للظروف فى حياته تفاصيل، سطور حافلة بالإصرار والعزيمة لاستكمال سلسلة نجاح بدأها فى مرحلة مبكرة، قناعته بوصية والده شكلت منه شخصية رجل هادئ عقلانى، يميل إلى السلام، حتى فى عمله يؤمن بمبدأ «فى التأنى السلامة». استلهم الكثير من رواية «البؤساء» لمؤلفها الفرنسى فيكتورهوجو، فى القرن التاسع عشر، ليعلن حربا على ظروف ومطبات لو توقف أمامها عاجزا لانتهى مشواره إلى لا شىء... ياسر سعد رئيس شركة الأقصر لتداول الأوراق المالية، وضع لنفسه النموذج المشرف فى العمل، فلسفته الصراحة، والمرونة لإيمانه أن النجاح لا يتحقق بالمكابرة، والتفاخر بالرأى والقرار المدمر. فى أحد عقارات وسط البلد التى تؤرخ فترات من الحياة يجلس الرجل الأربعينى يحلل المشهد فى هدوء، يتفاخر بأنه قليل الكلام، وسياساته متحفظة، حتى فى عمله. يتبدى فى تصرفاته ذكاء اجتماعى ربما استمده من والدته التى كانت دافعا فى مشواره، جلسنا والضوضاء تملأ أرجاء مكتبه لطبيعة عمله...لحظات حتى انطلق قائلا: للنمو الاقتصادى ركائز وقاطرة قوية تمتلك كل المقومات حتى يتحقق، والقطاع الزراعى مؤهل للقيام بدور القيادة، على ان يكون الاهتمام له شقان، الاكتفاء الذاتى، ثم التحرك فى فلك التصدير، وقتها نتجه صناعيا. «سعد» يقسم المشهد إلى ثلاث فترات.. تفاؤل حذر بدأت مع تولى الرئيس السيسى، وكان سقف الطموحات عاليا، والأحلام واسعة بعد تجربة مريرة مع الإخوان، وكأن الرئيس يمتلك عصا سحرية، ثم يتحول المشهد إلى الضبابية بسبب التخبط الحكومي، وينتهى الحال إلى التشاؤم، بسبب التصريحات الكارثية، وانعكاسها على السوق وارتفاع معدلات التضخم. السياسة النقدية، والمالية، فشل المجموعة الاقتصادية، نغمة الحد الاقصى للأجور، واستثناء فئات بمجرد الخوف من المظاهرات، كلها مؤشرات ومعطيات من وجهة نظر سعد ساهمت فى تكشف حالة التشاؤم، خاصة الاخطاء المتتالية من المسئولين. أسأله: الكثيرون يبررون حالة التشاؤم بنقص الدولار ويعلقون عليه باعتباره شماعة للأزمات. هل لهذا الأمر علاقة؟ يرد «سعد» قائلا: «تدفق الاستثمارات الأجنبية مرهون بتوافر الدولار، لان عدم استقرار سعر الصرف والتعامل بسياسة السعرين فى السوق أكبر معوقات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، حيث إن الاستثمار الأجنبى على مستوى العالم غير مجبر على التدفق، إلا لتوافر مميزات توفرها الحكومة، وهى غير القادرة على توفير الدولار، فماذا ينتظر إذن؟، فليس المهم فى التخفيض، وإنما الأهم توفيره». يحاول «سعد» الخروج من المشهد بتوصيات للحكومة حتى تكون فى محل الدراسات لبث روح الأمل فى السوق، لعل منها جدية المسئولين فى الرغبة بتحقيق العمل، والنجاح، والتوقف عن التصريحات غير المسئولة، وتحديد معايير جيدة لاختيار الوزراء، مع ضرورة تطبيق مبدأ العقاب، وليس الثواب فقط، ومحاسبة المخطئين، وتعافى الاقتصاد لن يكون إلا بالاهتمام بالتعليم. للتعليم دور هام فى أولويات «سعد»، فهو الأهم للتنمية، وفى هذا الصدد استشهد بتجربة سنغافورة، حينما لم تشك حكومتها نقص التمويل ومواردها، وإنما حرصت على تحويل النسبة الأكبر إلى ميزانية التعليم، لتحقق المعادلة الصعبة بريادة الدولة فى اقتصاديات الدول الاخرى، وحل المشاكل الاقتصادية مع التعليم هو الهدف. بدأ «سعد» قلقا، ومنزعجا حينما سألته عن سياسة الحكومة فى ملف الاستثمار والنزاعات التى لم تحسم مع المستثمرين. «حل مشاكل النزاعات والالتزام بالتعاقدات، الحكومة أساءت تقديره والتعامل معه، غير مقبول ان تتم محاسبة المستثمر على أمر ليس من مسئوليته ،حيث قيمة الأرض وقتها قدرت بالسعر الذى تم تنفيذ الصفقة عليه» يقول سعد انه على الدولة اعادة النظر فى منح الامتيازات السداح مداح للمستثمرين، بحيث تكون الامتيازات للمشروعات الضرورية والتى تحتاجها الدولة، من خلال خريطة استثمارية توضح متطلبات ذلك، وكذلك ضرورة الاهتمام بالتركيز على القطاع الخاص والعمل على دعمه باعتباره محرك الاقتصاد». بعض الخبراء يحملون الرقيب والبورصة حالة الارتباك فى سوق الأوراق المالية، وعدم استقرارها، لكن رئيس شركة الأقصر له وجهة نظر فى هذا الأمر، إذ يعتبر أن البورصة رد فعل لحالة الاقتصاد، ولا علاقة لإدارة البورصة بعدم الاستقرار لان الاقتصاد بصورة عامة يفتقد المحفزات. تظل الطروحات القادمة، الشغل الشاغل للمراقبين والخبراء،وسعد لديه صراحة كبيرة ان طروحات الشركات الحكومية المزمع الاكتتاب فيها الفترة القادمة، لن يكتب لها النجاح، بل يعد انتحارا ولطمة اقتصادية، إلا بعد استقرار سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية، لان ليس معقولا ان يتدفق الاستثمار الأجنبى فى ظل سعرين للصرف، كما ان عنصر التوقيت، والسعر العادل، الذى يحقق المكاسب للمستثمرين، واحترافية مدير الطرح، عوامل كلها يجب وضعها فى الاعتبار. «سعد» بدأ حياة البيزنس مبكرا، بعدما كان موظفا بإحدى شركات السمسرة، فى منتصف القرن الماضى، رسم لنفسه طريقا خاصا ومستقبلا ليحقق أول طموحاته بتأسيس شركة الأقصر لتداول الاوراق المالية، باعتباره أصغر رئيس مجلس ادارة وقتها لا يتجاوز عمره 26 عاما. وقفت الظروف واضطرابات الاسواق العالمية عائقا أمام الرجل الأربعينى، لتكون قرارات مايو 2008 نذير شئوم على الجميع، وتتحول طموحاته التوسعية إلى كابوس، رغم انه استطاع زيادة رأسمال شركته إلى 5 ملايين جنيه، وكان يطمح فى مضاعفته، لكن القدر اراد غير ذلك، ليضطر إلى تغيير استراتيجيته التوسعية إلى انكماشية ويغلق فرعين للشركة. «سعد» يتسم بالهدوء والعقلانية، يتمنى ان يستقر السوق حتى يضيف نشاط ادارة محافظ الأوراق لإضافة شرائح جديدة من المستثمرين، ليدعم قاعدة شركته التى تصل إلى 25 الف مستثمر... الرجل الأربعينى لكل مرحلة فى حياته أثرت شخصيا وعمليا، للوالد والوالدة الدور الأكبر.. هو عاشق لرياضة الإسكواش، لما تمنحه من قوة وإصرار، وكذلك عاشق للألوان البيضاء لما تعكسه من حالة صفاء ونقاء.. لكن يظل يطمح فى الوصول بشركته المرتبطة بواحدة من المدن السياحية فى جنوب مصر إلى مكانة متقدمة ... فهل يحقق ذلك؟