مع غياب الرقابة الحكومية تتعدد مخالفات البناء بشكل عام ومخالفات الإسكان فى المساكن الشعبية الحكومية، ورغم أن الآلاف من هذه المساكن متهالك ومضى عليه أكثر من ستين عامًا، ورغم أنها مهددة بالانهيار بين وقت وآخر، إلا أن أجهزة المحليات فى الأحياء تغض الطرف عما يحدث من مخالفات، إما بزيادة الارتفاعات أو تحويل الشقق الأرضية إلى محلات وأنشطة تجارية وورش وكافيهات مقلقة للسكان. الخطير أن الظاهرة لم تقتصر فقط على الأحياء السكنية القديمة مثل: إمبابة وشبرا وضواحى المدن، ولكنها تجاوزت ذلك إلى المدن الجديدة فى أكتوبر والتجمع والسلام والعاشر من رمضان وأصبح «التصالح» مع الحى وسداد الغرامة بابًا خفيًا لتقنين المخالفات. فى مدينة 6 أكتوبر وبالتحديد فى الحى العاشر قالت «منى»: نعيش فى قلق دائم نتيجة وجود بعض ورش الميكانيكا والسمكرة التى تقلق راحة السكان، بالإضافة إلى الألفاظ التى يبديها رواد تلك الورش والتى تسيء لنا ولأبنائنا. كما أكدت «أحلام» أن السيدات يتعرضن لألفاظ ومضايقات من رواد على المقاهى والورش الموجودة بالدور الأول أسفل العمارات والموجودة بالمخالفة كونها مكاناً مخصصاً فى السوق التجارى أو المنطقة الصناعية لكل مجاورة وليست بين السكان والأهالى حتى لا يتعرضون لما يسىء لهم. ومن إمبابة قال الحاج محمد: إن المخالفات لتعليمات المبانى على العقارات التى تم بناؤها منذ أكثر من ستين عامًا يهدد تلك العقارات وحياة السكان نتيجة الأحمال الزائدة عليها لأن تلك المساكن لها مدة افتراضية لا تزيد على خمسين عامًا. والتقطت الحديث «علياء» صارخة: ما يحدث حرام لا يرضى أحدًا.. أين الدولة والحكومة؟ أين المسئولون؟ حياتنا وحياة أولادنا مهددة بالموت فى أى لحظة. السكان يقومون ببناء أدوار كاملة لشقق مخالفة على أسطح العمارات وهى أساسًا متهالكة ويقومون بتأجيرها أو بيعها، وهذا ليس من حقهم لأن كل ساكن له شقة سكنية واحدة فقط استلمها من المحافظة فى هذه المساكن من أيام عبد الناصر. ويتفق إبراهيم وعمرو وأبو أحمد وإيمان ومروة وعزة ولمياء فى الرأى على العديد من المخاطر التى يتعرضون إليها من إقامة هذا البناء المخالف المهدد لحياتهم وحياة ذويهم، مؤكدين على ما يرتكب أيضًا فى التعليات المخالفة لشروط البناء من أعمال مخالفة وخارجة على القانون والآداب العامة. وبالفعل تقدم بعض ساكنى هذه العقارات بشكاوى إلى الجهات المسئولة من الحى وإدارة المدن الجديدة، إلا أنها لم تحرك ساكنًا.. وسكان كل حى صارخين مطالبين رئيس الحكومة بالإلزام وإزالة جميع المخالفات. وغالبًا ما يخشى ساكنو هذه العقارات الشكوى أو إبلاغ الجهات المسئولة خشية الفتك بهم أو التعرض لهم أو لأبنائهم من هؤلاء الخارجين على القانون. وبعد أن سمعنا صرخات بعض المواطنين قاطنى هذه المساكن طرحنا هذه التساؤلات على المسئولين والمتخصصين، وكان السؤال: هل قانون التصالح مع مخالفات البناء لصالح المواطن أم خنجر فى ظهره؟ فأجاب لواء أسامة هلال، رئيس حى المقطم: إن القانون سيكون فى صالح المواطن، وتنفيذه سيحد من المخالفات جدًا، خاصة أن الفترة الماضية كان بها مخالفات كثيرة وفجة فى معظم الأماكن.. مؤكدًا أنه بعد تنفيذ القانون نستطيع السيطرة على مخالفات البناء بقدر كبير جدًا. وأوضح أن الحى يحاول بقدر المستطاع إزالة هذه المخالفات والحد منها من خلال المرور المستمر عليها ومراجعة الأعمال وإقامة الحملات. وحول مخالفات البناء بحى المقطم قال: تمت إزالة العديد من المخالفات فى الحى، وعن تحويل الأماكن من سكن إلى أنشطة تجارية أشار إلى وجود بعض الأماكن التى يسمح فيها بإقامة هذا النشاط التجارى محل السكن، مقابل تكاليف مقدرة من المحافظة وتقدر ب«المتر»، وبعد التقييم يدفع صاحب المكان الغرامة. وأضاف: خلال الأسابيع الماضية تم هدم ثلاثة أدوار من هذا البناء المخالف، وإزالة محلات مخالفة فى مساكن الزلزال، ويجري العمل على استكمال البناء المخالف للقضاء على جميع المخالفات على جميع المستويات.. وقريبًا جدًا المقطم سيكون بدون مخالفات بنائية. ولفت إلى أنهم يعملون على تأمين الناس، إلا أن البعض يتعمد شراء الإسكان المخالف ثم يلجأ إليها متضررون، لذا يجب على هؤلاء رفض شراء البناء المخالف، وبالتالى سيكف المخالفون عن البناء لأنه لن يجد من يشتريه، لذا أطالب الحكومة بتغليظ عقوبات المخالفات. ويطالب يحيى سكر، نائب رئيس حى البساتين، بضرورة العمل على إصلاح وتغيير التشريعات الحالية، والحى دوره عمل قرار اسمه إيقاف أعمال، مشيرًا إلى أنه عند ضبط المخالفة يتم عمل محضر بمعاونة الشرطة لوقف الأعمال المخالفة، وإذا استمر فى العمل يحرر له محضرا وقرار إزالة. بعد تصديق المحافظ أو نائب المحافظ عليه، ثم يتم عمل دراسة أمنية، وبعد ذلك يعطى الأمن تصديقًا على الإزالة، مشيرًا إلى الموافقة الأمنية على الإزالة تتأخر كثيرًا، مؤكدًا أن هناك الآلاف من المحاضر وقرارات الإزالة فى انتظار قرار النزول من الشرطة أو الموافقة الأمنية على التنفيذ سواء كانت الإزالة كلية أو جزئية، لافتًا إلى أن المساكن الشعبية تعد أملاك دولة وإدارة تنفيذ الأحكام بالحى هى التى تتولى تنفيذ الأحكام مع الشرطة وفقًا لقرار الجهات الأمنية. وأوضح أنه يتم تحرير محاضر فى حال تحويل الوحدات السكنية لأنشطة تجارية وأن الجهات الأمنية سمحت بإزالة بعضها فقط ولكن الكل نظرًا لأن بعض الوحدات تكون مسكونة وشاغلة بالأشخاص ومن الممكن أن يكون فى إزالتها ضرر بالمواطنين، وهنا يكتفى الملف الأمنى بفرض غرامات عليها فقط، لافتًا إلى أنه بعد مرور فترة زمنية وفقًا للقانون يمكن أن تتحول تلك المساكن الشعبية من وحدات سكنية إلى أنشطة تجارية مع فرض رسوم مالية. ومن هنا يطالب الحكومة بعودة «شرطة البلدية» مثل المحاكم البلدية فى الماضى.. ويكون لديها السلطة لوضع الدراسة الأمنية.. خاصة أن إجراءات شرطة البلدية تكون سريعة فى التنفيذ. دور الدولة ويتساءل عبدالعزيز قاسم، سكرتير الشعبة العامة لمواد البناء: أين دور الدولة فى معاقبة من يقوم بالبناء على أملاك الغير أو يغير نشاط مساكن مملوكة للدولة أو حتى لأفراد، مطالبًا بإصدار قانون صارم لمخالفات البناء. وأشار إلى أن المخالفين يقومون بالتعدى أيضًا على الحدائق الخاصة بالمساكن والأرصفة والبناء عليها، لذا لابد من قانون يبيح الحبس لمن يتعدى على أراضى ومبانى الدولة وإقامة البناء المخالف.. وإذا تم هذا فلن يجرؤ أحد بالتعدى والبناء المخالف. وقال إن المساكن الشعبية لها عمر افتراضى أكثر من خمسين عامًا، وبالتالى أساساتها أصبحت متهالكة والصرف الصحى بها متهالك.. وتلك المساكن تعد بالنسبة لسكانها «تمليك» بحكم القانون.. لكن لا يجوز البناء المخالف عليها وإقامة أدوار جديدة وارتفاعات تكميلية، علمًا بأن الساكن يملك وحدة سكنية واحدة فقط.. مشيرًا إلى أن هذه التجاوزات تعود إلى وجود فساد فى المحليات. وطالب الحكومة بتطوير القوانين، بحيث إن من يتعدى على أملاك الغير وأملاك الدولة يسجن فورًا، وخلاف ذلك سيستفحل الفساد فى الأحياء. كما طالب الدولة بتعيين موظفين ذات كفاءة فى رئاسة كل حى ومجلس مدينة، مؤكدًا أن الفساد نابع من عدم المحاسبة. تراكمات الفساد ويرى داكر عبدالله، عضو مقاولى التشييد والبناء، أنه نظرًا للظروف التى مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية بعد ثورة 25 يناير والتى أدت إلى وجود مشاكل سيئة اجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى تراكمات فساد فى قانون البناء المخالف بدأت تظهر الآن أمام المحاكم. ويطالب قاسم الدولة بتأمين المواطن دون الإخلال بالنظام العام للبلد من خلال عمل إجراءات لحماية المواطن، والبحث عن حلول للقضاء على هذه الظاهرة التى تؤثر بشكل كبير على سلامة المجتمع والمنع من التقدم والنمو. وأشار «قاسم» إلى أنه بعد أن تولى الرئيس «السيسى» حكم مصر، تم تشكيل مجلس نواب وطنى.. بدأ النواب يطرحون الحلول لهذه الظاهرة مع المجتمع المدنى ودراسة المقترحات للحل، مشيرًا إلى أن المادتين الأولى والثانية من قانون التصالح المزمع عرضه على مجلس النواب فى أولى جلسات دورة الانعقاد القادمة يحترم نصوص التصالح، وهى لصالح المواطن.. لكن لا يجوز التصالح فى مخالفات البناء فى المساكن الشعبية. المبانى الآمنة وحول قانون التصالح فى مخالفات البناء أكد أحمد الزينى رئيس شعبة البناء بالغرفة التجارية أنه مع التصالح والمبانى الآمنة وغير المخالفة لشروط البناء لأن الأمانة شىء مهم، لافتًا إلى أن البناء المخالف خاصة الأماكن التى بها سكان تجعل الحكومة غير قادرة على إخراجه من المكان، وبالتالى تستفيد منه.. لكن لم تتصالح معه إذا كان غير آمن، وبناء على تقييم اللجنة إذا كان المبنى آمنًا فلا مانع من التصالح والمخالف لشروط البناء لم يتم معه التصالح، مشيرًا لا يجوز البناء على المساكن الشعبية.. ويجب إزالة المخالف منها فورًا، وعدم إخضاعها لقانون التصالح، خاصة الآيلة للسقوط.. مؤكدًا أن سكوت الحى عن هذا يعد تواطئًا وإهمالاً جسيمًا يودى بحياة المواطنين للخطر. ونطالب اليوم بأنه يجب تحويل الوحدات السكنية إلى أنشطة تجارية، ولا يجوز التصالح مع المخالف لأنه خالف الشروط وحول الوحدات السكنية إلى نشاط تجارى، وفى هذه الحالة يجب فرض غرامة عليه بقيمة خمسة آلاف جنيه. ولفت إلى أن كل المدن الجديدة أيضًا فى التجمع والقاهرة الجديدة وأكتوبر بها الكثير من البناء المخالف والتعديات.. فكيف للدولة أن تسمح بهذا وتفرض قانون تصالح.. وأكد «الزينى» أنه ليس مع قانون التصالح.. فلا يجب تقنين وضع بل يجب فرض غرامات وإغلاق هذه الكيانات المخالفة. ويطالب الزينى بتعديل سريع فى كل القوانين الموجودة فى مصر والتى يعود بعضها إلى العصر الملكى.