الخميس 26 يونيو إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالقطاع الخاص    البنك الأهلي المصري يوقع برتوكول تعاون لتوفير خدمات مصرفية داخل مراكز الشباب    بنك مصر وسي آي كابيتال يحصدان 21 جائزة من مؤسسة ايميا فاينانس    البورصة المصرية تربح 40 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    محافظ المنيا يوجّه بإخلاء عاجل لعمارة آيلة للسقوط بمنطقة الحبشي ويوفر سكن بديل ودعم مالي للمتضررين    السيسي يعلن تدشين مقر جديد للمكاتب الأممية الإقليمية والقطرية بالعاصمة الإدارية    بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.. "إير فرانس" تعلق رحلاتها إلى الإمارات والسعودية وتل أبيب    بنك مصر يتبنى رعاية 19 اتحاداً رياضياً مصرياً    ضبط 55 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    مصرع شخص دهسته سيارة نقل بمنطقة شرق العوينات في الوادي الجديد    فرقة الفنون الشعبية تستقبل وزير الثقافة في افتتاح قصر نخل بوسط سيناء    في ذكراه ال30.. عاطف الطيب مخرج المهمشين الذي حوّل السينما إلى مرآة للوطن(تقرير)    في أسبوعان فقط.."حلال فيك" ل تامر حسني تتخطى ال 12مليون مشاهدة    «الجيزة» ترفع 650 طنًّا من المخلفات من نفق الفكهانية بحي العمرانية    تنسيق الجامعات 2025، كليات ومعاهد تقبل طلاب الشعبة العلمية بالثانوية العامة    جامعة حلوان ضمن أفضل الجامعات العالمية فى تصنيف QS 2025    رئيس الاستخبارات الروسية: واشنطن لم تخطر موسكو بشأن الهجوم على إيران    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 5 أشخاص مرتبطين ببشار الأسد    السيسي يُعلن تدشين مقر جديد للمكاتب الأممية الإقليمية بالعاصمة الجديدة    وزير الخارجية الإيطالي يجري محادثات هاتفية مع نظيريه الإيراني والإسرائيلي    "القومي لحقوق الإنسان" يستعرض مع لجان النواب تعديلات قانون إنشاء المجلس لتعزيز الاستقلالية    الاتحاد المصري يعزي الجزائر في وفاة مشجعي حادث ملعب 5 يوليو    ألونسو: فالفيردي يذكرني بجيرارد.. وليس عليك أن تكون مهندسا لتعرف ذلك    حوار - جوزيه يتحدث عن غضبه من مدير الكرة بالأهلي وعروض الزمالك.. ورأيه في كأس العالم للأندية    "صفقات تعدي المليار وناس واخده زوجاتهم".. مجدي عبدالغني يفتح النار على لاعبي الأهلي    رينارد: المنتخب السعودي حقق هدفه من المشاركة في الكأس الذهبية    وظائف شاغرة في الهيئة العامة للأبنية التعليمية    رئيس الشيوخ في ختام عمل المجلس: نجدد العهد مخلصين للوطن أيا كانت مواقعنا    إصابة 9 أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص بالبحيرة    انتهاء رفع أنقاض "عقار شبرا المنهار".. ولا ضحايا حتى الآن | فيديو وصور    سامو زين يستعد لبطولة فيلم رومانسي جديد نهاية العام | خاص    رئيس هيئة الدواء يستقبل رئيس منظمة فريق عمل المواءمة العالمية    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    قصر ثقافة الجيزة يشهد صالون النشر الثقافي في دورته الأولى.. الأربعاء    سامو زين يستعد لطرح ميني ألبوم جديد    مجمع البحوث الإسلامية في اليوم الدولي للأرامل: إنصافهن واجب ديني لا يحتمل التأجيل    ما هي سبب بداية العام الهجري بشهر المحرم؟.. المفتي السابق يجيب    محافظ الدقهلية يفاجئ مستشفى السنبلاوين ويبدي رضاه عن الأداء    عبدالغفار: مصر حريصة على ترسيخ شراكات أفريقية مستدامة في المجال الصحي    تناول هذه الأطعمة- تخلصك من الألم والالتهابات    أعراض سرطان العظام.. علامات تحذيرية صامتة    مي فاروق تحيي حفلا بدار الأوبرا مطلع يوليو المقبل    دعاء الحفظ وعدم النسيان لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحان    صباح الكورة.. ديانج يعلق على مواجهة الأهلي وبورتو و4 أندية تبحث عن مدربين جدد لموسم 2025    وزير التعليم العالي يضع حجر الأساس لمركز أورام الفيوم    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    قريبًا .. هنيدى على مسرح الدولة    ضبط أحد الأشخاص بالقليوبية لقيامه بإدارة كيان تعليمى "بدون ترخيص"    السجن المشدد ل 9 أشخاص بالإسكندرية بتهمة استعراض القوة والعنف    «وزير الإسكان» يشدد على رفع مستوى الخدمات المقدمة لسكان ورواد قرى مارينا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    الكشف عن سر إشارة حكم مباراة ريال مدريد وباتشوكا    سى إن إن: منشأة أصفهان النووية الإيرانية يرجح أنها لا تزال سليمة    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    اجتماع أوروبي مرتقب يناقش التصعيد في إيران وأزمات الشرق الأوسط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالوهاب بدرخان يكتب : ماذا سيفعل الأسد ب «انتصاره» في حلب؟
نشر في الوفد يوم 01 - 12 - 2016

أصبحت للعرب قضايا «فلسطينية» ثلاث، فلسطين والعراق وسورية، وربما يستزيدون لاحقاً. هي «فلسطينية» بمختلف الأبعاد التي مثّلتها تلك التي وسموها لزمن طويل «القضية المركزية»، ولم تعد كذلك، لأن الدول التي دافعت عن مركزيتها أصبحت هي نفسها إمّا قلقة على مستقبلها، أو مأزومة، أو آيلة الى التفتت والتقسيم. وهي قضايا «فلسطينية» لأن شعبَي سورية والعراق مرّا ويمرّان بما عاناه الشعب الفلسطيني وكابده من مجازر وتشريد وعذابات ومهانة، بل من محاولات لإبادة وجوده. تلك مآسٍ كان يُفترض ألا تتكرّر وألا يُسمح بتكرارها، وكان فيها عدوٌ غريب لا يزال المجتمع الدولي يعتبره محتلاً استولى على الأرض بالقوّة لكن الرعاية الأميركية سهّلت للبغي الإسرائيلي مواصلة سرقة الأرض وإقامة كيان بكل المواصفات العنصرية (الأباتاردية). وما يبدو الآن أن تجربة إسرائيل استطاعت أولاً تلقين نظامَي سورية والعراق أساليب ممارسة الوحشية والهمجية، وتحوّلت ثانياً الى ارهاصٍ يمهّد لاختراق إيران هذين البلدَين عبر تصنيع «الأعداء الداخليين»، وما لبثت التجربة الإيرانية أن تفوّقت على الإسرائيلية بكونها غزت العراق برعاية أميركية وشرّعت غزوها لسورية برعاية روسية.
ماذا بعد حلب في سورية، وماذا بعد الموصل - أو بعد «داعش» - في العراق؟ السؤالان مطروحان من دون إجابات واضحة. لكن انتهاء المعركتَين، بالتزامن مع انتخاب دونالد ترامب واعتزامه «التعاون» مع فلاديمير بوتين، يعني أن موسم «تقاسم المصالح» اقترب أكثر فأكثر، وأن ترجمته على الأرض ستكون معنيّة بميزان القوى لا بحقوق الشعوب وطموحاتها ومستقبلها. اذا كان لسورية والعراق أي معنى تاريخي أو اجتماعي أو ثقافي لشعبيهما فإن القوى الخارجية اختزلته بالارهاب، ب «داعش»، ولم يعد الغرب معنيّاً بمجمل المشرق. فمن جهة اختصر ترامب موقفه من سورية بأنه أولاً لا يريد مواجهة مع روسيا، وثانياً لا يريد دعم معارضة لا يعرفها، ومن جهة أخرى يُشهر فرنسوا فيون شعار «حماية مسيحيي المشرق» ليبرّر استعداده للتعامل مع بوتين وبشار الأسد وملالي طهران. وبكلامٍ أوضح فإن هذه الذرائع لا تشكّل سوى توليفة لتغطية أخطاء الغزو الأميركي للعراق والفشل في التصدّي للتمدّد الإيراني ثم التدخّل الروسي. ولعل الأخطر في هذه التوليفة أنها لا تعكس فقط تحوّلاً جذرياً مقلقاً في التعامل مع الأزمتين السورية والعراقية، وأمكن تلمّس بداياته مع ادارة باراك أوباما، بل أيضاً في المعايير المبدئية للسياسة الدولية في عالم ترامب - بوتين.
كانت محنة مسيحيي العراق بدأت واشتدّت على نحوٍ خطير خلال الوجود الأميركي وبانتهاكاتٍ من حلفائه المحليين ثم بلغت ذروة مأسويتها حين بادرهم «داعش» بضغوطه الهمجية. أما مسيحيو سورية فعانوا من «شبّيحة» الأسد وإنْ لم يحاربوه ومن فوضى المعارضة التي يساندونها ولا شك أن صعود اسلامويتها أقلقهم، ثم وجدوا مستقبلهم مهدّداً بإرهاب «داعش» وما بعده، أي أنهم فقدوا الشعور بإمكان العيش بأمانٍ في بلدهم. لكن الغرب لم يحاول حماية المسيحيين ولم يقدّم لهم لقاء تخاذله سوى تسهيلات لهجرتهم، كما فعل سابقاً بالنسبة الى الفلسطينيين ليس بدافع انساني بل لأن انتشارهم في الشتات يكمل دعّم وجود اسرائيل وأمنها كهدفٍ رئيسي للاستراتيجية الغربية. لكن استخدام مسألة حماية المسيحيين، كواجب ديني غربي، لإضفاء مشروعية على التعاون مع بوتين والأسد وملالي إيران، ليس سوى «شرعنة» لجرائم الحرب والمجازر والسلاح الكيماوي، وإعفاء مسبق للمجرمين من أي محاسبة أو عقاب، بمقدار ما هو تجاهل لنحو مليون ونصف المليون سوري بين قتيل ومعوّق ومصاب ومفقود ولأكثر من ستة ملايين لاجئ تكافح اوروبا لوضع الحواجز أمامهم ويشبّههم دونالد ترامب الابن ب «السكاكر المسمومة».
عدا الرمزية الشخصية وظروف التجربة ومغازيها داخلياً وخارجياً، فإن الفارق بين فيديل كاسترو وبشار الأسد هو بالتأكيد في عدد الضحايا والهاربين من استبدادهما. ولا شك في أن المقارنة تظلم الزعيم الكوبي الذي توفي قبل أيام بالنظر الى الحصيلة السوداء القياسية التي لا يزال رئيس النظام السوري يراكمها. وإذ اعتبر ترامب ان كاسترو كان «ديكتاتوراً وحشياً قمع شعبه» مختصراً إرثه ب «فرق الإعدام والسرقة والمعاناة التي لا يمكن تصوّرها والفقر والحرمان من الحقوق الأساسية للإنسان»، فإن نعيَه العدائي لديكتاتور راحل لا يستقيم مع نقد ناعم لديكتاتور لا يزال حياً ب «إرث» أكثر هولاً، ولا مع استعداد للتعاون مع روسيا لدعمه. وهذا الديكتاتور يستعد لإعلان انتصاره في حلب.
أي «انتصار» للأسد لا ينفي، بل يؤكّد، فشله منذ اليوم الأول في تفادي الكارثة، وفشله كحاكم ومسؤول في الحفاظ على سورية وشعبها وسيادتها، وبالتالي نجاحه في اجتذاب الإرهابيين وإفلات «شبّيحته» وحلفائه لتدمير البلد واقتصاده ومستقبله. فماذا يريد من هذا الانتصار وماذا سيفعل به؟ الأكيد أنه لا يرغب في سماع شيء عن إصلاح أو «انتقال» سياسيين، فحتى المعارضون الذين لم يشاركوا في أي عمل عسكري ولاذوا ب «منصّات» أو مظلات موسكو والقاهرة والأستانة واللاذقية وحميميم، ويريدون الآن عقد مؤتمر في دمشق أو في مطارها ل «فتح مسار حوار سوري داخلي»، غير مرغوب فيهم، ولا يستطيع الروس ضمان أمنهم لا شفهياً ولا خطيّاً. لماذا؟ لأن النظام يخشى حواراً كهذا ولو أراده لما أحبط محاولةً دعا اليها هو نفسه، ثم لأن المعارضين في نظره نوعان: إمّا أنهم ارهابيون، أو لا يمثّلون أحداً بمن فيهم الأحزاب التي طلبت أجهزته انشاءها. لكن الأهمّ أن هؤلاء المعارضين المتنادين للقاء تحدّثوا، في مختلف وثائقهم بالغة التنقيح والتعقيم، عن «اصلاح النظام» وأجهزته وسلوكه، وعن استعداد للتحاور والعمل. بل إن ارتياح موسكو ودعمها لمبادرتهم يثيران ارتياب الأسد وحلفائه الإيرانيين الذين بادروا الى تسريب التحضيرات «السرّية» ل «المؤتمر» كي تتمكّن بثينة شعبان من نفي «أي وجود» لهذا المؤتمر.
طالما أن النظام يشعر بأنه يقترب من «الانتصار» في حلب بحسم عسكري يعود الفضل فيه للروس والإيرانيين فإنه لا يتوقّع من المعارضين سوى الاستسلام ولا يرى داعياً لأي تفاوضٍ أو حوار معهم. لكن ماذا سيفعل الأسد ب «انتصاره»؟ هل يفكّر مثلاً في إعادة النازحين واللاجئين والمهجّرين الى بيوتهم ومواطنهم؟ هناك «حزب الله» الحليف اللبناني - الإيراني للأسد شارك في اقتلاع السكان، وحليف لبناني آخر هو حزب الرئيس ميشال عون لا يكلّ من المطالبة بإعادة نحو مليون نازح، لكن الأسد وحليفه الإيراني ماضون في هندسة التغيير الديموغرافي، وهو أبدى أخيراً في لقاء صحافي ارتياحه ل «لتركيبة الاجتماعية» الحالية بعد تجويع داريا وإخلائها. أقرب ما يمكن توقّعه أن يقلّد النظام اسرائيل التي تضطرّ السلطة الفلسطينية للتفاوض معها على «عودة» أو مجرّد «دخول» أي فلسطيني، وقد تقبل أو ترفض.
لكن هل يعني «الانتصار» نهاية الصراع؟ كرّر الأسد انه سيستعيد السيطرة على كل سورية، وهذا قرار يملكه الروس ويتطلّب موافقتهم على تدمير المزيد من المناطق وتهجير ملايين السكان واستيراد ملايين الشيعة لملء الشغور. ولعل أهمّ الشروط أن تكون هناك دولة قادرة على ادارة هذه «السيطرة»، والحال أن المناطق التي كانت ولا تزال في قبضة النظام ولم تشهد قتالاً تديرها حالياً ميليشيات بمثابة عصابات. فالنظام الذي يتهافت عسكره لتقاسم المناطق المستباحة كغنائم يكون قد فَقد «مفهوم الدولة» ولا يستطيع إعادته ولا حتى إعادة الدولة نفسها كما كانت، بل لا يكون قادراً على التعاطي مع أي شيء يمكن ان يسمى «حلاً سياسياً» ولو تجاوزاً. وبالطبع لا مجال للحديث عن إعادة الإعمار التي كان الروس أول من أنذره بأنهم غير معنيين بتمويلها، وليس في الوارد أن يساهم الاتحاد الاوروبي أو أي دولة خليجية أو حتى الصين التي يهمّها أن تتأكّد أولاً من وجود حدٍّ أدنى من الاستقرار. فالكلّ مدرك أن وجود الأسد يعني استمرار الحرب.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.