رغم أهمية عملهم القصوى فى تحقيق منظومة العدالة، لكنهم أضعف حلقات المنظومة من حيث الرعاية والاستقلال والأمان.. فما زال الخبراء القضائيون تابعين للسلطة التنفيذية أو بالأحرى لوزارة العدل.. والخبير القضائى هو المستشار الفنى، حيث ألزمه الخبير فى الدعوى القضائية لإيضاح ظروفها ويكمل الخبرة الشخصية للقاضى التى تؤهله للفصل فى النزاع. والقاضى لا يستطيع أن يطبق حكمه دون الرجوع لتقارير الخبراء، حيث ألزمه القانون بذلك وفى تجاهل الرأى فى حال هذه التقارير يبطل حكم القاضى. ورغم أهمية عملهم، فإن خبراء وزارة العدل الذين يبلغون قرابة 300 ألف خبير موزعين على 44 مكتباً على مستوى الجمهورية يعاملون كموظفين مدنيين بالدولة عليهم جميع التزامات القاضى دون حقوقه وامتيازاته، وليس لهم أى سلطات أو صلاحيات. وبسبب استمرار تبعيتهم للسلطة التنفيذية دون تحويلهم لهيئة قضائية مستقلة أسوة بهيئة قضايا الدولة يشكك البعض فى مصداقية وحيادية تقاريرهم، ويشكك البعض فى نزاهتها رغم أنهم على أرض الواقع يعانون الأمرين فى إنجازها إذ ينظرون 80% من إجمالى القضايا المنظورة أمام المحاكم، ويكفى أن نعلم أنه من أهم الأسباب، التى استندت لها الحكومة السويسرية فى عدم رد أموال مصر المهربة فى بنوكها من قبل رجال النظام الأسبق مبارك رغم صدور الأحكام القضائية أنهم ينظرون إلى أن هذه الأحكام صدرت من قضاة لا سلطان لهم سوى ضميرهم إلا أنها استندت على تقارير لخبراء تابعين للأجهزة التنفيذية، مما يشكك فى مصداقية تلك التقارير. وبسبب كل ما يعانيه الخبراء من التشكيك فى تقاريرهم وأنهم أضعف حلقات منظومة العدالة لأنهم بلا ضمانة أو حماية أو استقلال، قدم الخبراء مشروع قانون لأعضاء مجلس النواب لتحويلهم لهيئة قضائية مستقلة درءاً لشبهة التشكيك التى تحاصرهم ولضمان حقوق واستقلال عملهم، فهل يتحقق الحلم؟ عمل الخبراء أكد عدد من الخبراء فضلوا الاحتفاظ بأسمائهم أن طبيعة عمل خبير وزارة العدل هى إبداء الرأى فى الشق الموضوعى الفنى فى الدعاوى المنظورة أمامه، ومنها القضايا المدنية والتجارية والاقتصادية والجنايات والجنح والأحوال الشخصية والمنازعات الضريبية (العامة - المبيعات)، والتهرب الضريبى والبنوك، والمؤسسات المالية، والمنازعات الجمركية، والتهرب الجمركى وقضايا الأحوال الشخصية من جرد التركات وفحص إيراداتها وكشوف الحساب والقضايا العمالية بمختلف أنواعها وقضايا الهدم وإزالة المبانى وتنكيسها، وعقود المقاولات، والقسمة والفرز والتجنيب، واحتساب الريع، ونزع وتثبيت الملكية وقضايا فصل الحد وقضايا الأموال والنيابة العامة وقضايا الكسب غير المشروع والقضايا المتداولة أيضًا أمام محاكم أمن الدولة وغيرها. وأشار خبراء فضلوا الاحتفاظ بأسمائهم إلى أنهم ينظرون 80% من إجمالى القضايا المنظورة أمام المحاكم، وطبيعة عمل الخبير فى تلك النوعيات من القضايا هى الفصل فيها، وهم جهة محايدة لا تمثل أيًا من الخصوم، وتختص بموجب القانون فى الفصل فى المنازعات القضائية التى تعرض على القضاء العادى ومجلس الدولة -تحت مسمى تقرير خبير- والتى يكون النزاع فيها موضوعياً فنياً ويكون الخبير فى تلك المنازعات هو القاضى الفنى والقاضى فى تلك القضايا ينطق بالحكم بما انتهى إليه الخبير فى تقريره نصًا وأن الندب الصادر من السلطة القضائية للخبراء وإن كان يحمل فى ظاهره معنى الندب إلا أنه فى حقيقة الأمر ليس إلا تكليفًا فى عمل من أعمال القضاء. أضاف خبراء: أنه فى تلك القضايا يتولى الخبير القيام بعمله على اختصاص منحه له القانون ومتبعًا لإجراءات تقاضى تحيط الخصوم بذات الضمانات التى يتمتعون بها أمام جهات القضاء وتكفل سرعة البت فى الخصومة. ولفت خبراء آخرون إلى أن هناك أوجه تشابه بين رجال القضاء (العادى ومجلس الدولة) وبين خبراء وزارة العدل، حيث إنهم الوحيدون الذين يطبق عليهم الرد والتنحى فى القضايا موضوع عملهم كالقضاة. فضلاً أن خبراء وزارة العدل من رجال الضبطية القضائية ذوى الاختصاص الخاص، كما أن تأديب خبراء وزارة العدل يكون أمام مجلس التأديب لخبراء وزارة العدل. وأوضحوا أن هناك تشابهاً وتماثلاً بينهم فى اشتراطات التعيين والمسميات الوظيفية والترقية والنقل والندب والواجبات.. فضلاً أن المشرع منح الخبراء، مثل القضاء فى تكريس مبدأ المواجهة الذى يحكم إجراءات التقاضى، وهو حق من حقوق الدفاع مكفول أمام القاضى وخبراء وزارة العدل تثبت فى محاضر أعمال بها الساعة والتاريخ والمكان وأسئلة الخصوم وأجوبتهم ومستنداتهم وهذا يتماثل مع (محاضر التحقيق القضائية) ضمن إجراءات التقاضى. وأكد خبراء أن الفارق بين الخبرة فى مصر والخبرة فى دول العالم أن السلطات فى تلك الدول تكون مقابل مسئوليات، أما خبير العدل فى مصر فهو فقط مسئوليات دون سلطات، وأشاروا لأن الخبراء يساهمون فى ميزانية وزارة العدل ب200 مليون جنيه سنوياً هى قيمة الخبرة السنوية التى لا يتقاضى عنها الخبير أى مكافأة أو حافز. وأضاف الخبراء أنه بسبب قلة عدد الخبراء على مستوى أنحاء الجمهورية، وبسبب منح الخبراء سلطات القضاة يترتب عليه فى أحيان كثيرة بطء التقاضى فى العديد من القضايا. الاستقلال فى الدستور وشدد الخبراء على أنه لما يمثله أهمية عمل الخبراء القضائيين ودورهم داخل المنظومة القضائية، فقد أدرك المشرع الدستورى عقب ثورة 30 يونيو المجيدة أفرد لهم الفصل السابع: الخبراء من باب نظام الحكم فى الدستور الجديد، حيث تنص المادة 199 من الدستور على أن (الخبراء القضائيين وخبراء الطب الشرعى والأعضاء الفنيين بالشهر العقارى مستقلون فى أداء عملهم، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم). وهذا يعنى أن استمرار تبعية الخبراء للسلطة التنفيذية مخالف دستورياً، وأن مشروع القانون المقدم الآن لتحويلهم لهيئة قضائية مستقلة هو تنفيذ لمواد الدستور المصرى وتحقيق للاستحقاق الثالث من بنود خارطة الطريق. خبراء بلا ضمانات أكد عدد آخر من خبراء وزارة العدل أن عمل خبراء وزارة العدل ينظمه مرسوم ملكى بقانون رقم 96 لسنة 1952 أصدره الملك فاروق الأول، وقد رأى المشرع أن طبيعة عمل الخبراء وصلتهم بالقضاء تقتضى عدم إخضاعهم لقانون التوظف العام، فأصدر لهم قانونًا خاصًا ينظم شئونهم، وهو الذى ينظم الخبرة أمام جهات القضاء، وحدد فيه واجبات الخبراء وطريقة تعيينهم وتأديبهم باعتبارهم من رجال الضبط القضائى، ولكنه أغفل تحديد حقوقهم وضماناتهم وحمايتهم (الأمر الذى تداركه الدستور الجديد للبلاد)، وأضافوا أن هذا القانون معمول به منذ أكثر من 60 عاماً لا يواكب الحياة مطلقًا فى الألفية الثالثة. الخبراء وسويسرا أضاف عدد آخر من الخبراء أنه رغم أن عمل الخبراء يعد ضمن منظومة السلطة القضائية بصفة مطلقة، وأحد أعمدتها، لكنه يتبع السلطة التنفيذية لوزارة العدل، مما يعد تداخلاً بين السلطات، وينتقص من مبدأ الفصل بين السلطات، مؤكدين أنه هذا التأثير ظهر فى رفض حكومة سويسرا رد أموال مصر المنهوبة فى بنوكها فى قضية استرداد الأموال المهربة للخارج، وما نصت عليه اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد والموقع عليها من قبل الحكومة المصرية، حيث تنص الاتفاقيات على ضرورة صدور الأحكام القضائية من جهات مستقلة لا سلطان عليهم غير ضميرهم وهذا الشرط متوفر فى قضاة مصر، بينما من يعد التقارير التى يحكم بها لهؤلاء القضاة خبراء ما زالوا تابعين للسلطة التنفيذية. ونوه عدد منهم بأنه لن يستقيم استقلال القضاء إلا باستقلال الخبراء وتوفير حماية قانونية لهم تضمن تحقيق العدالة حتى يقضى الخبراء فى تلك الدعاوى بإيداع تقاريرهم الفنية بحيادية تامة غير منقوصة دون خوف أو تأثير بما لا يشكك فى سلامة تلك الأحكام ولا ينتقص من نزاهتها. ولفت الخبراء أنه كلما اُنتقص من استقلال المنظومة القضائية وقوتها، فإن حقوق الأفراد والهيئات والمؤسسات تكون منتقصة، وغيابًا للضمانة لجميع أفراد المجتمع وهيئاته ومؤسساته. القانون الجديد أشار الخبراء إلى أنهم طالبوا بتغيير ذلك القانون منذ التسعينات بسبب ما تمخض عنه من مشاكل وأعدوا مستعينين بمتخصصين مشروع قانون منذ سنة 1995 وتم إدراجه بجلسات مجلس الشورى سنة 1998 فوافق عليه المجلس بالإجماع وأوصى بسرعة إصدار هذا القانون وتنفيذه لكنه ظل حبيس الأدراج فى مجلس الشعب ولم يخرج للنور بلا مبرر، ولم ييأس الخبراء فقدموا القانون بأكثر من طريق، حيث دخل مجلس الشعب مرة أخرى عن طريق أحد النواب المستقلين، ثم فى الدورة 2005/2010 عن طريق أحد نواب الوطنى، ثم عن طريق اللجنة التشريعية بمجلس الشعب ولم يناقش بالمجلس، ثم بتاريخ 5/10/2009 صدر تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب بإلزام وزارة العدل بالانتهاء من مشروع قانون خبراء وزارة العدل، والذى كان يجرى إعداده وقتها لمرور أكثر من خمسين سنة على المرسوم بقانون 96 لسنة 1952، وهو ما لم يحدث، وأضافوا أن مشروع القانون الجديد الذى أعده الخبراء والذى يتم فيه تحويلهم لهيئة قضائية مستقلة يتلافى كافة المشاكل والعقبات التى واجهت عمل الخبراء طوال السنوات الماضية، فضلاً عن أنها تتيح لهم من الضمانات والحقوق والاستقلال ما يكفل لهم عملهم بنزاهة وشفافية بعيداً عن شبهة أى تأثير أو التشكيك فى تقاريرهم وأشاروا إلى أن مشروع القانون الجديد يتضمن عدة بنود، خاصة فى تعيين وترقية أعضاء هيئة الخبرة القضائية وحماية وضمانة أعضائها، ينظم أحد أعمدة منظومة العدالة والتقاضى فى مصر وأضافوا وبإجراء المقارنة بين الزيادة فى الأعباء المالية التى يرتب عليها مشروع القانون وبين الإيرادات المتحققة من أتعاب ومصروفات الخبرة المقررة بذات المشروع يتبين عدم وجود عجز كبير لا يعادل على الإطلاق المنافع التى ستعود على المجتمع نتيجة مساهمة مشروع القانون فى تحقيق الاستقلال، رغم أنه فى الوقت نفسه هناك هيئات قضائية لا تحقق أى إيرادات مباشرة ولم يمنع ذلك من تحويلها لهيئة قضائية تتمتع بكافة الضمانات، نظراً لأنه تم مراعاة دورها فى تحقيق العدالة القضائية، مثل هيئة الدولة. شدد خبراء على أنه إذا كان القاضى مستقلاً، واعتمد فى حكمه على تقرير خبير غير مستقل كما هو الآن فى الوضع الحالى، فإن النتيجة هى حكم قضائى غير مستقل، أى أن عدم استقلال أعمال الخبرة سيؤدى حتمًا إلى عدم استقلال الأحكام القضائية ويفرغ ضمانات الاستقلال الممنوحة لأعضاء الجهات القضائية من مضمونها، لذا فإن استقلال الخبراء القضائيين وحيدتهم ضمانة أساسية لاستقلال القضاء وإنجاز تقاريرهم بكفاءة بعيدًا عن التردد والخوف من المسئولية الجنائية أو المدنية، ودرء لشبهة التعسف التى قد يواجهها الخبير، خاصة إذا كان موضوع الخبرة يتصل بأى من ذوى النفوذ أو السلطة أصبح مطلباً ملحاً وعاجلاً.