الخبرة القضائية هى إجراء للتحقيق يعهد به القاضى إلى شخص مختص ينعت بالخبير، والخبرة وفقًا لهذا المفهوم لا يقتصر دورها على فحص المسائل الفنية فقط بل يمتد إلى الوقائع المادية التى يصعب على القاضى الوصول إليها ، فالخبراء شركاء للقاضى ويساهمون فى عمله ويحملون معه ميزان العدل بين الناس فهم يعاونون بأعمالهم فى قيام السلطة القضائية بمهامها وإذا كان القضاء هو الذى يصدر الأحكام فإن رأيًا مضلًا أو إجراء مغرضًا أو نظرًا خاطئًا قد يحرف القضاء عن غير قصد عن الطريق السوى وهنا يحيق الظلم بالبريء ويضيع الحق فى غمار الخطأ والإهمال والتجنى ؛ لذا فقد بات الحديث عن استقلال الخبراء عن وزارة العدل وحيدتهم أمرًا غاية فى الأهمية وضمانة هامة لاستقلال القضاء وحماية حقوق المتقاضين. حاليًا يخوض خبراء العدل معركة للتقدم بمشروع قانون استقلال، إدارة الخبراء عن وزارة العدل وتحويلها لهيئة قضائية مستقلة وهو المشروع الذى تبناه وتقدم به حزب الوفد وأعضاؤه البرلمانيون إلى اللجنة التشريعية لمجلس النواب والمنتظر مناقشته باللجنة التشريعية خلال الأسبوع الجارى. وحول الخبراء ومطالبهم أجرت «الوفد» هذا الحوار مع محمد ضاهر رئيس نادى الخبراء للتعرف على أبعاد القضية. طالبتم عدة مرات بالاستقلال عن وزارة العدل.. لماذا؟ لقد أدرك المشرع الدستورى أهمية عمل الخبراء القضائيين وأفرد لهم الفصل السابع «الخبراء» من باب نظام الحكم بالدستور حيث جاءت المادة 199 من الدستور بأنه ( الخبراء القضائيون.. مستقلون فى أداء عملهم ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم) ولا يخفى على أحد أن خبراء وزارة العدل فى الوضع الراهن يتبعون السلطة التنفيذية تبعية مطلقة ويعمل الخبراء ضمن منظومة السلطة القضائية بصفة مطلقة وأحد أعمدتها مما يعد تداخلًا بين السلطات وينتقص من مبدأ الفصل بين السلطات،وهذا المناخ له بالغ الأثر السلبى على الاستثمارات الأجنبية والتنمية الاقتصادية كما يؤثر سلبًا على الحقوق الدولية ولذا لاتزال المطالبات مستمرة بالاستقلال الكامل للقضاء ولن يستقيم استقلال القضاء إلا باستقلال الخبراء وتوفير حماية قانونية لهم تضمن تحقيق العدالة حتى يقضى الخبراء فى تلك الدعاوى بإيداع تقاريرهم الفنية بحيادية تامة غير منقوصة دون خوف أو وجل من تأثير ذوى النفوذ والسلطان وبما لا يقدح فى سلامة تلك الأحكام ولا ينتقص من نزاهتها ولن يتم ذلك إلا إذا نظر المشرع بعين الاعتبار وأصدر قانون هيئة الخبرة القضائية بما يضمن ذلك. ولكن مطالب الخبراء بالهيئة القضائية المستقلة يعارضها البعض؟ للأسف هناك أصوات معارضة لمطالب الخبراء بالهيئة القضائية المستقلة، رغم النص الدستورى، فحقيقة طبيعة عمل الخبراء وفقًا لأحكام قانون الخبرة رقم 96/1952 وقانون الاثبات فى المواد الفنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 وأحكام محكمة النقض المصرية ينقسم إلى دورين.. الخبير والمعاينة.. والدور الأول وهو دور الخبير فى الفصل فى المنازعات الفنية التى تخرج عن الخبرة القانونية للقاضى وهنا دور الخبير فى حقيقته ليس مجرد فرد من أعوان القضاء وإنما يعد قاضيا فنيا فهو شريك للقاضى فى تحقيق العدالة وإظهار وجه الحق فى الدعوى، ومن الأمثلة تقرير الخبير الحسابى لمديونية أحد عملاء البنوك من أفراد أو شركات وتقرير الخبير الهندسى بمدى حاجة العقار إلى إزالة أو ترميم هو أمر حاسم فى دعوى هدم العقار وتقرير الخبير الزراعى بكون الأرض التى تم البناء عليها أرضًا زراعية يتوافر لها مصادر الرى والصرف هو أمر حاسم فى جنحة البناء على أرض زراعية وغيره. أما الدور الثانى للخبراء وهو دور أضيف للعمل الأصلى المختصين به فهو المعاينة، وفرض ذلك الدور الإضافى الأعباء الكثيرة الملقاة على عاتق القضاء لكثرة القضايا وتنوعها وتشعبها ومن ثم فقد باتت الاستعانة بالخبراء لتخفيف هذا العبء أمرًا واقعًا حيث تصدر جميع الأحكام بالاستعانة بالخبراء للقيام بالمعاينة وتحقيق وقائع الدعوى، ومن الأمثلة تحقيق وقائع دعوى ترقية حيث يقوم الخبير بالاطلاع على ملف خدمة المدعى والمسترشد بهم ويستخلص منها البيانات الوظيفية والمؤهلات العلمية وعناصر التميز والكفاءة وعناصر الضعف لكل من المدعى حتى الوصول للحقيقة. ومن خلال ما عرضته عن دور الخبراء وأهميتهم لا يمكن اختزال مهام عملهم بأنهم من أعوان القضاء وقد انتهت محكمة النقض فى أجل أحكامها بأنه (إذا صدق على تقارير الخبراء بحكم صار نهائيا أصبحت هذه التقارير أحد عناصر الحكم فتندمج فيه وتستعير منه خصائصه وأصبحت مثله بمنجى من الطعن» وبالتالى فإن مطالبة الخبراء بأن يكونوا هيئة قضائية مستقلة مرجعه الدستور ودور وأهمية هذه الوظيفة فضلاً عما استقر عليه فقهاء وقضاة من أن ضمانات أى وظيفة تمنح بقدر دور وأهمية هذه الوظيفة ولذا فمطالبنا بهيئة قضية مستقلة مطلب ملح وعادل. لكن البعض يرى أن رأى الخبير استشارى ولا يلزم المحكمة وأن المحكمة هى الخبير الأعلى وبالتالى فمطالبكم بالاستقلال غير عادلة؟ بداية نوضح أن المادة 156 من قانون الاثبات رقم 25/1986 نصت على (رأى الخبير لا يقيد المحكمة) والفلسفة من وراء هذه المادة هى إعطاء مكانة للقاضى ألا يجبره الخصم على الأخذ بتقرير الخبير بنص قانونى إذ لو استجد بالأوراق فى الفترة بين اعداد التقرير وصدور حكم نهائى دليل ما يخالف أو ما يغير ما وصل اليه الخبير، يستطيع القاضى ان يعيدها للخبير لبحث المستجدات وهى أيضًا تبحث بمعرفة الخبير. وبالتالى ليس هناك تعارض بين ذلك النص مع مطلب الخبراء بأن يكونوا هيئة قضائية فالحقيقة ان عدم تقيد المحكمة برأى الخبير ليس هدفه التقليل من أهمية عمل الخبير وإلا فما المبرر من لجوء المحكمة إليه، والخبرة هى من أدلة الاثبات التى تلجأ إليها المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم إلى جانب أدلة أخرى وهى الكتابة والمعاينة وشهادة الشهود والقرائن وحجية الشىء المحكوم به والاقرار، والواقع العملى فى القضاء المصرى يظهر بجلاء أن المحاكم فى أجل أحكامها تعتمد ما جاء بتقرير الخبير وتأخذ به محمولا على أسبابه. كما أن التشريع المصرى لا يمنع الهيئة صاحبة الرأى الاستشارى من وصف الهيئة القضائية وهو ما يبين من قانون مجلس الدولة الذى نص على أن هيئة مفوضى الدولة تتولى تحضير الدعوى وتهيئتها ومن ثم فإن دورها سالف الذكر يعنى أن رأيها غير ملزم للمحكمة ورغم ذلك هى هيئة قضائية وأيضًا النيابة العامة تعد التحقيقات وتنتهى لاتهام معين إلا أن رأيها لا يلزم المحكمة ورغم ذلك فإن النيابة العامة سلطة قضائية، وأعضاء قسمى الفتوى والتشريع فى مجلس الدولة ليس لهم ولاية الفصل فى المنازعات رغم ذلك يتمتعون بالاستقلال التى يتمتع به باقى أعضاء مجلس الدولة كأعضاء هيئة قضائية. هل معنى ذلك أنكم تريدون المساواة بمجلس الدولة والنيابة العامة؟ كل ما نؤكد عليه أنه لأهمية عمل الخبير أصبح من الضرورة تمتع الخبراء بوصف الهيئة القضائية والاستقلال عن وزارة العدل. بعض الأصوات تؤكد عدم أحقيتكم بهذا المطلب بدعوى أن غالبيتكم غير حاصلين على مؤهل قانونى؟ الحقيقة أن هذه الحجة تتعارض مع مبدأ الشرعية، فهى تفتقر إلى أى سند دستورى أو قانونى، حيث استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا على (أن العبرة فى اكتساب صفة الهيئة القضائية لغير جهات القضاء التى تضم المحاكم على اختلاف مسمياتها ودرجاتها هى بوجه عام بالتشريع الذى يصدر بإنشاء الهيئة وتنظيمها والذى يصبغ عليها هذه الصفة ويمنحها القدر اللازم من الاستقلال) مع العلم أن الخبراء حاصلون على أعلى المؤهلات العلمية فهم حاصلون على درجة البكالوريوس فى التجارة أو الهندسة أو الزراعة ومعظمهم أوائل دفعاتهم فى التخرج فضلا عن حصول عدد كبير منهم على الماجستير والدكتوراه فى تخصصاتهم كما أن عددًا ليس بقليل منهم حاصل على ليسانس الحقوق والماجستير والدكتوراه فى القانون، بالإضافة إلى مؤهله الأصلى.. وإذا كانت الحجة فى عدم حصولهم على حقهم هو المؤهل القانونى فمعظمهم حصل عليه بالفعل ولا مانع لدى الباقى من الحصول عليه وهو أمر يسير بالنسبة لقدراتهم وامكاناتهم العلمية والثقافية، ومن الممكن النص على فترة انتقالية يحصل خلالها باقى الخبراء على هذا المؤهل. وزارة العدل أكدت أكثر من مرة أن الخبراء رغم تبعيتهم لوزارة العدل إلا أنهم مستقلون فنيًا ولا يتدخل أحد فى عملكم؟ هذا الكلام يفتقد الواقعية وحجة واهية، فالاستقلال الفنى للخبراء فى عملهم لا يكون استقلالًا حقيقيًا إلا إذا تبعه استقلال مالى وإدارى فلا يمكن أن نقول إن الخبراء مستقلون فى عملهم الفنى وهم يتبعون ماليًا وإداريًا وزارة العدل والحقيقة الأخرى أن الخبراء ليسوا مستقلين فنيًا كما يدعى أصحاب هذه الحجة والأمثلة على ذلك كثيرة فهل من الاستقلال الفنى أن يكون منصب رئيس قطاع الخبراء ورئيس مصلحة الخبراء ندبًا وبلا أية صلاحيات سواء فنية أو مالية أو إدارية؟ وكيف نكون مستقلين عندما يتم التدخل فى العمل الفنى بإلغاء كتاب دورى يتضمن قواعد فنية للعمل تصدره رئيسة المصلحة وأجبرت على ترك منصبها على إثره وهل من الاستقلال الفنى أن يتم تعديل قرارات الحوافز بإلغاء اللجان فى القضايا المختلفة بالرغم من أهمية وخطورة تلك القضايا وكونها أصلًا طعونًا على تقارير لجان وهل نكون مستقلين عندما يملى على الخبراء آراء معينة فى قضايا محددة لتحقيق مصالح شخصية أو عندما يطلب من الخبراء بتعليمات مباشرة من الوزارة فتح المناقشة فى قضايا قبل موعد مناقشتها وإفادتهم بالرأى فيها قبل إيداع التقرير بالمحكمة وعندما يتم إقالة ثلاثة رؤساء لمصلحة الخبراء على التوالى وعندما يتم ندب الخبراء للمحاكم بالمخالفة للقانون وعندما يوضع نظام مالى للحوافز بهدف إنجاز الكم وليس الكيف وعندما يتم تعيين الأحدث رئيسا لإدارات معينة وتخطى من هو أقدم منه بالمخالفة لكل القوانين الا قانون المصلحة وتنفيذ التعليمات، فنحن غير مستقلين فنيًا على الاطلاق.. والحقيقة المؤكدة أن الخبراء غير مستقلين فنيا فى أعمالهم عن وزارة العدل وهناك تدخل فى أعمالهم. لكم تصريحات سابقة بأن استقلال الخبراء سيكون له الأثر الإيجابى فى استرداد أموال مصر المنهوبة فى الخارج فكيف ذلك؟ لأن خبراء وزارة العدل يسند إليهم فحص وتحقيق قضايا الفساد وتعتمد المحاكم وجهات التحقيق على تقاريرهم الفنية الحاسمة للنزاع سواء بالبراءة أو الإدانة، ولأنهم غير مستقلين من الناحية القانونية ويتبعون السلطة التنفيذية وليس السلطة القضائية فإن ذلك يعد مخالفة لاتفاقية مكافحة الفساد التى ستلجأ اليها مصر لاسترداد الأموال المهربة للخارج وستكون النتيجة أن احكام قضائنا لها حجية داخلية فقط، أما على المستوى الدولى تعد أحكاما باطلة، لذا يلوذ الخبراء بمجلس النواب الموقر لسرعة تدارك ذلك بإصدار قانون هيئة الخبرة القضائية هيئة قضائية مستقلة. وما هى آثار عدم الاستقلال القانونى لخبراء وزارة العدل على استقلال الاحكام القضائية؟ خبراء وزارة العدل لا يحاط عملهم بالضمانات القانونية الكافية لاستقلاله وحيدته فلم يتم منحهم كادرا خاصا للأجور ليوفر حياة كريمة لهم، كما تركهم عرضة لكيد الخصوم حيث تم حرمانهم من الحصانة القضائية، وبالتالى فالخبراء هدف سهل لكيد الخصوم كما ان القانون لم يفرض عقوبة خاصة على من يتعدى على الخبير من الخصوم أو ممثليهم، فى حين سعى القانون لفرض ضمانات الالتزام على عمل الخبير منها التأديب ولا يجوز للخبراء الجمع بين وظائفهم ومزاولة التجارة أو أية وظيفة او عمل وغيره من الالتزامات. فى تصريحات صحفية لوزير العدل المستشار حسام عبدالرحيم أكد أن مطالب الخبراء مادية وتعمل الوزارة على حل هذه المشكلة؟ ليس هذا مطلبنا، والعام الماضى كانت ميزانية مصلحة الخبراء 195 مليون جنيه وتم رد 4 ملايين جنيه فائض منها للوزارة بالإضافة إلى أن الأمانات الخاصة بالقضايا والتى يبلغ متوسطها 100 مليون جنيه سنويا لا يتم منح الخبراء منها أى شىء وتؤول دائمًا إلى صندوق تنمية المحاكم فهدفنا الحقيقى تطبيق النص الدستورى وتحقيق استقلال العدالة باستقلال إدارة الخبراء. الخميس الماضى وبعد القبض على أحد الخبراء فى قضية رشوة تعالت أصوات البعض بأن هذا دليل على عدم صلاحية تحويل الخبراء لهيئة قضائية مستقلة؟ نحن لا نتستر على فساد وإن ما حدث سيظهر أمام القضاء وكلمة القضاء هى الكلمة النهائية والخبراء يطهرون أنفسهم بأنفسهم كالقضاة ويكفى أن تعلمى أن التفتيش الفنى يقوم بالتفتيش والرقابة على الخبراء مرتين سنويا واذا ثبت تورط أحد فهى حالة فردية من بين 2700 خبير ينظرون 500 ألف قضية سنويا بالاضافة إلى الخبراء الذين يباشرون قضايا الكسب غير المشروع والأموال العامة والذين قاموا بمباشرة جميع قضايا الفساد التى عرضت عليهم منذ عام 2011 وحتى الان وبلغت قيمتها مليارات الجنيهات.