منذ أكثر من عشر سنوات كتبت هنا بتاريخ 9/4/2001 مقالا بعنوان «دليل الحاكم الذكي لِحُكمِ شعبٍ صبور» ثم كان ما كان هذه الأيام فشعرت أنه لابد أن يتغير الخطاب، فيتغير الدليل، وبرغم حرصي الشديد ألا أحرم هؤلاء الفائزين من فرحتهم التي هي حقهم برغم كل شيء، فقد وجدت أن عليّ أن أقول ما عندي في هذا الوقت الذي أراه مناسبا تماما، مع دعواتي لهم بالتوفيق وألا يصاب أي منهم بالصمم السياسي، خاصة أن بعضهم عنده استعداد – بعيد الشر – للإصابة بالصمم التراثي. وإليكم بعض توصيات الدليل الجديد التي لا تعدو أن تكون رؤوس مواضيع قد تحتاج إلي عودة: عزيزي الحاكم المسلم (وفقه الله وأعانه علي نفسه وعلينا) أنت خير من يعلم أن الدين النصيحة، لكن دعني أولا أدعو الله أن يهدينا وإياكم إلي خير العمل وعمل الخير، ثم خذ عندك: - تذكّر أن الأمانة التي تصدينا لحملها – نحن البشر – دون السماوات والأرض والجبال لا تقتصر عليك لأنك مسلم، بل هي لأي إنسان، أي أنها أعم وأشمل، فهي أمانة أنك بشر أكرمك الله بالوعي والإرادة، وقد أشفق سبحانه أن يعرضها عليك ابتداءً، لكنك تصديت لها، فحذرك ربنا، كإنسان، أن تكون جهولا بتبعاتها، أو أن تظلم نفسك إن أنت عجزت عن حملها، فما بالك وقد أصبحت مسئوليتك أن تحكمنا؟! - تذكر سيدي الكريم أنه ليس لك فضل شخصيّ جدا أن تكون مسلما، وإنما الفضل لله سبحانه وتعالي الذي أتاحت لك مشيئته أن تولد من أبوين مسلمين، فإذا خطر لك أنك متميز، فلا فضل لك في ذلك، بل عليك مسئولية أكبر، فما بالك وأنت تحمل هذه الأمانة الأثقل: الحكم؟ - من حقك، مع أنك لم تبذل جهدا كافيا، أن تعتبر أن دينك أفضل الأديان وأصحها، ولأني مسلم مثلك، فأنا وجدت في ديني ما يبرر ذلك، لكن في نفس الوقت، أعتقد وأذكّرك، ونفسي، أن كل من ولد من أبوين غير مسلمين، وله دين، أو حتي لو اخترع له دينا خاصا، يعتبر دينه أفضل الأديان، وبقدر ما تسخر منه، أو تشفق عليه وتدعو له بالهداية ناهيك عن احتمال أن تظلمه، هو مثلك تماما، فلا تنس أنه قد يخطر بباله عنك، تماما مثل ما يخطر ببالك عنه. - تذكر أيضا أن الله سبحانه وتعالي سوف يحاسبك كما أوصاك أن تحاسب نفسك، بمقياس العدل المطلق، وهو نفس المقياس الذي عليك أن تقيس به آراء ومعتقدات الآخرين، وإلا كنت من المطففين، الذين إذا قيّموا دينهم يستوفون، وإذا حكموا علي غيرهم يُخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟ - تذكر أنك لو قضيت عمرك كله لتقنع مليونا واحدا من كل البشر من غير دينك (خمسة مليارات والنصف ليسوا مسلمين = 5.430.000000 نسمة) تقنعهم بالدخول إلي دينك حبا فيهم ورحمة بهم، فلن تنجح إلا مع أقل القليل، ربما لمحدودية عمرك، فلضيق الوقت!!، في حين أنك لو أحسنت حمل أمانة ما أمر به دينك – الإسلام– لمقاومة ما يجري في العالم ضدك وضدهم من شرور وظلم لكان أنفع للجميع، وأكرم لديننا الإسلام حلاًّ لكل الناس المستضعفين في الأرض. - تذكر أنك حملت الأمانة لمجرد كونك بشرا، ثم توليت أمرنا لكونك مسلما نجحت أن تقنع بعض أهل دينك أنك قادر علي الوفاء بوعوده، فما أكرم وأثقل كل ذلك مع أن البداية كانت بفضل الله عبر والديك، لا بجهدك. - أنت مسئول سيدي عما آل إليه حالنا، ليس بمعني أنك السبب فيه، ولكن بمعني أن هذه هي نقطة بدايتنا معك، وأن اختيار الأغلبية لك، بأقل قدر من التزوير فعلا، مهما قالوا، قد حمّلك المسئولية أوضح وأكمل، لتصلح ما أفسد القهر، داخلنا وخارجنا، بدءًا بمصر وامتدادا لكل الدنيا. - لعله قد وصلك سيدي رفضي لما اضطر إليه غيرنا (ممن يسمون العلمانيين، أو المدنيين أو التنويريين.. إلخ) من تهميش الدين، أو استعماله من الظاهر بعض الوقت، أو استعماله مثل المسكنات العابرة، أو إخفائه بشطبه من الهوية وكأنه إثمٌ يحيك في الصدر ونخشي أن يطلع عليه الناس، أقول لعل رفضي لموقفهم هذا، مع كل احترامي له وفهمي كيف اضطروا إليه، قد وصلك وأنا أكرر تعرية الشعار السطحي أن «الدين لله والوطن للجميع» وأنبه ساخرا أن الحياة ليست «تورتة» نقتسمها مع الله، وقد أعلنت موقفي مرارا من منطلق ما وصلني من ديني وكدحي وهو: «إن الدين لله، والوطن لله، والجميع لله»، ولهذا تطبيقات عملية، أعتقد أنها قادرة علي أن تنقذ المسلمين وغير المسلمين من هذا الاختزال والاستقطاب الذي لا يليق بكائن تصدي لحمل أمانة سعيه إليه تعالي من كل صوب ودين. - تذكر أن الشفافية المستوردة، والتي يفخرون بها ويحاولون تصديرها لنا هي أبسط أنواع الشفافية، وبعضها مضروب، لأنها سهلة التزييف بالأرقام الملتبسة والإعلام المغرض، أما الشفافية الإسلامية - الإيمانية فهي أشمل وأعمق لأنها تعمل طول الوقت، ليل نهار، من أول تعريف الإحسان، «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، حتي «وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَي». - أدعو الله لك – ولي طبعاً - أن تجد الوقت لتتابع ما يجري في العالم هذه الأيام، وقد أصبح ذلك أسهل من ذي قبل بفضل إنجازات صندوق الدنيا الجديد (النتّ وأخواته)، وسوف يصلك – خصوصا الآن بعد أن أصبحت مسئولا عنا وعنهم - إنها محنة واحدة يعاني منها الأفقر والأضعف عبر العالم، ولن يسامحنا الله، إلا برحمته الواسعة، أن نعتذر بأننا كنا مستضعفين في الأرض (الكروية)، وقد تكون الهجرة الجديدة التي يدعوننا سبحانه إليها الآن هي أن نهجر كل هذه القيم الفاسدة مهما شاع تقديسها إلي قيم جديدة قادرة، ربما نجدها في إسلامنا لو أحسنا قراءته لصالح كل الناس، فهيا أرنا شطارتك. - تذكّر سيدي الحاكم المسلم أن الديمقراطية التي أتت بك رُبّانا لسفينتنا، هي آلية شديدة التفاهة، ضعيفة القدرة، وأنها لا تقيس إلا الرأي الظاهر، ولا تكشف إلا عن قشرة توجه عامة الناس، فهي عاجزة عن قياس الوعي الجمعي الأعمق، أو قياس الحس البقائي اللازم لاستمرار الحياة إلي أفضل، كما أنها عاجزة عن أن تعري مسيرة التدهور التي يقودها الأغني والأشرس، وهي المسيرة التي تهدد نوعنا بالانقراض، ومع ذلك فلا تزال هذه الديمقراطية هي أفضل الأسوأ حاليا، وللضرورة أحكام!! وقد أتت بك إلينا فالحمد لله. - تذكر سيدي أن هذا المستوي من الاختيار بهذه الديمقراطية الضرورية مرحليا، لا يعلن إلا مدي تماثل الناخب مع من انتخبه، في أمور بعضها ظاهر، وأغلبها باطن، فهذه الديمقراطية هكذا لا تستطيع أن تكتشف اتفاقهما (الناخب والمُنتَخَب) علي خطأ فادح، أو تماثلهما في التعجيل بخراب قادم، أو تشابههما في تمادي ظلم متفق عليه، أو في زيادة اغتراب مدمر، أو تجميد فكر متفتح، لا قدّر الله، ومع ذلك فلها الشكر أنها أتت بك إلينا لنأمل فيك، ونتعشم في ربنا وفي قدرتنا علي تغييرك إن شاء الله إذا لزم الأمر. - لعلك تدرك بذلك سيدي أن كل هذه الأصوات ليست شهادة علي أنك علي صواب، وإنما هي دليل أنك أقرب شبها لمن جاءوا بك في هذا المكان، وعليك، كما عليهم، كما هو أيضا علينا، أن نتذكر دائما أنه «بَلْ الإِنسَانُ عَلَي نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَي مَعَاذِيرَهُ». - تذكر أنك لن تدخل البرلمان بعد القادم – أو تجلس علي كرسيك هذا - بنفس أصوات هؤلاء الناخبين الحاليين، بل بأصوات ناخبين جدد، لهم وعي جديد، وموقف جديد، يقاس المرة القادمة بأدائك وليس بوعودك. - انتبه سيدي أنك لن تدخل الجنة بأصوات الناخبين، وإنما بحساب رب العالمين ورحمته، «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه» - تذكر أنه لن ينفعك عند الله أن تعتذر عما فعلت وما ستفعل بأنك إنما تطبق حرفيا ما جاء في مصدر مكتوب في كتب قديمة، أو لأنك اتبعت فتوي قادمة من أهل الكهف، لأن كاتبي هذه الكتب سوف يتبرأون من تبعيتك لهم يوم القيامة، وقد يحتجون أن ما كان صالحا في زمنهم هو غير صالح في زمن حكمك فلماذا استمعت لهم؟ وبنص كلام ربنا لن تتاح لك الفرصة أن تتبرأ منهم كما تبرأوا منك. - وأخيرا تذكر يا سيدي الكريم حال «الأعراب» الذين أعلنوا الإسلام، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، وبالتالي فأرجوك أن تجتهد معنا أن يكون الإسلام، بما في ذلك حكمك، طريقا ليدخل الإيمان في قلوبنا وقلوب – وليس بالضرورة بطاقات هوية- كل البشر، لو سمحت. وللحديث بقية أم أن لحكامنا الجدد رأياً آخر؟ www.rakhawy.org