اتسمت العلاقة بين الكنيسة والدولة بالود والصداقة، منذ عهد الراحل جمال عبد الناصر، مما جعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يصفها فى احد كتبه بانها "علاقة إعجاب بين رجلين"، وتعمقت العلاقة فى عهد مبارك، وزادت زروتها فى عهد الرئيس السيسي، نرصد خلال التقرير الآتي كيف كانت علاقة الكنيسة بالدولة من عهد عبد الناصر حتى الرئيس السيسي. "الكنسية فى عهد ناصر" أيدت الكنيسة المصرية حركة ضباط الجيش في يوليو، شأنها شأن بقية المصريين، حيث كان وصول الرئيس جمال عبدالناصر إلى السلطة متزامنًا مع تحولات داخل الكنيسة القبطية بوصول البابا كيرلس السادس إلى مقعد البابوية عام 1959، على أعقاب أعنف أزمة حدثت في تاريخ الكنيسة المصرية، بعد اختطاف البابا «يوساب الثاني» من قبل جماعة الأمة القبطية قبل أن تضطر إلى إعادته مرة أخرى تحت ضغط المجتمع القبطي، قبل أن يتم إبعاده مرة أخرى لمدة 3 سنوات مكث خلالها في المستشفي القبطى بدعوى تلقي العلاج، قبل أن تعلن وفاته في ظروف غامضة، وتُجرى تغييرات في لائحة الكنيسة سمحت بوصول البابا كيرلس السادس إلى السلطة كأول بابا للكنيسة ينتمي إلى جماعة الأمة القبطية. تزامن وصول كيرلس السادس إلى مقعد البابوية مع توجه أكبر للكنيسة نحو تأسيس نوع من العلاقة بالدولة اتسمت في أوائل عهدها بنوع من الود والصداقة، وصفها محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب" بأنها علاقة إعجاب متبادل بين الرجلين، حيث عقد عبد الناصر شراكة مع البابا كيرلس السادس، ضمن من خلالها ولاء الكنيسة ودعمها للنظام السياسي الجديد، بينما تولى عبدالناصر تأمين وحماية أمن المسيحيين ومكانة البابا وعدم التدخل في الشأن الداخلى للكنيسة، فلم تتدخل الدولة مثلا في خلافات الكنيسة في أواخر عهد البابا يوساب الثاني. "الكنسية فى عهد السادات" جاءت هزيمة يوليو 1967 مصحوبة بتغير كبير في بنية المؤسسات في الدولة المصرية حيث زاد نفوذ المؤسسات الدينية عموما في أعقاب الشعور الذى انتاب المصريين بفشل الدولة، ثم جاء وصول الرئيس السادات إلى السلطة متزامنا مع وصول البابا شنودة الثالث إلى رأس الكنيسة المصرية الذى كان إيذانًا ببدء مرحلة التوتر في علاقة الدولة بالكنيسة. كانت أحداث كنيسة الخانكة عام 1972 هى أول أحداث طائفية في تاريخ مصر الحديث، حيث أرسل البابا شنودة عددًا كبيرًا من الأساقفة والمطارنة في الصباح يتقدمون موكبًا ضخمًا من القسس صفًا بعد صف إلى ما بقي من مبنى "الكنيسة" ثم يقيموا القداس على أطلاله، وأشيع وقتها أن الأوامر كانت أن يواصلوا التقدم مهما كان الأمر حتى إذا أطلق عليهم "البوليس" نيران بنادقهم، ولكن البابا نفى ذلك قائلًا: "لم تصدر مني تعليمات بتنظيم أي مسيرات، ولكن حقيقة ما حدث أن بعض الكهنة ذهبوا في اليوم التالي ليروا المبنى المهدم في سيارات وأتوبيسات، فأنزلتهم الشرطة قبل المكان بمحطة أتوبيس، ولهذا ظهرت شائعة المسيرة". غضب السادات واتهم البابا بأنه يثير أوضاعًا بالغة الخطورة لا سبيل إلى معالجتها، وقال السادات لمحمد حسنين هيكل: "إن شنودة يريد أن يلوى ذراعي، ولن أسمح له أن يفعل ذلك"، ومنذ هذه اللحظة بدأ السادات يشعر أن البابا يقود الأقباط وكأنه زعيم سياسي وليس كرجل دين واعتبر هذه المسيرة الغير مسبوقة، تحديًا مسيحيًا وتمردًا علنيًا على حكم الرئيس السادات. "الكنيسة فى عهد مبارك" تميزت العلاقة في هذه المرحلة بقدر كبير من التفاهم بين الكنيسة والدولة، تولى مبارك السلطة في وقت كانت العلاقة بين الطرفين في أسوأ حالاتها؛ فسعى مبارك لتدعيم علاقته بالكنيسة، الأمر الذي أسهم في تشكيل نمط جديد للعلاقة صار فيه البابا شنودة هو الوسيط ما بين الدولة والأقباط، وعمد مبارك إلى عدة استراتيجيات كرست عزلة الأقباط أهمها فزاعة الجماعات الإسلامية التي ألجأت الأقباط إلى الاحتماء بالدولة وثانيها ورقة الفتنة الطائفية التي كانت أجهزة الدولة تغذي جذوتها من فترة لأخرى من أجل تبرير القمع أو التغطية على الإخفاقات السياسية. وفقت الكنيسة المصرية أوضاعها مع نظام مبارك حيث ارتبطا معًا بما يشبه الزواج الكاثوليكى فالكنيسة لم تعمل حسابها ولو-بنسبة ضئيلة- لاحتمال سقوط نظام مبارك الذي اعتبرته أمرًا غير وارد، ليس فقط غير وارد ولكنه أمر غير مرغوب لأن نشأة نظام سياسي تداولي سوف يقلل من الهيمنة التي اكتسبتها الكنيسة على الأقباط في عصور الاستبداد. "الكنيسة فى عهد ثورة يناير" جاءت ثورة يناير صادمة ومفاجئة للكنيسة في مصر، لا يمكن اعتبار شخصيات مثل جورج إسحاق أو أمين اسكندر سوى استثناء للنمط الكنسي الذي سيطر على الممارسة السياسية للأقباط في عهد مبارك، شارك الشباب الأقباط في ثورة يناير شأنه شأن شباب مصر احتجاجًا على الواقع السياسي رغم أن التصريحات العلنية لرموز الكنيسة جاءت مضادة للحراك ومؤيدة للنظام. رفضت شريحة واسعة من الأقباط دعوة الكنيسة لهم بعدم المشاركة في المظاهرات والاعتكاف داخل كنائسهم، كما ظهر ذلك في اللافتات والهتافات التي رددها الأقباط في ميدان التحرير خلال الثورة، الأمر الذي جاء تزامنا مع حالة سخط انتابت قطاعات واسعة من الأقباط بسبب المواقف المتعنتة للكنيسة في قضايا اجتماعية كقضية الزواج الثاني، وهو الأمر الذى زاد من اضطراب الكنيسة التي رأت بالتأكيد أن الثورة سوف تفقدها هيمنتها على المجتمع القبطي. جاءت أحداث ماسبيرو الشهيرة لتمثل ضربة أخرى لدور الكنيسة حين تجاوز الشباب القبطي الكنيسة إلى التعبير عن احتجاجهم على أحداث أطفيح بالاعتصام في ماسبيرو، صحيح أن الكنيسة استوعبت الأمر بمشاركة بعض رموزها في الاعتصام لكن فكرة تحرك المجتمع القبطي للتعامل المباشر مع الدولة دون وساطة الكنيسة كانت بلاشك نقلة نوعية. " الاقباط فى عهد مرسي" جاءت الأحداث الطائفية التي ازدادت وتيرتها في عهد مرسي لتشكّل نقطة تحول أخرى دفعت الأقباط أكثر للاحتماء بكنيستهم، وقد بدأ ذلك جليًا في البيان غير المسبوق الذي أصدره المجلس العام للأقباط والذي ألقى بالمسؤولية على الرئيس والدولة تجاه العنف الذي جرى أمام الكاتدرائية، وندد بسكوتهما على ما وصفه بالتواطؤ المشبوه لبعض العاملين بأجهزة الدولة التنفيذية تجاه حماية أبناء الوطن وممتلكاتهم ودور عبادتهم. "الكنيسة فى عهد السيسي" جاءت مشاركة الكنيسة بشكل رسمى في إعلان 3 يوليو إيذانًا بعودتها رسميًا كوكيل للحديث باسم الأقباط واستغلال الأقباط من جديد ككتلة سياسية داعمة للنظام وهو المشهد الذي وصفه البابا تواضروس بأنه "لم يكن يومًا عاديًا للمصريين مسلمين ومسيحيين، إذ ولد حالة إجماع وتلاحم رائع للتخلص من حكم الإخوان، وكانت الراهبات يحملن العلم المصري جنبًا إلى جنب مع أخواتهن المحجبات"، الأمر تواصل أيضًا بالاستفتاء على الدستور الذي دعا الأنبا تواضروس صراحة للتصويت عليه بنعم.