فقال في تناقض واضح أنه يريد العمل مع تركيا والخليج على إنشاء منطقة آمنة للسوريين لحمايتهم من الأسد و"داعش". وأظهر فوز ترامب هذا التناقض في كافة المعسكرات المختلفة في سوريا، حيث رحب الإعلام الذي يدعم المجموعات المسلحة في سوريا بوصول ترامب إلى الحكم مؤكدًا أنها «رب ضارة نافعة للمعارضين» فالرئيس الكاره للمهاجرين سيسعى كما أعلن من قبل لإنشاء منطقة آمنة في سوريا تجمع شتات المعارضين السورين، بينما توقعت مواقع أخرى أن بوتين سيكون أقرب للمحور الروسي الإيراني السوري في معالجة الأزمة السورية وهو ما يوضح انعكاس التناقض الترامبي على السوريين والجماعات المسلحة التي تحارب في سوريا. ترامب وحلف الناتو هاجم ترامب أوباما أيضاً بسبب خذلانه للشركاء الخارجيين الحاليين وخاصة الأوروبيين منهم ووعد بأن أمريكا ستصبح صديقاً وحليفاً يمكن الاعتماد عليه مجددًا قائلًا : يجب الالتحام مع الحلفاء، والوقوف إلى جانبهم وعقد اتفاقيات تضمن ذلك، لكن في موقف سابق متناقض أطلق دعوات حول الدفع مقابل عضوية الناتو والتي يمكن أن تبدو أشبه بالابتزاز بالنسبة للبعض، قائلًا : يجب أن تدفع الدول التي ندافع عنها مقابل تكلفة هذا الدفاع و إذا لم تفعل يجب أن تكون الولاياتالمتحدة مستعدة لترك هذه الدول تدافع عن نفسها وأكد أنه سيقدم على حل حلف الناتو. جهل أم دعاية انتخابية؟ يبدو أن الرئيس الأمريكي سيعتمد على مستشارية في تحديد سياساته المستقبلية خاصة الخارجية حتى وأن اختفلت عن ما روج له في برنامجه الانتخابي، حيث يقول الخبراء إن جهل ترامب في الأحداث السياسية الخارجية يشكل فرصة لكثيرين من أجل شغل مناصب حساسة في إدارته، ما سيجعلهم مؤثرين إلى حد كبير، أكثر من أي إدارة أمريكية سابقة. كبير مسؤولي المخابرات الأمريكية عن الشرق الأدنى من عام 2000 حتى عام 2005 بول بيلار، قال إن "ما نراه يجري الآن ويجب أن نقلق بشأنه هو رئيس جديد له آراء متضاربة في قضايا كثيرة في مجال السياسة الخارجية؛ ولذلك فإن عملية التعيينات في المناصب العليا التي نشهدها كل أربع سنوات ستكون لها تبعات أكثر من المعتاد على سياسات أمريكا في العالم.