74 عامًا، عاشتها مصر تحت وطأة احتلال إنجليزي غاشم، دخل تحت أعين حاكميها، وخرج بعد ثورة سدد فاتورتها الشعب والجيش المصري، بعدما وقَعت مصر في تلك الآونة واحدة من الاتفاقيات الفاصلة في تاريخها قضت برفع الظلم الإنجليزي عنها، وجلاء الجنود الأجانب عن أراضيها بعد فترات طويلة من المفاوضات. هي اتفاقية الجلاء التي مر على توقيعها 74 عامًا، حيث الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مع الاحتلال الإنجليزي عقب ثورة 23 يوليو بعامين وتحديدًا في عام 1952، في مثل ذلك اليوم، الذي يسميه البعض بالخلاص. لكن البداية ترجع إلى الخديوي توفيق، الذي سمح بدخول الاحتلال الإنجليزي إلى مصر عام 1882، وواجه بعدها نضالًأ لا ينسى من الشعب المصري، بدأ مع الزعيم أحمد عرابي، الذي رفض التدخل الأجنبي في شؤون مصر، وطالب وقتها حين كان ضابضًا في الجيش مع مجموعة من زملائه، الخديوي بترقية الضباط المصريين وعزل رياض باشا، رئيس مجلس الوزراء. إلا أن الخديوي لم يتقبل هذه المطالب، وبدأ في التخطيط للقبض على "عرابى" وزملائه، حيث اعتبرهم من المتآمرين عليه وعلى العرش، حتى فاجئه الاخير وقاد المواجهة الشهيرة معه يوم 9 سبتمبر 1881، حيث تُعد أول ثورة في تاريخ مصر. وعقب ذلك، رضخ "توفيق" لمطالب الضباط، وتم عزل "رياض" باشا، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة "محمود سامى البارودي"، وشغل "عرابى" فيها منصب وزير الدفاع، لكن خلافًا نشب بين الخديوي ووزارة "البارودي"، بسبب بعض الأحكام العسكرية، فضلًا عن غضب "توفيق" من وجود عرابي في الحكومة. ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف فرصة للتدخل في شؤون البلاد بدعم من الخديو، فبعثتا بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار، وبعد هزيمة الجيش المصرى أمام القوات البريطانية التى جاءت بحجة حماية عرش الخديو "توفيق" من الثورة الشعبية، وقعت مصر فى أيدى الإنجليز، لتستمر فى قبضة الاحتلال لمدة 74 عامًا. ومنذ ذلك الحين و ارتكز الاحتلال الإنجليزي في مصر، وبدأ يوسع مستعمراته ويستغل ثروات مصر وأرضها في خدمة أغراضه، إلا أن الشعب المصري ورجاله وزعمائه أبوا ذلك وبدأوا النضال ضد الاحتلال لإزاحته عن أرضهم. وحمل راية النضال زعماء الأمة وقتها مصطفى كامل ومحمد فريد، في الداخل والخارج، حتى ثورة 1919 بقيادة الزعيم سعد زغلول، وانتفاضة الشعب الشهيرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإضراب جميع الطوائف بمن فيهم ضباط الشرطة الذين اعتصموا بنواديهم في أكتوبر 1947 وأبريل 1948. والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في قناة السويس فور رفع الأحكام العرفية بعد انتهاء حرب فلسطين، وإعلان مصر دولة مستقلة تحت الحماية البريطانية، والمقاومة الشعبيبة وغيرها من البطولات والملاحم. واستمر هذا الكفاح بعد قيام ثورة يوليو، التي قامت بقيادة تنظيم الضباط الأحرار، وكان هدفها الرئيسي تطهير الأراضي المصرية من الاحتلال الإنجليزي، وبعد نجاح الثورة وإعلان جمهورية مصر العربية وإلغاء النظام الملكي، بدأت المفاوضات مع الجانب البريطاني لتوقيع الاتفاقية. واستمرت المفاوضات لمدة 15 شهرًا بشكل متقطّع، وانتهت في 1954، بتوقيع جمال عبد الناصر على اتفاقية الجلاء، وأُذيع بيان بمناسبة التصديق على الاتفاقية، بعد ارتقاء آلاف الشهداء في طريق طويل من النضال والتضحيات. ونصت الاتفاقية على أن حكومة جمهورية مصر وحكومة المملكة المتحدةلبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا، ترغبان في إقامة العلاقات المصرية الإنجليزية على أساس جديد من التفاهم المتبادل والصداقة الوطيدة، واتفقتا على أن تكون فيه مصر جمهورية مستقلة. ومن بنودها أيضًا، جلاء القوات البريطانية، جلاء تام عن الأراضي المصرية، وعدم بقاء أي أجزاء من قاعدة قناة السويس الحالية، وفي حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون عند توقيع هذا الاتفاق طرفًا في معاهدة الدفاع المشترك. كما انه في حالة عودة القوات البريطانية إلى منطقة قاعدة قناة السويس، تقدم حكومة جمهورية مصر تسهيلات مرور الطائرات وكذا تسهيلات النزول وخدمات الطيران المتعلقة برحلات الطائرات التابعة لسلاح الطيران الملكي التي يتم الإخطار عنها. وبالفعل، في 13 يونيو 1956، غادرت بورسعيد الباخرة البريطانية "إيفان جب"، وعلى ظهرها آخر فوج من العساكر الإنجليزيين الذين كانوا فى مبنى البحرية فى بورسعيد، ورفع الزعيم عبدالناصر علم مصر على المبنى.