«الشباب المصرى كسول».. جملة يؤكدها الواقع الأليم أذا ما عُقدت المقارنات بين شباب مصر وباقى دول العالم، بدءاً من السوريين الذين إذا هبطوا فى أى مكان خلقوا فرص عمل، انتهاء بالصين التى تخطى عدد سكانها المليار نسمة ونسبة البطالة لم تتعد 4.05%، بينما تبلغ نسبة البطالة فى مصر 12.7% فى مجتمع لم يتخط المائة مليون نسمة. الشاب المصرى يكلف والديه عشرات الآلاف بل وتصل إلى مئات الآلاف فى مراحل التعليم، ليصبح عاطلاً فى النهاية، متنقلاً من مقهى لأخرى منتظراً أن توفر الحكومة له عملاً، ثم توفر له سكناً. اللاجئون السوريون فى مصر مثال حى يثبت أن كثيراً من الشباب المصرى كسول، فالسوريون استطاعوا رغم ما يمرون به من ظروف قاسية أن يخلقون لأنفسهم فرص عمل، بل إن الأمر وصل إلى أن هناك شوارع وأحياء أصبحت تسمى بأسمائهم لكثرة وجود تجارتهم ومنتجاتهم بها، وأصبحت جميع المحافظات المصرية مكتظة بالسوريين، ما بين المطاعم السورية، والعطارات، وصالونات الحلاقة، والكوافير الرجالى، ولم يكتف السوريون بافتتاح المحلات التجارية فقط، وإنما امتدت الاستثمارات السورية لعيادات الأسنان والتجميل وأمراض الباطنة. ويظهر هنا السؤال الملح بشدة: من أين جاء السوريون بفرص العمل هذه كلها فى بلد يحلم الكثير من شبابها بالهجرة إلى الخارج بسبب البطالة وقلة فرص العمل، أم أننا حقاً فى مجتمع كسول؟ رغم ارتفاع نسبة البطالة، تجد الكثير من مكاتب إلحاق العمالة فى وظائف محلية بمصر، تشكو من عدم وجود شبان لشغل ما تعلن عنه من وظائف، لبعض الشركات والمصانع والحرف، وغير ذلك من وظائف يتطلبها سوق العمل المصرى، كما يرفض كثير من الشباب العمل خارج مدينته، فالشباب أصبحوا يبحثون عن الوظائف الحكومية، أو بعض الوظائف بعينها التى تضمن لهم الثراء السريع وتحقق أحلامهم فى امتلاك سكن وسيارة وحساب بنكى فى وقت سريع دون جهد وعناء. الأمر الذى أثبتته وزارة القوى العاملة، حيث أكدت أنها قامت بتوفير 100 ألف فرصة عمل للشباب فى مطلع العام الجارى، بالقطاع الخاص بمختلف المحافظات، خاصة فى المشروعات السكنية الجديدة والقرى الفندقية، موضحة أن المفاجأة كانت تقدم 40 ألف شاب فقط، فى حين بقيت 60 ألف فرصة عمل أخرى شاغرة تبحث عمن يشغلها. ارتفاع معدلات البطالة، وعزوف الشباب عن الإقبال على آلاف الوظائف التى وفرتها وزارة القوى العاملة، يُعد تناقضاً واضحاً بين الحديث عن انتشار البطالة، ورفض الشباب شغل فرص العمل التى وفرتها الدولة. يؤكد محمد حنفى مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات أن جميع الصناعات المعدنية تواجه مشكلة ندرة العمالة الفنية، بينما هناك مليون «سى فى» لأعمال مكتبية باتحاد الصناعات، مضيفاً أن المصانع لديها استعداد كامل لتدريب الشباب، مؤكداً أن المصانع قامت بجهود ضخمة لجذب الشباب دون فائدة، رغم أن الصناعات المعدنية بها رواتب تبدأ من 2000 جنيه حتى 15 ألف جنيه، بخلاف التأمينات والتأمين الصحى، موضحاً أن رفض الشباب تلك المهن يرجع لرفضهم الارتباط بعمل شاق. ولفت إلى أن ندرة العمالة الفنية، كان لها دور فى ارتفاع المنتجات الصناعية، كما أنها تسببت فى حالة من عدم الاستقرار لبعض المصانع. ويرى أن ما يُطرح من وظائف يرفض لكونه فى القطاع الخاص، وأن أكثر من 50% من الشباب يلهثون خلف الوظيفة الحكومية والمكتبية، موكدًا أن رواتب تلك الوظائف تكون ضعف رواتب مثيلاتها فى المؤسسات الحكومية، مطالبًا الشباب بتغيير ثقافة العمل لديهم. ويقول أحمد شكرى، رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، أن هناك نقصاً شديداً فى العمالة الفنية، فى كافة المصانع العاملة فى القطاع ابتداءً بمصانع الألبان، وانتهاءً بمصانع اللحوم، مروراً بالخضراوات والمخبوزات، مؤكداً أن هناك أزمة تواجه الصناعات الغذائية بالنسبة للعمالة تتمثل فى فنى الزراعة، الذى يعمل فى حالة وجوده على تقليل عمليات إهدار الفاقد الزراعى الذى يصل إلى 40% فى بعض الحالات، معتبراً أن الفنى الزراعى «خرج ولم يعد»، مشيراً إلى أن القطاع الزراعى يعد المورد الأساسى للخامات التى يقوم عليها قطاع التصنيع الغذائى، وأن العامل الفنى المدرب أحد العناصر التى نفتقدها. وبعد النجاح الذى حققه السوريون بمصر تعالت الانتقادات للشباب بسبب «ثقافة العمل الخاطئة»، وبحثهم الدائم عن وظائف وفرص عمل أكثر رفاهية أو ما يطلق عليها «رفاهية الوظيفة». «الوفد» التقى بعدد من الشباب الذين أكدوا وجود تقصير من جميع الجهات المعنية تجاههم، وأن الكثيرين منهم يعملون فى وظائف غير مناسبة لهم رغم أنهم يحملون مؤهلات عليا، كما أن الشروط التى يتطلبها العمل الخاص قاسية، على حد قولهم. وأكد البعض أن عدم الاستقرار الوظيفى يعد الدافع الأول وراء عدم قبول تلك الوظائف، كما أن كل الوظائف التى تطرح مهنية وفنية وتحتاج إلى سنوات لإتقانها وجميعها تعطى مرتبات هزيلة فى بدايتها، متسائلين: استمررنا ندرس 15 سنة ومطلوب أن نتعلم ثلاث سنوات لنستطيع إتقان مهنة لكى نأخذ راتباً جيداً؟ رغم أننا لا نشعر بالاستقرار بتلك المهنة. ويقول أحمد كرم: حصلت على مؤهل جامعى، لكن المشكلة كيف أبدأ حياتى فى مصنع بالصحراء وأبدأ التعلم من جديد، رغم أنى قضيت سنوات فى التعليم، مؤكداً أن جميع الأسر الآن أصبحت تحلم أن يحمل أبناؤها الشهادات الجامعية حتى إن لم يعملوا بها، منتقداً عدم مقدرة الحكومة على توفير وظائف للخريجين. وفى هذا السياق يضيف يوسف شوقى - خريج ثانوى صناعى - قائلاً: درست ثلاث سنوات فى المدرسة الثانوية ولم أتعلم أى مهنة، وأقبل العمل فى أى مهنة، متسائلاً: «هل المهنة اللى هتعلمها فى أى مصنع هتكون سند ليا بكرة فى مرضى، أو أى شيء لا قدر الله؟». وتابع على إبراهيم، عامل بأحد محلات الأجهزة الكهربائية، أنه خريج كلية آداب، ويعمل فى القطاع الخاص براتب 1500 جنيه شهرياً، وأنه ما زال يبحث عن وظيفة فى القطاع العام، مؤكداً أن راتبه لا يرضى طموحه، كما أنه معرض للفصل فى أى وقت ولا يشعر بالأمان فى عمله، مؤكداً أن الكثير من أصدقائه يرفضون تلك الأعمال بسبب مشقتها وراتبها الهزيل، وأنه قبل بهذا العمل لسد احتياجاته. وأرجع الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، عدم وجود وظائف مناسبة لبعض الشباب وعدم وجود تخطيط واضح لاستغلالهم فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى عدم وجود رؤية كاملة لاستغلال خريجى الجامعات والمعاهد الفنية، جعلهم يفضلون الجلوس فى المنازل على الانخراط فى تلك الوظائف، مؤكداً أن العديد من المصانع تطلب وظائف، ولا تجد من يشغلها، موضحًا أن الخريجين يطلبون وظائف معينة، وأن الأمر يتطلب تغيير ثقافة العمل لدى الشباب، وأن أصحاب الأعمال على استعداد تام لتذليل كل العقبات أمام الشباب الراغب فى العمل، ومنها توفير وسائل انتقال إلى أماكن العمل أو السكن الملائم. وأكد «الشافعى» أن هناك الكثير من المهن المصرية التى انقرضت بسبب عدم تواصل الأجيال وعدم توريث المهن، وذلك بسبب الفكر العقائدى أن مستقبل الفرد فى الوظيفة الحكومية، مطالباً أجهزة الإعلام بتوضيح أن المستقبل الأفضل يكون فى العمل الحر والعمل الخاص، وأبرز الشخصيات الناجحة التى فضلت العمل الخاص عن العمل الحكومى. وأضاف: أن ثقافة العمل السائدة فى مصر تحتاج إلى إعادة النظر، وحتمية توعية الشباب بأهمية العمل من خلال تكثيف ندوات التوعية، وتنظيم دورات لتعليم المهن والحرف التى يحتاجها السوق المحلى، كعنصر مهم لتطوير مجالات الصناعة المصرية بمختلف قطاعاتها، مؤكداً أن البنوك عليها دور كبير فى إرشاد الشباب ومنحهم القروض، وتوجيههم فى مشروعات تساعد على الارتقاء بالاقتصاد القومى، كما أن التعليم الفنى غير مستغل، ويجب دمجه بأصحاب المصانع والورش واستغلال طاقات الشباب منذ الدراسة، مضيفاً أن التعليم الفنى يجب أن يكون منتجاً. ووسط كل أرقام البطالة التى يعانى منها الشباب تقف وزارة القوى العاملة مكتوفة الأيدى، دون رسم خطة واضحة للخروج من النفق المظلم الذى يعيشه المصريون، النائب عبدالرازق الزنط، أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب، يقول إن هناك تقصيراً من جانب وزارة القوى العاملة، مؤكداً أنها لم تقم بدورها فى توفير فرص عمل بمشاركة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وإعادة توزيع العمالة الفائضة لأماكن عمل تحتاج إلى عمال، وعدم توفير فرص عمل جديدة، مؤكداً أن قانون الخدمة المدنية الجديد تم وضع مواد قانونية به تلزم وزارة القوى العاملة بتوفير فرص عمل مرتين فى العام وبالتحديد فى شهرى يناير ويونية. وأكد وجود تقصير من جانب الدولة فى خلق وظائف، كما أن هناك تقصيراً من جانب القطاع الخاص بالتنسيق مع القوى العاملة فى إكمال دور الدولة بتوفير الوظائف. ويرى أن عدم وجود ثقافة العمل فى القطاع الخاص عند الشباب، أدى إلى حدوث تناقض فى المجتمع المصرى ما بين ندرة العمالة وارتفاع نسبة البطالة، مؤكداً أن المصريين يفضلون الوظائف الحكومية، قائلاً: هناك مثال يقول «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه» على حد قوله، مؤكداً أن هناك قطاعاً عريضاً من الشباب يرفضون الوظائف الشاقة، كما أن هناك الكثير من شباب الصعيد يفرون من العمل فى القطاع الزراعى، إلى وظائف أكثر راحة فى القاهرة ومدن الوجه البحرى، فيما نجد أيضاً ندرة العمالة فى المناجم والمصانع، فلا تجد من يعمل بها بسبب المشقة التى يلقاها الشباب فى تلك الأعمال. ونفى «الزنط» ما أعلنه المتحدث باسم وزارة القوى العاملة، عن توفير مائة ألف فرصة عمل فى القطاع الخاص، مؤكداً أن الوزارة قامت بإعطاء نواب مجلس الشعب استمارات عبارة عن نموذج طلب وظيفة فى القطاع الخاص، وتم التقدم بتلك الطلبات منذ ستة أشهر، ولم تستطع وزارة القوى العاملة توفير تلك الوظائف، مشيراً إلى أن بعض النواب يخجلون من أبناء دوائرهم بسبب عدم تلبية الوظائف فى القطاع الخاص، مضيفاً أن لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب أنشأت لجنة متابعة لجميع القرارات والتوصيات التى أوصوا بها. وطالب وزارة القوى العاملة بتفعيل دورها فى المجتمع والانخراط به، ولا تتعامل بأسلوب رد الفعل طبقاً للفعل، مؤكداً أنه لا يوجد لديها خطة لتشغيل الشباب قريبة المدى أو بعيدة المدى. وأكد أن هناك تقصيراً واضحاً من الصندوق الاجتماعى تجاه الشباب، موضحاً أن دور الصندوق الاجتماعى أن ينقل العامل إلى صاحب عمل وهذا لم يظهر، وخلق فرص عمل أخرى، موضحاً أن هناك مشكلات يعانى منها المجتمع المصرى، وهى انحسار طلب العمالة فى الخليج. وأوضح أن وجود ثقافة العمل الحر والعمل الخاص لدى السوريين فى مصر هو سر نجاحهم فى مصر، مؤكداً أن الشباب المصرى ليس لديه تلك الثقافة، وهو ما جعل البطالة تزداد يوماً بعد الآخر، مؤكداً أن وزارة القوى العاملة والإعلام والصندوق الاجتماعى، شركاء فى عدم نشر ثقافة العمل الخاص والعمل الحر لدى الشباب، كما أنه لا يوجد تنسيق بين وزارة القوى العاملة ووزارة التعليم والتعليم العالى، لعمل التوافق بين احتياجات سوق العمل وخلقها وتدريب الكوادر الشابة لتلك الوظائف.